القسم الثاني من حكم لو انكسر المرهون .
هذا الذي ذكرنا حكم الرهن على بني آدم و أما حكم جنايته على سائر الأموال بأن استهلك ما لا تستغرق رقبته فحكمها و حكم جناية غير الرهن سواء و هو تعلق الدين برقبته يباع فيه إلا إذا قضى الراهن أو المرتهن دينه فإذا قضاه أحدهما فالحكم فيه و الحكم فيما ذكر من الفداء من جنايته على بني آدم سواء و هو أنه إن قضى المرتهن الدين بقي دينه و بقي العبد رهنا على حاله لأنه بالفداء استفرغ رقبة العبد عن الدين و استصفاها عنه فيبقى العبد رهنا بدينه كما كان لو فداه عن الجناية و إن أبى المرتهن أن يقضي و قضاه الراهن بطل دين المرتهن لما ذكرنا في الفداء من الجناية فإن امتنعا عن قضاء دينه يباع العبد بالدين و يقضي دين الغريم من ثمنه لأن دين العبد مقدم على حق المرتهن ألا ترى أنه مقدم على حق المولى فعلى حق المرتهن أولى لأنه دونه ثم إذا بيع العبد و قضى دين الغريم من ثمنه فثمنه لا يخلو إما أن يكون فيه وفاء بدين الغريم و إما إن لم يكن فيه وفاء به فإن كان فيه وفاء بدينه فدينه لا يخلو إما أن يكون مثل دين المرتهن و إما أن يكون أكثر منه و إما أن يكون أقل منه فإن كان مثله أو أكثر منه سقط دين المرتهن كله لأن العبد زال عن ملك الراهن بسبب وجد في ضمان المرتهن فصار كأنه هلك و ما فضل من ثمن العبد يكون للراهن لأنه بدل ملكه لا حق لأحد فيه فيكون له خاصة و إن كان أقل منه سقط من دين المرتهن بقدره و ما فضل من ثمن العبد يكون رهنا عند المرتهن بما بقي لأنه لا دين فيه فيبقي رهنا .
ثم إن كان الدين قد حل أخذه بدينه إن كان من جنس حقه و إن كان من خلاف جنس حقه أمسكه إلى أن يستوفي حقه و إن كان الدين لم يحل أمسكه بما بقي من دينه إلى أن يحل .
هذا إذا كان كل العبد مضمونا بالدين فأما إذا كان نصفه مضمونا و نصفه أمانة لا يصرف الفاضل كله إلى المرتهن بل يصرف نصفه إلى المرتهن و نصفه إلى الراهن لأن قدر الأمانة لا دين فيه فيصرف ذلك إلى الراهن و كذلك أن كان قدر المضمون منه و الأمانة على التفاضل يصرف الفضل إليهما على قدر تفاوت المضمون و الأمانة في ذلك لما قلنا .
و إن لم يكن في ثمن العبد وفاء بدين الغريم أخذ الغريم ثمنه و ما بقي من دينه يتأخر إلى ما بعد العتاق و لا يرجع به على أحد لأنه لم يوجد سبب وجوب الضمان من أحد إنما وجد منه و حكمه تعلق الدين برقبته و استيفاء الدين منها فنها فإذا لم تف رقبته بالدين يتأخر ما بقي إلى ما بعد العتق و إذا أعتق و أدى الباقي لا يرجع بما أدى على أحد لأنه وجب عليه بفعله فلا يرجع على غيره و كذلك حكم جناية ولد الرهن على سائر الأموال و حكم جناية الأم سواء في أنه يتعلق الدين برقبته كما في الأم إلا أن هنا لا يخاطب المرتهن بقضاء دين الغريم لأن سبب وجوب الدين لم يوجد في ضمان المرتهن و لأن الولد ليس بمضمون بخلاف الأم بل يخاطب الراهن بين أن يبيع الولد بالدين و بين أن يستخلفه بقضاء الدين فإن قضى الدين بقي الولد رهنا كما كان و إن بيع بالدين لا يسقط شيء من دين المرتهن لأنه ليس بمضمون بخلاف الأم .
