القسم الثاني ـ شرائط الرهن .
فأما الرهن فحبس و لا استحالة في كون الشيء الواحد محبوسا بكل واحد من الدينين فهو الفرق بين الفصلين غير أنه و إن كان محبوسا بكل واحد من الدينين لكنه لا يكون مضمونا إلا بحصته حتى لو هلك تنقسم قيمته على الدينين فيسقط من كل واحد منهما بقدره لأن المرتهن عند هلاك الرهن يصير مستوفيا الدين من مالية الرهن و إنه لا يفي لاستيفاء الدينين و ليس أحدهما بأولى من الآخر فيقسم عليهما فيسقط من كل واحد منهما بقدره .
و على هذا يخرج حبس المبيع بأن اشترى رجلان من رجل شيئا فأدى أحدهما حصته من الثمن لم يكن له أن يقبض شيئا من المبيع و كان للبائع أن يحبس كله حتى يستوفي ما على الآخر لأن كل المبيع محبوس بكل الثمن فما بقي جزء من الثمن بقي استحقاق حبس كل المبيع .
و لو رهن بيتا بعينه من دار أو رهن طائفة معينة من دار جاز لانعدام الشيوع و على هذا الأصل تخرج زيادة الدين على الرهن أنها لا تجوز عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله و جملة الكلام في الزيادات : أنها أنواع أربعة : زيادة الرهن و هي نماؤه كالولد و اللبن و التمر و الصوف و كل ما هو متولد من الرهن أو في حكم المتولد منه بأن كان يدل جزء فائت أو بدل ما هو في حكم الجزء كالأرش و العقر و زيادة الرهن على أصل الرهن كما إذا رهن بالدين جارية ثم زاد عبدا أو غير ذلك رهنا بذلك الدين و زيادة الرهن على نماء الرهن كما إذا رهن بالدين جارية فولدت ولدا ثم ماتت الجارية ثم زاد رهنا على الولد و زيادة الدين على الرهن كما إذا رهن عبدا بألف ثم إن الراهن استقرض من المرتهن ألفا أخرى على أن يكون العبد رهنا بالأول و الزيادة جميعا أما زيادة الرهن فمرهونة عندنا على معنى أنه يثبت حكم الأصل فيها و هو استحقاق الحبس على طريق اللزوم .
و عند الشافعي C : ليست بمرهونة أصلا و المسألة تأتي في بيان حكم الرهن إن شاء الله تعالى .
و أما زيادة الرهن فجائزة استحسانا .
و القياس : أن لا يجوز و هو قول زفر C و هو على اختلاف الزيادة في الثمن و المثمن و قد مرت المسألة في كتاب البيوع .
و أما زيادة الرهن على نماء الرهن بعد هلاك الأصل فهي موقوفة إن بقي الولد إلى وقت الفكاك جازت الزيادة و إن هلك لم تجز لأنها إذا هلكت تبين أنها حصلت بعد سقوط الدين و قيام الدين شرط صحة الزيادة .
و أما زيادة الدين على الرهن فهي على الاختلاف الذي ذكرنا أنه لا يجوز عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف : جائزة .
وجه قوله : أن الدين في باب الرهن كالثمن في باب البيع بدليل أنه لا يصح الرهن إلا بالدين كما لا يصح البيع إلا بالثمن ثم هناك جازت الزيادة في الثمن و المثمن جميعا فكذا هنا تجوز الزيادة في الرهن و الدين جميعا و الجامع بين البابين أن الزيادة عندنا تلتحق بأصل العقد كأن العقد ورد على الأصل و الزيادة جميعا فيصير كأنه رهن بالدين عبدين ابتداء و ذا جائز كذا هذا .
