بيان كيفية الضمان و قدره .
و أما بيان كيفية الضمان و قدره : فالرهن لا يخلو إما أن يكون من جنس حق المرتهن أو من خلاف جنس حقه فإن كان من خلاف جنس حقه فإما أن يكون شيئا واحدا و إما أن يكون أشياء فإن كان شيئا واحدا يهلك مضمونا بالأقل من قيمته و من الدين .
و تفسيره : إذا رهن عبدا قيمته ألف بألف فهلك ذهب الدين كله و إن كانت قيمة العبد ألفين فهلك ذهب كل الدين أيضا و فضل الرهن يهلك أمانة و إن كانت قيمته خمسمائة ذهب من الدين خمسمائة و يرجع المرتهن على الراهن بفضل الدين و هذا قول عامة العلماء و جماعة من الصحابة Bهم مثل سيدنا عمر و عبد الله بن مسعود و هو رواه عن سيدنا علي Bهم .
و منهم : من قال : إنه مضمون بقيمته بالغة ما بلغت أي على المرتهن فضل قيمة الرهن و هكذا روي عن ابن سيدنا عمر Bهما .
و منهم من قال : إنه مضمون بالدين بالغا ما بلغ أي يذهب كل الدين قلت قيمة الدين أو كثرت و هو مذهب شريح .
و عن سيدنا علي Bه رواية أخرى أنه قال : يترادان الفضل يعني إن كانت قيمة الرهن أكثر فللراهن أن يرجع على المرتهن بفضل القيمة و إن كانت قيمته أقل فللمرتهن أن يرجع على الراهن بفضل الدين و اختلافهم على هذا الوجه حجة على الشافعي C في قوله : إن المرهون أمانة لأن اختلافهم في كيفية الضمان و قدره اتفاق منهم على كونه مضمونا فإنكار الضمان أصلا يرجع إلى مخالفة الإجماع فكان باطلا ثم الرجحان في كيفية الضمان لقول سيدنا عمر و ابن مسعود Bهما لأن المرهون مضمون عندنا بطريق الاستيفاء لأن قبض الرهن قبض استيفاء و يتقرر الاستيفاء عند الهلاك فيتقرر الضمان فيه بقدر الاستيفاء .
فإن كانت قيمة الرهن مثل الدين أمكن تحقيق الاستيفاء لأن استيفاء الدين مثله صورة و معنى أو معنى لا صورة و إذا كانت قيمته أكثر لا يتحقق الاستيفاء إلا في قدر الدين و لا يتحقق في الزيادة لأن استيفاء الأقل من الأكثر يكون ربا و إذا كانت قيمته أقل لا يمكنه تحقيق الاستيفاء إلا بقدر الدين لأن استيفاء الأكثر من الأقل لا يتصور .
هذا إذا كان المرهون شيئا واحدا فأما إذا كان أشياء بأن رهن عبدين أو ثوبين أو دابتين أو نحو ذلك فلا يخلو إما إن أطلق الرهن و لم يسم لكل واحد منهما شيئا من الدين و إما إن قيد و سمى لكل واحد منهما شيئا من الدين و إما إن قيد و سمى لكل واحد منهما قدرا معلوما من الدين فإن أطلق يقسم الدين عليهما على قدر قيمتهما و كان كل واحد منهما مضمونا بالأقل من قيمة نفسه و من حصته من الدين لأن كل واحد منهما مرهون و المرهون مضمون بالدين فلا بد من قسمة الدين على قيمتهما ليعرف قدر ما في كل واحد منهما من الضمان كما ينقسم الثمن عليهما في باب البيع باعتبار قيمتهما لمعرفة مقدار الثمن لأن المرهون مضمون بالدين كما أن البيع مضمون بالثمن و إن قيد كان كل واحد منهما مضمونا بالأقل من قيمته و مما سمى له لأنه لما سمي وجب اعتبار التسمية فينظر إلى القدر المسمى لكل واحد منهما فأيهما هلك يهلك بالأقل من قميته و من القدر المسمى كما في باب البيع إذا سمى لكل واحد من المبيعين ثمنا أنه ينقسم الثمن عليهما بالقدر المسمى كذا هذا هذا إذا كان المرهون من خلاف جنس الدين و هلك في يد المرتهن فأما إذا كان من جنسه بأن رهن موزونا بجنسه أو مكيلا بجنسه و هلك في يد المرتهن فقد اختلف أصحابنا فيه قال أبو حنيفة : يهلك مضمونا بالدين باعتبار الوزن دون القيمة حتى لو كان وزن الرهن بمثل وزن الدين و قيمته أقل منه فهلك يذهب كل الدين عنده و عند أبي يوسف و محمد يضمن القيمة من خلاف الجنس على ما نذكر .
فمن أصل أبي حنيفة أنه يعتبر الوزن دون القيمة في الهالك و من أصلهما أنهما يعتبران الوزن فيما لا يتضرر به المرتهن فأما فيما يتضرر به فيضمنان القيمة من خلاف الجنس