هذا الذي ذكرنا حكم جناية غير الرهن على الرهن و حكم جناية الرهن على غير الرهن فأما حكم جناية الرهن على الرهن فنقول و بالله التوفيق : .
جناية الرهن على الرهن نوعان : جناية على الرهن نفسه و جناية على جنسه أما جنايته على نفسه فهي و الهلاك بآفة سماوية سواء ثم ينظر إن كان العبد كله مضمونا سقط من الدين بقدر النقصان و إن كان بعضه مضمونا و بعضه أمانة سقط من الدين قدر ما انتقص من المضمون لا من الأمانة .
و أما جناية الرهن على نفسه فعلى ضربين أيضا : جناية بني آدم على جنسه و جناية البهيمة على جنسها و على غير جنسها .
أما جناية بني آدم على جنسه بأن كان الرهن عبدين فجنى أحدهما على صاحبه فالعبدان لا يخلو إما إن كانا رهنا في صفقة واحدة و إما إن كانا رهنا في صفقتين فإن كانا رهنا في صفقة واحدة فجنى أحدهما على صاحبه فجنايته لا تخلو من أربعة أقسام جناية المشغول على المشغول و جناية المشغول على الفارغ و جناية الفارغ على الفارغ و جناية الفارغ على المشغول و الكل هدر إلا واحدة و هي جناية الفارغ على المشغول فإنها معتبرة و يتحول ما في المشغول من الدين إلى الفارغ و يكون رهنا مكانه .
أما جناية المشغول على المشغول فلأنها لو اعتبرت إما أن تعتبر لحق المولى أعني الراهن و إما أن تعتبر لحق المرتهن و الاعتبار لحق الرهن لا سبيل إليه في الفصول كلها لأن كل واحد منهما ملكه و جناية المملوك على المملوك ساقطة الاعتبار لحق المالك لأن اعتبارها في حقه لوجوب الدفع عليه أو الفداء له و إيجاب شيء على الإنسان لنفسه ممتنع و لهذا لا يجب للمولى على عبده دين لا سبيل إلى اعتبار جناية المشغول على المشغول لحق المرتهن لأن اعتبار لحقه يحول ما في المجني عليه من الدين إلى الجاني و الجاني مشغول بدين نفسه و المشغول بنفسه لا يشتغل بغيره و كذلك جناية المشغول على الفارغ لما قلنا و أما جناية الفارغ على الفارغ فلأنه لا دين للفارغ ليتحول إلى الجاني فلا يفيد اعتبارها في حقه و أما جناية الفارغ على المشغول فممكن الاعتبار لحق يتحول ما فيه من الدين إلى الفارغ .
و بيان هذه الجملة في مسائل : إذا كان الدين ألفين و الرهن عبدين يساوي كل و احد منهما ألفا فقتل أحدهما صاحبه أو جنى عليه جناية فيما دون النفس مما قل أرشها أو كثر فجنايته هدر و يسقط الدين الذي كان في المجني عليه بقدره و لا يتحول قدر ما سقط إلى الجاني لأن كل واحد منهما مشغول كله بالدين و جناية المشغول على المشغول هدر فجعل كأن المجني عليه هلك بآفة سماوية و لو كان الدين ألفا فقتل أحدهما صاحبه فلا دفع و لا فداء و كان القاتل رهنا بسبعمائة و خمسين لأن في كل واحد منهما من الدين خمسمائة فكان نصف كل واحد منهما فارغا و نصفه مشغولا فإذا قتل أحدهما صاحبه فقد جنى كل واحد من نصفي القاتل على النصف المشغول و النصف الفارغ من المجني عليه و جناية قدر المشغول على المشغول و قدر المشغول على الفارغ و قدر الفارغ على الفارغ هدر لما بينا فيسقط ما كان فيه شيء من الدين و لا يتحول إلى الجاني و جناية قدر الفارغ على قدر المشغول معتبرة فيتحول قدر ما كان فيه إلى الجاني و ذلك مائتان و خمسون و قد كان في الجاني خمسماية فيبقي رهنا بسبعمائة و خمسين .