وجه قولهما : أن هذه الزيادة لو صحت لأوجبت الشيوع في الرهن و أنه يمنع صحة الرهن و دلالة ذلك أنها لو صحت لصار بعض العبد بمقابلتها فلا يخلو إما أن يصير ذلك البعض بمقابلة الزيادة مع بقائه مشغولا بالأول و إما أن يفرغ من الأول و يصير مشغولا بالزيادة لا سبيل إلى الأول لأن المشغول بشيء لا يحتمل الشغل بغيره و لا سبيل إلى الثاني لأنه رهن بعض العبد بالدين و هذا رهن المشاع فلا يجوز كما إذا رهن عبدا واحدا بدينين مختلفين لكل واحد منهما بعضه بخلاف زيادة الرهن على أصل الرهن لأن الزيادة هناك لا تؤدي إلى شيوع الرهن بل إلى شيوع الدين لأن قبل الزيادة كان العبد بمقابلة كل الدين و بعد الزيادة صار كله بمقابلة بعض الدين و العبد و الزيادة بمقابلة البعض الآخر فيرجع الشيوع إلى الدين لا إلى الرهن و الشيوع في الدين لا يمنع صحة للرهن و في الرهن يمنع صحته ألا ترى لو رهن عبدا بنصف الدين جاز و لو رهن نصف العبد بالدين لم يجز لذلك افترق حكم الزيادتين .
و لو رهن مشاعا فقسم و سلم جاز لأن العقد في الحقيقة موقوف على القسمة و التسليم بعد القسمة فإذا وجد فقد زال المانع من النفاذ فينفذ .
و منها : أن يكون المرهون فارغا عما ليس بمرهون فإن كان مشغولا به بأن رهن دارا فيها متاع الراهن و سلم الدار أو سلم الدار مع ما فيها من المتاع أو رهن جوالقا دون ما فيه و سلم الجوالق أو سلمه مع ما فيه لم يجز لأن معنى القبض هو التخلية الممكنة من التصرف و لا يتحقق مع الشغل .
و لو أخرج المتاع من الدار ثم سلمها فارغة جاز و ينظر إلى حال القبض لا إلى حال العقد لأن المانع هو الشغل و قد زال فينفذ كما في رهن المشاع و لو رهن المتاع الذي فيها دون الدار و خلى بينه و بين الدار جاز بخلاف ما إذا رهن الدار دون المتاع لأن الدار تكون مشغولة بالمتاع فأما المتاع فلا يكونف مشغولا بالدار فيصح قبض المتاع و لم يصح قبض الدار .
و لو رهن الدار و المتاع و الذي فيها صفقة واحدة و خلى بينه و بينهما و هو خارج الدار جاز الرهن فيهما جميعا لأنه رهن الكل و سلم الكل و صح تسليمهما جميعا و لو فرق الصفقة بأن رهن أحدهما ثم الآخر فإن جمع بينهما في التسليم صح الرهن فيهما جميعا .
أما في المتاع فلا شك فيه لما ذكرنا أن المتاع لا يكون مشغولا بالدار و أما في الدار فلأن المانع و هو الشغل قد زال و إن فرق بأن رهن أحدهما و سلم ثم رهن الآخر و سلم لم يجز الرهن في الدار و جاز في المتاع سواء قدم أو أخر بخلاف الهبة فإن هناك يراعي فيه الترتيب إن قدم هبة الدار لم تجز الهبة في الدار و جازت في المتاع كما في الرهن و إن قدم هبة المتاع جازت الهبة فيهما جميعا .
أما في المتاع فلأنه غير مشغول بالدار و أما في الدار فلأنها و إن كانت مشغولة وقت القبض لكن بمتاع هو ملك الموهوب له فلم يمنع صحة القبض و هنا الدار مشغولة بمتاع هو ملك الراهن فيمنع صحة القبض فهو الفرق و لو رهن دارا و الراهن و المرتهن في جوف الدار فقال الراهن : سلمتها إليك لم يصح التسليم حتى يخرج من الدار ثم يسلم لأن معنى التسليم و هو التخلية لا يتحقق مع كونه في الدار فلا بد من تسليم جديد بعد الخروج منها و لو رهن دابة عليها حمل دون الحمل لم يتم الرهن حتى يلقي الحلم عنها ثم يسلمها إلى المرتهن .
