صفة المضمون .
و أما صفة المضمون فنوعان : .
أحدهما : متفق عليه .
و الثاني : مختلف فيه .
أما المتفق عليه هو أن يكون مضمونا في الحال فلا يصح الرهن بما يصير مضمونا في الثاني كالرهن بالدرك بأن باع شيئا و قبض الثمن و سلم المبيع إلى المشتري فخاف المشتري الاستحقاق فأخذ بالثمن من البائع رهنا قبل الدرك لا يجوز حتى لا يملك الحبس سواء وجد الدرك أو لم يوجد و لو هلك يهلك أمانة سواء وجد الدرك أو لم يوجد و كذا إذا ارتهن بما يثبت له على الراهن في المستقبل لا يجوز بخلاف الكفالة فإن الكفالة بما يصير مضمونا في الثاني جائزة كما إذا كفل بما يذوب له على فلان و نحو ذلك لأن الارتهان استيفاء من وجه للحال يستوفى و استيفاء المعدوم محال بخلاف الكفالة و لأن الرهن و الارتهان لما كان من باب الإيفاء و الاستيفاء أشبه البيع فلا يحتمل الإضافة إلى المستقبل كالبيع ولأن القياس يأبى جوازهما جميعا لأن كل واحد منهما يستدعي مضمونا إلا أن الجواز في الكفالة لتعامل الناس و لا تعامل في الرهن فيبقى الأمر فيه على أصل القياس و بخلاف ما إذا دفع إلى إنسان رهنا ليقرضه أن الرهن يكون مضمونا و إن كان ذلك رهنا بما ليس بمضمون في الحال لأن له حكم المضمون و إن لم يكن مضمونا حقيقة لوجود القبض على جهة الضمان و المقبوض على جهة شيء بمنزلة المقبوض على حقيقة كالمقبوض على سوم الشراء و لم يوجد هنا و لو قال لآخر : ضمنت لك مالك على فلان إذا حل يجوز أخذ الكفيل و الرهن به .
و لو قال : إذا قدم فلان فأنا ضامن مالك عليه لم يجز أخذ الرهن به و يجوز أخذ الكفيل .
و الفرق : أن في المسألة الأولى الكفالة و الرهن كل واحد منهما أضيف إلى مضمون في الحال لأن الدين المؤجل واجب قبل حلول الأجل على طريق التوسع و إنما تأثير التاجيل في تأخير المطالبة بخلاف الرهن بضمان الدرك لأنه لا مضمون هنالك للحال و لا ماله حكم المضمون بخلاف ما إذا قال : إذا قدم فلان فأنا ضامن مالك عليه لأن ذلك تعليق الضمان بقدوم فلان فكان عدما قبل وجود الشرط فلم توجد الإضافة إلى مضمون للحال فبطل الرهن و صحت الكفالة لأنها لا تستدعي مضمونا في الحال بل في الجملة على ما مر .
و أما المختلف فيه فهو أن الشرط كونه مضمونا من حيث الظاهر يكفي لجواز الرهن .
ذكر محمد في [ الجامع ] ما يدل على أن كونه مضمونا في الظاهر كاف يشترط كونه مضمونا حقيقية فإنه قال : إذا ادعى على رجل ألفا و هي قرض عليه فجحدها المدعى عليه ثم إنه صالح المدعي من ذلك على خمسمائة و أعطاه بها رهنا يساوي خمسمائة ثم تصادقا على أن ذلك المال كان باطلا و إنه لم يكن للمدعى عليه شيء ثم هلك الرهن في يده كان على المرتهن أن يرد على الراهن خمسمائة لأن الدين كان ثابتا على الرهن من حيث الظاهر ألا ترى أنهما لو اختصما إلى القاضي قبل أن يتصادقا أن القاضي يجبر المدعى عليه على إيفاء الخمسمائة فكان هذا رهنا بما هو مضمون ظاهرا فيصح يدل عليه أن الرهن بجهة الضمان جائز على ما ذكرنا فلأن يجوز بالضمان الثابت من حيث الظاهر أولى .
و روى عن أبي يوسف أنه لا يضمن شيئا لأنها لما تصادقا على أنه لم يكن عليه شيء تبين أن الرهن حصل بما ليس بمضمون بما ليس بمضمون أصلا فلم يصح و كذا ذكر في الجامع إذا اشترى من رجل عبدا بألف درهم و قبض العبد و أعطاه بلألف رهنا يساوي ألفا فهلك الرهن عند المرتهن ثم قامت البينة على أن العبد حر أو استحق العبد من يده يهلك مضمونا لأن الألف كانت مضمونة على الراهن ظاهرا فقد حصل الارتهان بدين مضمون عليه من حيث الظاهر فجاز و كذا لو اشترى شاة مذبوحة بعشرة دراهم أو اشترى دنا من خل و أعطاه بالثمن رهنا فهلك الرهن ثم علم أن الشاة ميتة و الخل خمر فالرهن مضمون لما قلنا و كذا لو قتل عبد إنسان خطأ و أعطاه بقيمته رهنا ثم علم أن العبد حر كان المرهون مضمونا بالأقل من قيمته و من قيمة العبد لما ذكرنا .
و على قياس ما روى عن أبي يوسف ينبغي أن لا يضمن في هذه المسائل أيضا لأنه تبين أن الارتهان حصل بما ليس بمضمون حقيقة فلم يصح و لو ادعى المستودع أو المضارب هلاك الوديعة أو المضاربة و ادعى رب المال عليهما الاستهلاك و تصالحا على مال و أخذ رب المال بالمال رهنا من المستودع فهلك عنده ثم تصادقا على أن الوديعة هلكت عنده يضمن المرتهن عند محمد و عند أبي يوسف لا يضمن و هذا الاختلاف بناء على اختلافهما في صحة الصلح فعند محمد لما صح الصلح كان رهنا بمضمون من حيث الظاهر فيصح و عند أبي يوسف لما لم يصح فقد حصل الرهن بما ليس بمضمون حقيقة فلم يصح و منها أن يكون محتملا للاستيفاء من الرهن فإن لم يحتمل لم يصح الرهن به لأن الارتهان استيفاء .
وعلى هذا يخرج الرهن بالقصاص في النفس و ما دونها أنه لا يجوز لأنه لا يمكن استيفاء القصاص من الرهن و يجوز الرهن بأرش الجناية لأن استيفاءه من الرهن ممكن فصح الرهن به .
و على هذا أيضا يخرج الرهن بالشفعة أنه لا يصح لأن حق الشفعة لا يحتل الاستيفاء من الرهن فلم يصح الرهن به .
و على هذا أيضا يخرج الرهن بالكفالة بالنفس فإنه لا يجوز لأن المكفول به مما لا يحتمل الاستيفاء من الرهن