و لو فقأ أحدهما عين صاحبه تحول نصف ما كان من الدين في العين إلى الباقي فيصير الباقي رهنا بستمائة و خمسة و عشرين و بقي المفقوء عينه رهنا بمائتين و خمسين لأن العبد الفاقئ جنى على نصف العبد الآخر لأن العين من الآدمي نصفه إلا أن ذلك النصف نصفه مشغول بالدين و نصفه فارغ من الدين و الفاقئ جنى على النصف المشغول و الفارغ جميعا و الفاقئ نصفه مشغول و نصفه فارغ إلا أن جناية المشغول على قدر المشغول و الفارغ و جناية الفارغ على قدر الفارغ و المشغول فقدر جناية الفارغ على قدر المشغول معتبرة فيتحول قدر ما كان في المشغول من الدين إلى الفاقئ و ذلك مائة و خمسة و عشرون و قد كان في الفاقئ خمسمائة فيصير الفاقئ رهنا بستمائة و خمسة و عشرين و يبقى المفقوء عينه رهنا بمائتين و خمسين لانعدام ورود الجناية على ذلك النصف و الله D أعلم .
و إن كان العبدان رهنا في صفقتين فإن كان فيهما فضل على الدين بأن كان الدين ألفا و قدر كل واحد منهما ألفا فقتل أحدهما الآخر تعتبر الجناية رهنا بخلاف الفصل الأول لأن الصفقة إذا تفرقت صارت بمنزلة ما لو رهن كل واحد منهما رجلا على حدة فجنى أحدهما على الآخر و هناك يثبت حكم الجناية كذا ههنا بخلاف ما إذا اتحدت الصفقة .
و إذا اعتبرت الجناية هنا يخير الراهن و المرتهن فإن شاءا جعلا القاتل مكان المقتول فيبطل ما كان في القاتل من الدين و إن شاءا فديا القاتل بقيمة المقتول و يكون رهنا مكان المقتول و القاتل رهن على حاله .
و إن لم يكن فيهما فضل على الدين بأن كان الدين ألفين و قيمة كل واحد منهما ألفا فقتل أحدهما الآخر فإن دفعاه في الجناية قام المدفوع مقام المقتول و يبطل الدين الذي كان في القاتل و إن قالا : نفدي فالفداء كله على المرتهن بخلاف الفصل الأول لأن هناك كل واحد منهما ليس بمضمون كل بل بعضه و هنا كل واحد منهما مضمون كله فإذا حل الدين دفع الراهن ألفا و أخذ عبده و كانت الألف الأخرى قصاصا بهذه الألف إذا كان مثله .
و لو فقأ أحدهما عين الآخر قيل لهما : ادفعاه أو افدياه فإن دفعاه بطل ما كان فيه من الدين و إن فدياه كان الفداء عليهما نصفين و كان الفداء رهنا مع المفقود عينه لأن الجناية معتبرة لما ذكرنا فصار كعبد الرهن إذا جنى على عبد أجنبي .
فإن قال المرتهن : أنا لا أفدي و لكني أدع الرهن على حاله فله ذلك و كان الفاقئ رهنا مكانه على حاله و قد ذهب نصف ما كان في المفقود من الدين لأن اعتبار الجناية إنما كان لحق المرتهن لا لحق الراهن فإذا رضي المرتهن بهدر الجناية صار هدرا .
و إن قال الراهن : أنا أفدي و قال المرتهن : لا أفدي كان للراهن أن يفديه و هذا إذا طلب المرتهن حكم الجناية لأنه إذا طلب حكم الجناية فحكمها التخيير و إن أبى الراهن الفداء .
و قال المرتهن : أنا أفدي و الراهن حاضر أو غائب فهو على ما بينا في العبد الواحد .
و أما جناية البهيمة على جنسها فهي هدر لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ جرح العجماء جبار ] أي هدر و العجماء البهيمة و الجناية إذا هدرت سقط اعتبارها و صار الهلاك بها و الهلاك بآفة سماوية سواء و كذلك جنايتها على خلاف جنسها هدر لعموم الحديث و أما جناية بني آدم عليها فحكمها و حكم جنايته على سائر الأموال سواء و قد بينا ذلك .