و لو رهن الحمل دون الدابة و دفعها إليه كان رهنا تاما في الحمل لأن الدابة مشغولة بالحمل أما الحمل فليس مشغولا بالدابة كما في رهن الدار التي فيها المتاع بدون المتاع و رهن المتاع الذي في الدار بدون الدار و لو رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها أو رسنا في رأسها فدفع إليه الدابة مع اللجام و السرج و الرسن لم يكن رهنا حتى ينزعه من رأس الدابة ثم يسلم بخلاف ما إذا رهن متاعا في الدار لأن السرج و نحوه من توابع الدابة فلم يصح رهنها بدون الدابة كما لا يصح رهن الثمر بدون الشجر بخلاف المتاع فإنه ليس تبعا للدار و لهذا قالوا : لو رهن دابة عليها سرج أو لجام دخل ذلك في الرهن بحكم التبعية .
و على هذا يخرج ما إذا رهن جارية و استثنى ما في بطنها أو بهيمة و استثنى ما في بطنها أنه لا يجوز الاستثناء و لا العقد أما الاستثناء فلأنه لو جاز لكان الموهون مشغولا بما ليس بمرهون و أما العقد فلأن استثناء ما في البطن بمنزلة الشرط الفاسد و الرهن تبطله الشروط الفاسدة كالبيع بخلاف الهبة و لو أعتق ما في بطن جاريته ثم رهن الأم أو دبر ما في بطنها ثم رهن الأم فالكلام فيه كالكلام في الهبة و قد مر الكلام في الهبة .
و منها : أن يكون المرهون منفصلا متميزا عما ليس بمرهون فإن كان متصلا به غير متميز عنه لم يصح قبضه لأن قبض المرهون وحده غير ممكن و المتصل به غير مرهون فأشبه رهن المشاع .
و على هذا الأصل يخرج ما إذا رهن الأرض بدون البناء أو بدون الزرع و الشجر أو الزرع و الشجر بدون الأرض أو الشجر بدون الثمر أو الثمر بدون الشجر إنه لا يجوز سواء سلم المرهون بتخلية الكل أو لا لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون و هذا يمنع صحة القبض .
و لو جد الثمر و حصد الزرع و سلم منفصلا جاز لأن المانع من النفاذ قد زال و لو جمع بينهما في عقد الرهن فرهنهما جميعا و سلم متفرقا جاز و إن فرق الصفقة بأن رهن الزرع ثم الأرض أو الأرض ثم الزرع ينظر إن جمع بينهما في التسليم جاز الرهن فيهما جميعا و إن فرق لا يجوز فيهما جميعا سواء قدم أو أخر بخلاف الفصل الأول لأن المانع في الفصلين مختلف فالمانع من صحة القبض في هذا الفصل هو الاتصال و إنه لا يختلف و المانع من صحة القبض في الفصل الأول هو الشغل و إنه يختلف .
مثال هذا إذا رهن نصف داره مشاعا من رجل و لم يسلم إليه حتى رهنه النصف الباقي و سلم الكل إنه يجوز و لو رهن النصف و سلم ثم رهن النصف الباقي و سلم لا يجوز كذا هذا و على هذا إذا رهن صوفا على ظهر غنم بدون الغنم أنه لا يجوز لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون و هذا يمنع صحة القبض و لو جزه و سلمه جاز لأن المانع قد زال و على هذا أيضا إذا رهن دابة عليها حمل بدون الحمل لا يجوز .
و لو رفع الحمل عنها و سلمها فارغة جاز لما قلنا بخلاف ما إذا رهن ما في بطن جاريته أو ما في بطن غنمه أو ما في ضرعها أو رهن سمنا في لبن أو دهنا في سمسم أو زيتا في زيتون أو دقيقا في حنطة أنه يبطل و إن سلطه على قبضه عند الولادة أو عند استخراج ذلك فقبض لأن العقد هناك لم ينعقد .