فصل : و أما بيان ما يخرج به المرهون عن كونه مرهونا و يبطل به عقد الرهن و ما لا يخرج و لا يبطل فنقول و بالله التوفيق : .
يخرج المرهون عن كونه مرهونا و يبطل الرهن بالإقالة لأنها فسخ العقد و نقضه و الشيء لا يبقى مع ما ينقضه إلا أنه لا يبطله بنفس الإقالة من العاقدين ما لم يرد المرتهن الرهن على الراهن بعد الإقالة حتى كان للمرتهن حبسه بعد الإقالة لأن العقد لا ينعقد في الحكم بدون القبض فلا يتم فسخه أيضا و فسخه بالرد .
و على هذا يخرج ما إذا رهن عبدا يساوي ألفا بألف فقبضه المرتهن ثم جاء الراهن بجارية و قال للمرتهن : خذها مكان الأولى ورد العبد إلي لا شك أن هذا جائز لأن هذا إقالة العقد في الأول و إنشاء العقد في الثاني و هما يملكان ذلك إلا أنه لا يخرج الأول عن ضمان الرهن إلا بالرد على الراهن حتى لو هلك في يده قبل الرد يهلك بالدين لما ذكرنا أن القبض في هذا الباب يجري مجرى الركن حتى لا يثبت الضمان بدونه فلا يتم الفسخ بدون نقض القبض و كذا لا يدخل الثاني في الضمان إلا برد الأول حتى لو هلك الثاني في يده قبل رد الأول يهلك أمانة لأن الراهن لم يرض برهنيتهما على الجميع و إنما رضي برهن أحدهما حيث رهن الثاني و طلب رد الأول و الأول كان مضمونا بالقبض فما لم يخرج عن كونه مضونا ببعض القبض فيه لا يدخل الثاني في الضمان و لو هلكا جميعا في يد المرتهن فسقط الدين بهلاك العبد و هلكت الجارية بغير شيء لأنها أمانة هلكت في يده فتهلك هلاك الأمانات .
و لو قبض الراهن العبد و سلم الجارية خرج عن الضمان لأنه خرج عن كونه مرهونا و صارت الجارية مضمونة حتى لو هلكت تهلك بالدين لأنه رهنها بالدين الذي كان العبد مرهونا به و العبد كان مضمونا بذلك الدين فكذا الجارية فإن كانت قيمة العبد خمسمائة و هو رهن بألف و قيمة الجارية ألف فهلكت تهلك بالألف لأنه رهن الجارية بعقد على حدة فكانت رهنا ابتداء إلا أن شرط كونه مضمونا رد الأول لأنه لم يرض برهنهما جميعا إلا أن يكون الثاني بدل الأول بل هو مقصود بنفسه في كونه رهنا فكان المضمون قدر قيمته لا قدر قيمة الأول .
و لو كان العبد يساوي ألفا و الجارية تساوي خمسمائة فرد العبد على الراهن و قبض الجارية فهي رهن بالألف و لكنها إن هلكت تهلك بخمسمائة لما ذكرنا أن الثاني أصل بنفسه لكونه مرهونا بعقد على حدة فيعتبر في الضمان قدر قيمته و لا يخرج باستيفاء الدين حتى لو هلك في يد المرتهن بعد ما استوفى دينه فعليه رد ما استوفى و يخرج بالإبراء عن الدين عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله و يبطل الرهن خلافا لزفر و المسألة مرت في مواضع أخر من هذا الكتاب و لا يخرج بالإعارة و يخرج بالإجارة بأن أجره الراهن من أجنبي بإذن المرتهن أو المرتهن بإذن الراهن أو استأجره المرتهن و يبطل الرهن و قد ذكرنا الفرق بينهما فيما تقدم .
و يخرج بالكتابة و الهبة و الصدقة إذا فعل أحدهما بإذن صاحبه و يخرج بالبيع بأن باعه الراهن أو المرتهن بإذن الراهن أو باعه العدل لأن ملك المرهون قد زال بالبيع و لكن لا يبطل الرهن لأنه زال إلى خلف و هو الثمن فبقي العقد عليه و كذا في كل موضع خرج و اختلف بدلا و يخرج بالإعتاق إذا كان المعتق موسرا بالإنفاق و إن كان معسرا فكذلك عندنا و عند الشافعي C : لا يخرج بناء على أن الاعتاق نافذ عندنا و عنده لا ينفذ وجه قوله : أن هذا إعتاق تضمن إبطال حق المرتهن و لا شك أنه تضمن إبطال حقه لأن حقه متعلق بالرهن و يبطل بالإعتاق و عصمة حقه تمنع من الإبطال و لهذا لا ينفذ البيع كذا الإعتاق بخلاف ما إذا كان الراهن موسرا لأن هناك لم يوجد الإبطال لأنه يمكنه الوصول إلى دينه للحال من جهة الراهن .
و لنا : أن إعتاقه صادف موقوفا هو مملوكه رقبة فينفذ كإعتاقه الآبق و المستأجر و دلالة الوصف ظاهر لأن المرهون مملوك للراهن عينا و رقبة إن لم يكن مملوكا يدا و حبسا و ملك الرقبة يكفي لنفاذ الإعتاق كما في إعتاق العبد المستأجر و الآبق .
و قوله : يبطل حق المرتهن قلنا : نعم لكن ضرورة بطلان ملك الراهن و ذا لا يمنع النفاذ كما في موضع الإجماع مع ما أن الثابت للراهن حقيقة الملك و الثابت المرتهن حق الحبس و لا شك أن اعتبار الحقيقة أولى لأنها أقوى بخلاف البيع لأن نفاذه يعتمد قيام ملك الرقبة و اليد جميعا لأن القدر على تسليم المبيع شرط نفاذه و لم يوجد في المرهون لأنه في يد المرتهن فإذا نفذ إعتاقه خرج العبد عن أن يكون مرهونا لأنه صار حرا من كل وجه و الحر من وجه و هو المدبر لا يصلح للرهن فالحر من كل وجه أولى و لهذا لم يصلح رهنا في حالة الابتداء فكذا في حالة البقاء .
ثم ينظر إن كان الراهن موسرا و الدين حال يجبر الراهن على قضاءه لأنه لا معنى لإيجاب الضمان و كذلك إن كان الدين مؤجلا و قد حل الأجل و إن كان لم يحل غرم الراهن قيمة العبد و أخذه المرتهن رضا فكان و لا سعاية على العبد .
أما وجوب الضمان على الراهن فلأنه أبطل على المرتهن حقه حقا قويا هو في معنى الملك أو هو ملكه من وجه لصيرورته مستوفيا دينه ماليته من وجه فجاز أن يكون مضمونا بالإتلاف و أما كونه رهنا فلأنه بدل العبد و في الحقيقة بدل ماليته فيقوم مقامه و إذا حل الأجل ينظر إن كانت القيمة من جنس الدين يستوفي منها دينه فإن كانت قيمة أكثر من الدين رد الفضل على الراهن الراهن و إن كانت قيمة أقل من الدين يرجع بفضل الدين على الراهن و إن كانت قيمته من خلاف جنس الدين حبسها بالدين حتى يستوفي دينه .
و أما عدم و جوب السعاية على العبد فلأنه لم يوجد منه بسبب وجوب الضمان و هو الإتلاف لأن الإتلاف وجد من الراهن لا من العبد و مؤاخذة الإنسان بالضمان من غير مباشرة سبب منه خلاف الأصل و كذلك لو كان الراهن موسرا و قت الإعتاق ثم أعسر بعد ذلك لأن العبرة لوقت الإعتاق لأنه و قت مباشرة سبب و جوب الضمان و إن كان معسرا فللمرتهن أن يرجع بدينه على الراهن إن شاء و إن شاء استسعى العبد في الأقل من قيمته و من الدين و يعتبر في العبد أيضا أقل قيمته و قت الرهن و وقت الإعتاق و يسعى في الأقل منهما و من الدين حتى لو كان الدين ألفين و قيمة العبد و قت الرهن ألفا فازدادت قيمته في يد المرتهن حتى صارت تساوي ألفين ثم أعتقه الراهن و هو معسر سعى العبد في ألف قدر قيمته و قت الرهن و لو انتقصت قيمته حتى صار يساوي خمسمائة سعى في خمسمائة قدر قيمته و قت الإعتاق .