أصلا لعدم المحل لكونه مضافا إلى المعدوم و لهذا لم ينعقد المضاف إليها فكذا الرهن أما هنا فالعقد منعقد موقوف نفاذه على صحة التسليم بالفصل و التمييز فإذا وجد فقد زال المانع .
و لو رهن الشجر بمواضعه من الأرض جاز لأنه قبضه ممكن و لو رهن شجرا و فيه ثمر لم يسمه في الرهن دخل في الرهن بخلاف البيع أنه لا يدخل الثمر في بيع الشجر من غير تسمية لأنه قصد تصحيح الرهن و لا صحة له بدون القبض و لا صحة للقبض بدون دخول ما هو متصل به فيدخل تحت العقد تصحيحا له بخلاف البيع فإنه يصح في الشجر بدون الثمر و لا ضرورة إلى إدخال الثمر للتصحيح .
و لو قال : رهنتك هذه الدار أو هذه الأرض أو هذا الكرم و أطلق القول و لم يخص شيئا دخل فيه كل ما كان متصلا به من البناء و الغرس لأن ذلك يدخل في البيع مع أن القبض ليس من شرط صحته فلأن يدخل في الرهن أولى إلا أنه يدخل فيه الزرع و الثمر و لا يدخل في البيع لما ذكرنا بخلاف المتاع أنه لا يدخل في رهن الدار و يدخل الثمر في رهن الشجر لأن الثمر تابع للشجر و المتاع ليس بتابع للدار .
و لو استحق بعض المرهون بعد صحة الرهن ينظر إلى الباقي إن كان الباقي بعد الاستحقاق مما يجوز رهنه ابتداء لا يفسد الرهن فيه و إن كان مما لا يجوز رهنه ابتداء فسد الرهن في الكل لأنه لما استحق بعضه تبين أن العقد لم يصح في القدر المستحق و أنه لم يقع إلا على الباقي فكأنه رهن هذا القدر ابتداء فينظر فيه إن كان محلا لابتداء الرهن يبقى الرهن فيه و إلا فيفسد في الكل كما لو رهن هذا القدر ابتداء إلا أنه إذا بقي الرهن فيه يبقى بحصته حتى لو هلك الباقي يهلك بحصته من الدين و إن كان في قيمته و فاء بجميع الدين و لا يذهب جميع الدين و إذا رهن الباقي ابتداء و فيه وفاء بالدين فهلك يهلك بجميع الدين و إن شئت أن تجعل الحيازة شرطا مفردا و خرجت المشاع على هذا الأصل لأنه مرهون متصل بما ليس بمرهون حقيقة فكان تخريجه عليه مستقيما فافهم .
و منها : أهلية القبض و هي العقل أنه يثبت به أهلية الركن و هو الإيجاب و القبول فلأن تثبت به أهلية الشرط أولى .
و أما تفسير القبض : فالقبض عبارة عن التخلي و هو التمكن من إثبات اليد و ذلك بارتفاع الموانع و إنه يحصل بتخلية الراهن بين المرهون و المرتهن فإذا حصل ذلك صار الراهن مسلما و المرتهن قابضا و هذا جواب ظاهر الرواية و روي عن أبي يوسف : أنه يشترط معه النقل و التحويل فما لم يوجد لا يصير قابضا .
و جه هذه الرواية : أن القبض شرط صحة الرهن قال الله تبارك و تعالى : { فرهان مقبوضة } و مطلق القبض ينصرف إلى الفقبض الحقيقي و لا يتحقق ذلك إلا بالنقل فأما التخلي فقبض حكما لا حقيقة فلا يكتفى به وجه ظاهر الرواية : أن التخلي بدون النقل و التحويل قبض في العرف و الشرع أما العرف فإن القبض يرد على ما لا يحتمل النقل و التحويل من الدار و العقار يقال : هذه الأرض أو هذه القرية أو هذه الولاية في يد فلان فلا يفهم منه إلا التخلي و هو التمكن من التصرف .