أما اختيار الرجوع على الراهن فلأنه أبطل حقه بالإعتاق و أما و لاية استسعاء العبد فلأن بالرهن صارت مالية هذا العبد مملوكة للمرتهن من و جه لأنه صار مستوفيا لديه من ماليته فإذا أعتقه الراهن فقد صارت هذه المالية محتبسة عند العبد فوصلت إلىالعبد بالإتلاف مالية مشغولة بحق المرتهن فكان للمرتهن أن يستخرجها منه لأن الدين في الحقيقة على الراهن و إنما العبد جعل محلا لاستيفاء الدين منه عند تعذر الاستيفاء من الراهن على ما هو موضوع الرهن في الشرع أن الراهن يؤمر بقضاء الدين و عند التعذر يستوفى من الرهن كما قبل قبل الإعتاق و التعذر عند إعسار الراهن لا عند يساره فيسعى في حال الإعسار لا في حال اليسار و بخلاف العبد المشتري قبل القبض إذا أعتقه المشتري و هو مفلس لا يكون للبائع ولاية استسعاء العبد يقدر الثمن و إن كان محبوسا قبل التسليم بالثمن كالمرهون محبوس بالدين لأن العبد بنفس البيع خرج عن ملك البائع من كل وجه فلم يوجد احتباس مالية مملوكة للبائع عند العبد و إنما للبائع مجرد حق الحبس فإذا خرج عن محلية الحبس و بالإعتاق بطل حق الحبس أصلا و بقي حقه في مطالبة المشتري بالثمن فحسب أما ههنا فبخلافة .
و أما السعاية في الأقل من قيمتة و من الدين فلما ذكرنا أن الاستسعاء لمكان ضرورة المالية المملوكة للمرتهن من وجه محتبسة عند العبد فتقدر السهاية بقدر الاحتباس ثم إذا سعى العبد يرجع بما سعى على الراهن لأنه قضى دين الراهن من خالص ملكه على و جه الاضطرار لأنه الشرع أوجب عليه السعاية و القاضي ألزمه و من قضى دين غيره مضطرا من مال نفسه لا يكون متبرعا و يرجع عليه كالوارث إذا قضى دين الميت من مال نفسه أنه يرجع على التركة و كذا هذا فإن بقي بعد السعاية شيء من دين رجع المرتهن بذلك على الراهن .
و لو نقص العبد في السعر قبل الإعتاق بأن كان الدين ألفا و قيمة العبد و قت الرهن ألفا فنقص في السعر حتى عادت قيمته إلى خمسمائة ثم أعتقه الراهن و هو معسر سعى في قدر قيمته وقت الاعتاق و هو خمسمائة فللمرتهن أن يرجع على الراهن بخمسمائة أخرى لأنه لم يصل إليه من حقه إلا قدر خمسمائة فله أن يرجع عليه بالباقي و لو لم ينقص العبد في السعر و لكنه قتله عبد يساوي مائة درهم فدفع مكانه فأعتقه الراهن و هو معسر يسعى في قيمته مائة درهم و يرجع بذلك على الراهن و يرجع المرتهن على الراهن بتسعمائة لأنه لما دفع به فقد قام مقام الأول لحما و دما فصار رهنا بجميع المال كان الأول قائم و تراجع سعره إلى مائة فأعتقه الراهن و هو معسر و لو كان كذلك لسعى في قيمته و قت الإعتاق مائة درهم و يرجع بذلك على الراهن و كان للمرتهن أن يرجع ببقية دينه على الراهن كذا هذا .
و لو كان الرهن جارية تسوي ألفا بألف فولدت و لدا يساوي ألفا فأعتقها المولى و هو معسر سعيها في ألف لأن الضمان فيهما ألف و لو لم تلد و لكن قتلها عبد قيمته ألفان فدفع بها ثم أعتقه المولى سعى في ألف درهم لأنه كان مضمونا بهذا القدر لقيامه مقام المقتولة لحما و دما و هي كانت مضمونة بهذا القدر كذا هذا .