و أما الشرع فإن التخلي في باب البيع قبض بالإجتماع من غير نقل و تحويل دل التخلي بدون النقل و التحويل قبض حقيقة و شريعة فيكتفى به .
و أما بيان أنواع القبض فنقول و بالله التوفيق : .
القبض نوعان : نوع بطريق الأصالة و نوع بطريق النيابة أما القبض بطريق الأصالة فهو أن يقبض بنفسه لنفسه .
و أما القبض بطريق النيابة فنوعان : نوع يرجع إلى القابض و نوع يرجع إلى نفس القبض .
أما الذي يرجع إلى القابض : فنحو قبض الأب و الوصي عن الصبي و كذا قبض العبد يقوم مقام قبض المرتهن حتى لو هلك الرهن في يده كان الهلاك على المرتهن لأن نفس القبض مما يحتمل النيابة و لأن قبض الرهن قبض استيفاء الدين مما يحتمل النيابة .
و أما الذي يرجع إلى نفس القبض فهو أن المرهون إذا كان مقبوضا عند العقد فهل ينوب ذلك عن قبض الرهن ؟ فالأصل فيه ما ذكرنا في كتاب البيوع والهبة إن القبضين إذا تجانسا ناب أحدهما عن الاخر و إذا اختلفا ناب الأعلى عن الأدنى و قد بينا فقه هذا الأصل و فروعه فيما تقدم شئت عددت الحيازة و الفراغ و التمييز من شرائط نفس العقد فقلت : و من شرائط صحة العقد أن يكون المرهون محوزا عندنا و بنيت المشاع عليه و إن شئت قلت : و منها دوام القبض عندنا و عند الشافعي C ليس بشرط و بنيت عليه المشاع و لنا في إثبات هذا الشرط دليلان : .
أحدهما : قوله تعالى : { فرهان مقبوضة } أخبر الله سبحانه و تعالى أن المرهون مقبوض فيقتضي كونه مقبوضا ما دام مرهونا لأن إخباره سبحانه و تعالى لا يحتمل الخلف و الشيوع يمنع دوام القبض فيمنع صحة الرهن .
و الثاني : أن الله تبارك و تعالى سماه رهنا و كذا يسمى رهنا في متعارف اللغة و الشرع و الرهن حبس في اللغة قال الله تبارك و تعالى : { كل نفس بما كسبت رهينة } أي حبيسة بكسبها فيقتضي أن يكون محبوسا ما دام مرهونا و الشياع يمنع دوام الحبس فيمنع جواز الرهن و سواء كان فيما يحتمل القسمة أو فيما لا يحتملها لأن الشيوع يمنع إدامة القبض فيهما جميعا و سواء كان الشيوع مقارنا أو طارئا في ظاهر الرواية لأن كل ذلك يمنع دوام القبض و سواء كان الرهن من أجنبي أو من شريكه لأنه لو جاز لأمسكه الشريك يوما بحكم الملك و يوما بحكم الرهن فتختلف جهة القبض و الحبس فلا يدوم القبض و الحبس من حيث المعنى و يصير كأنه رهنه يوما و يوما لا يجوز و على هذا أيضا يخرج رهن ما هو متصل بعين ليس بمرهون لأن اتصاله بعين المرهون يمنع من إدامة القبض عليه و إنه شرط جواز الرهن ومنها أن يكون فارغا ما ليس بمرهون و منها أن يكون منفصلا مميزا عما ليس بمرهون و خرجت على كل واحد منهما مسائلة التي ذكرنا فافهم .
و أما الذي يرجع إلى المرهون به فأنواع : منها أن يكون مضمونا و الكلام في هذا الشرط يقع في موضعين : .
أحدهما : في أصل اشتراط الضمان .
و الثاني : في صفة المضمون .