و لو قال المولى لعبده : رهنتك عند فلان و كذبه العبد ثم أعتقه المولى و هو معسر فالقول قول المولى و لزمه السعاية عند أصحابنا Bهم .
و قال زفر C : القول قول العبد و لا سعاية عليه .
و جه قوله : أن المولى بهذا الإقرار يريد إلزام السعاية على العبد و قوله في إلزام السعاية عليه غير مقبول كما أقر عليه بذلك بعد الإعتاق .
و لنا : أنه أقر بما يملك إنشاءه عليه للحال لثبوت الولاية له عليه للحال لوجد سبب الولاية و هو الملك فيصح و لا يلتفت إلى تكذيب العبد بخلاف ما بعد الإعتاق لأنه أقر بما لا يملك للحال إنشاءه لزوال ملك الولاية بالإعتاق و هذا إذا أعتقه فأما إذا أعتقه فأما إذا دبره فيجوز تدبيره و يخرج عن كونه رهنا أما جواز التدبير فلأنه يقف على قيام الرقبة لجواز الإعتاق و ملك الرقبة قائم بعد الرهن .
و أما خروجه عن الرهن فلأن المدبر لا يصلح رهنا لأن المرهون مالا مطلقا شرط جواز الرهن على ما بينا فيما تقدم و بالتدبير خرج من أن يكون مالا مطلقا فيخرج عن كونه رهنا و لهذا لم يصلح رهنا ابتداء فكذا في حالة البقاء و هل يسعى للمرتهن لا خلاف في أن الراهن إذا كان معسرا يسعى و أما إذا كان موسرا ذكر الكرخي C أنه يسعى و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه لا يسعى و سوى بين المرتهن و بين الإعتاق و هو أن الدين حالا أخذ المرتهن جميع دينه من الراهن و إن كان مؤجلا أخذ قيمة العبد من الراهن و يكون رهنا مكانه كما في الإعتاق .
وجه ما ذكره الكرخي : أن الدين على المولى و كسب المدبر ملك المولى لأنه بالتدبير لم يخرج عن ملك المولى فكانت سعاية مال المولى فكان صرف السعاية إلى المرتهن قضاء دين المولى من مال المولى فيستوي فيه حال الإعسار و اليسار بخلاف كسب المعنق لأنه كسب الحر من كل و جه و كسب الحر من كل وجه ملكه فكانت السعاية ملكه و الأصل أن لا يؤمر الإنسان بقضاء دين غيره من مال نفسه إلا عند العجز عن القضاء بنفسه فيتقيد بحال العجز و هو حالة الإعسار .
وجه ما ذكره القاضي : إن السعاية و إن كانت ملك المولى لكن لا صنع للعبد في الكتابة بسبب و جوبها إلا صنع له في التدبير بل هو فعل المولى و مهما أمكن إيجاب الضمان على من وجد منه مباشرة بسبب و جوبه كان أولى من إيجابه على من لا صنع فيه أصلا و رأسا فإذا كان المولى معسرا كان الإمكان ثابتا فلا معنى لإيجاب السعاية على العبد ثم إذا سعى في حاله الإعسار يسعى في جميع الدين بالغا ما بلغ لأن السعاية مال المولى فكان الاستيفاء من المرتهن استيفاء الدين من مال المولى فكان له أن يستوفيه بتمامه سواء كان الدين حالا أو مؤجلا لما قلنا و قيل : إن كان الدين حالا فكذلك فأما إذا كان مؤجلا فلا يسعى إلا في قدر قيمته و يكون رهنا مكانه و هكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي .
ووجه الفرق على هذا القول : أن الدين إذا كان حالا كان واجب القضاء للحال على سبيل التضييق و هذا مال المولى فيقضي منه دينه على الكمال و إذا كان مؤجلا لا يجب قضاؤه للحال أصلا و لا يجب على سبيل التضييق إلا أن الرهن بالتدبير فوت حق المرتهن فتجب إعادة حقه إليه بعوض يقوم مقامه جبرا للفائت فيتقدر الجائز بقدر الفائت فيستسعيه بقدر قيمته و يكون رهنا مكانه و لا يرجع المدبر بما يسعى على الراهن بخلاف المعتق فوقع الفرق بين التدبير و الإعتاق في موضعين : .
أحدهما : أن المدبر يسعى في جميع الدين بالغا ما بلغ و لا ينظر إلى القيمة و المعتق يسعى في الأقل من قيمته و من الدين .
و الثاني : إن المدبر لا يرجع بما يسعى على المولى و المعتق يرجع و الفرق بينهما يرجع إلى حرف واحد و هو أن سعاية المدبر ملك مولاه لكون المدبر ملكه إذ الفائت بالتدبير ليس إلا منفعة البيع فكان الاستسعاء استيفاء الدين من مال المولى فله أن يستوفيه على التمام و الكمال و لا يرجع بما يسعى على المولى لأنه قضى دين المولى من مال المولى فكيف يرجع عليه بخلاف المعتق لأن سعاية ملكه على الخصوص لأنه حر خالص إلا أنه لزمته السعاية لاستخراج ملك المرتهن من جهة المحتبس عنده و هو مال فتتقدر السعاية بقدر الاحتباس و يرجع بالسعاية على المولى إذا كان معسرا لأنه دينا واجبا عليه من مال نفسه مضطرا فيملك الرجوع من الشرع على مابينا بخلاف المدبر و الله أعلم .
و على ما ذكره الكرخي رحمه يقع الفرق بينهما في موضع ثالث أيضا و هو أن المدبر يسعى مع إيسار المولى و المعتق لا يسعى مع إيساره و قد بينا وجه ذلك فيما تقدم .
هذا إذا أعتق أو دبر فأما إذا استولد بأن كان الرهن جارية فحبلت عند المرتهن فادعاه الراهن فدعواه لا يخلو أما إن كانت قبل وضع الحمل و إما إن كانت بعده فإن كانت قبل وضع الحمل صحت دعوته و يثبت نسب الولد منه و صارت الجارية أم ولد له و خرجت عن الرهن .
أما صحة الدعوة فلأن الجارية ملكه من كل وجه و الملك من وجه يكفي لصحة الدعوة فالملك من كل وجه أولى و ثبوت النسب حكم صحة الدعوة و صيرورة الجارية أم ولد له حكم ثبوت النسب و خروج الجارية عن الرهن حكم الاستيلاد و هو صيرورتها أم ولد له لأن أم الولد لا تصلح للرهن ألا ترى أنها لا تصلح رهنا ابتداء فكذا في حال البقاء و لا سعاية على الولد لأنه صار حرا قبل الولادة فلم يدخل في الرهن فلا يثبت حكم الرهن فيه .
و أما الجارية فحكمها حكم العبد المرهون إذا دبره الراهن و قد بينا ذلك كله و إن كانت الجارية وضعت الحمل ثم ادعى الراهن الولد صحت دعوته و ثبت النسب و صار حرا و صارت الجارية أم ولد له و خرجت من الرهن لما ذكرنا في الفصل الأول إلا أن هنا صار الولد حرا بعدما دخل في الرهن و صارت حصة من الرهن فيقسم الدين عليهما على قدر قيمتها إلا أن قيمة الجارية تعتبر يوم الرهن و قيمة الولد تعتبر يوم الدعوة فيكون حكم الجارية في حصتها من الدين حكم المدبر في جميع الدين و قد ذكرنا ذلك و حكم الولد في حصته من الدين حكم المعتق في جميع ما ذكرنا و قد بينا ذلك إلا أن هناك ينظر إلى ثلاثة أشياء : إلى قيمة العبد وقت الرهن و إلى قيمته وقت الإعتاق و إلى الدين فيسعى في الأقل من الأشياء الثلاثة و هنا ينظر فقط إلى قيمة الولد وقت الدعوة و إلى حصته من الدين فيسعى في أقلهما إذا كان الراهن معسرا و يرجع بما سعى عليه