أما الأول فأصل الضمان هو كون المرهون به مضمونا شرط جواز الرهن لأن المرهون عندنا مضمون بمعنى سقوط الواجب عند هلاكه أو بمعنى استيفاء الواجب و لسنا نعني بالمضمون سوى أن يكون واجب التسليم على الراهن و المضمون نوعان : دين و عين أما الدين فيجوز الرهن به بأي سبب وجب من الإتلاف و الغضب و البيع و نحوها لأن الديون كلها واجبة على اختلاف أسباب وجوبها فكان الرهن بها رهنا بمضمون فيصح و سواء كان مما يحتمل الاستبدال قبل القبض أو لا يحتمله كرأس مال السلم و بدل الصرف و المسلم فيه و هذا عند أصحابنا الثلاثة .
و قال زفر : لا يجوز الرهن بهذه الديون .
وجه قوله : أن سقوط الدين عند هلاك الرهن بطريق الاستبدال على معنى أن عين الدين تصير بدلا عن الدين لا بطريق الاستيفاء لأن الاستيفاء لا يتحقق إلا يتحقق إلا عند المجانسة و الرهن مع الدين يكونان مختلفي الجنس عادة فلا يكون القول بالسوط بطريق الاسيفاء فتعين أن يكون بطريق الاستبدال فيختص جواز الرهن بما يحتمل الاستبدال و هذه الديون كما لا يجوز استبدالها فلا يجوز الرهن بها .
و لنا : أن السقوط بطريق الاستيفاء لما نذكر في حكم الرهن إن شاء الله تعالى و استيفاء هذه الديون ممكن .
و أما قوله : الاستيفاء يستدعي المجانسة قلنا : المجانسة ثابتة من وجه لأن الاستيفاء يقع بمالية الرهن لا بصورته و الأموال كلها فيما يرجع إلى معنى المالية جنس واحد و قد يسقط اعتبار المجانسة من حيث الصورة و يكتفي بمطلق المالية للحاجة و الضرورة كما في إتلاف ما لا مثل له من جنسه و قد تحققت الضرورة في باب الرهن لحاجة الناس إلى توثيق ديونهم من جانب الاستيفاء فأمكن القول بالاستيفاء و إذا جاز الرهن بهذه الديون فإن هلك الرهن في المجلس تم الصرف و السلم لأنه صار مستوفيا عين حقه في المجلس لا مستبدلا و إن لم يملك حتى افترقا بطلا لفوات شرط البقاء على الصحة و هو القبض في المجلس .
و أما العين فنقول : لا خلاف في أنه لا يجوز الرهن بالعين التي هي أمانة في يد الراهن كالوديعة و العارية و مال المضاربة و البضاعة و الشركة و المستاجر و نحوها فإنها ليست بمضمونة أصلا .
و أما العين المضمونة فنوعان : نوع هو مضمون بنفسه و هو الذي يجب مثله عند هلاكه إن كان له مثل و قيمته إن لم يكن له مثل كالمغصوب في يد الغاصب و المهر في يد الزوج و بدل الخلع في يد المرأة و بدل الصلح عن دم العمد في يد العاقلة و لا خلاف في أنه يجوز الرهن به و للمرتهن أن يحبس الرهن حتى يسترد العين فإن هلك المرهون في يده قبل استرداد العين و العين قائمة يقال للراهن : سلم العين إلى المرتهن و خذ منه الأقل من قيمة الرهن و من الدين لأن المرهون عندنا مضمون بذلك فإذا و صل إليه العين يجب عليه رد قدر المضمون إلى الراهن فإن هلكت العين و الرهن قائم صار الرهن بها رهنا بقيمتها حتى لو هلك الرهن بعد ذلك يهلك مضمونا بالأقل من قييمته و قيمة العين لأن قيمة العين بدلها و بدل الشيء قائم مقامه كأنه هو .
و أما الذي هو مضمون بغيره لا بنفسه كالمبيع في يد البائع ليس هو مضمونا بنفسه ألا ترى أنه لو هلك في يده لا يضمن شيئا بل هو مضمون بغيره و هو الثمن حتى يسقط الثمن المشتري إذا هلك فهل يجوز الرهن به ؟ ذكر في كتاب الصرف أنه يجوز و له أن يحسبه حتى يقبض المبيع و إن هلك في يده قبل القبض يهلك بالأقل من قيمته و من قيمة المبيع و لا يصير قابضا للمبيع بهلاكه و له : أن يقبض المبيع إذا أوفى ثمنه و عليه أيضا ضمان الأقل بهلاك الرهن و لو هلك المبيع قبل القبض و الرهن قائم بطل البيع لأن إهلاك المبيع قبل القبض يوجب بطلان المبيع و على المشتري أن يرد الرهن على البائع و لو هلك في يده فيل الرد هلك بضمانه و هو الأقل من قيمته و من قيمة المبيع للبائع و لا يبطل ضمانه بهلاك المبيع و بطلان البيع لأنه و إن هلك المبيع فقد سقط الثمن بمقابلته فكان بطلانه بعوض فلا يبطل ضمانه .
و روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يصح الرهن و به أخذ الكرخي .
وجه رواية الحسن : أن قبض الرهن قبض الرهن قبض استيفاء المرهون و لا يتحقق معنى الاستيفاء في المضمون بغيره لأن المشتري لا يصير مستوفيا شيئا بهلاك الرهن إنما يسقط عنه الثمن لا غير .
وجه ظاهر الرواية : أن الاستيفاء ههنا يحصل من حيث المعنى لأن المبيع قبل القبض إن لم يكن مضمونا بالقيمة فهو مضمون بالثمن .
ألا ترى أنه لو هلك يسقط الثمن عن المشتري فكان سقوط الثمن عنه كالعوض عن هلاك المبيع فيحصل مستوفيا مالية المبيع من الرهن من حيث المعنى فكان في معنى المضمون بنفسه فيصح الرهن به .
و لو تزوج امرأة على دراهم بعينها أو اشترى شيئا بدراهم بعينها فأعطى بها رهنا لم يجز عند أصحابنا الثلاثة Bهم و عند زفر يجوز بناء على أن الدراهم و الدنانير لا تتعين في عقود المعاوضات و إن عينت فكان الواجب على الراهن مثلها لا عينها فلم يكن المعين مضمونا فلم يجز الرهن و عنده يتعين بالتعيين بمنزلة العوض فكان المعين مضمونا فجاز الرهن به و لا يجوز الرهن بالكفالة بالنفس لأن المكفول به ليس بمضمون على الكفيل ألا ترى أنه لو هلك لا يجب على الراهن شيء و لا يسقط عن المرتهن بمقابلته و لا يجوز الرهن بالشفعة لأن الشفعة ليست بمضمونة على المشتري بدليل أنه لو هلك لا يجب عليه شيء و لا يسقط على المرتهن بشيء بمقابلته فكان رهنا بما ليس بمضمون فلم يجز .
و لا يجوز الرهن بالعبد الجاني و العبد المديون لأنه لو هلك لا يجب على المولى شيء و لا يسقط عن المرتهن شيء بمقابلته فلم يكن مضمونا أصلا فلا يصح الرهن به و لا يجوز الرهن بأجرة النائحة و المغنية بأن استأجر مغنية أو نائحة بالأجرة رهنا لأن الإجارة لم تصح فلم تجب الأخرة فكان رهنا بما ليس بمضمون فلم يجز .
و لو دفع إلى رجل رهنا ليقرضه فهلك الرهن قبل أن يقرضه يهلك مضمونا بالأقل من قيمة و مما سمى من الفرض و إن حصل الارتهان بما ليس بمضمون لكنه في حكم المضمون لأنه قبض الرهن ليقرضه فكان قبض الرهن على جهة الضمان و المقبوض على جهة شيء كالمقبوض على الشرع كالمقبوض على سوم الشراء