أنواع الأراضي .
أما الأول : فالأراضي في الأصل نوعان : أرض مملوكة و أرض مباحة غير مملوكة و المملوكة نوعان : عامرة و خراب و المباحة نوعان أيضا : .
نوع هو من مرافق البلدة محتطبا لهم و مرعى لمواشيهم و نوع ليس من مرافقتها و هو المسمى بالموات .
أما بيان حكم كل نوع منها أما الأراضي المملوكة العامرة فليس لأحد أن يتصرف فيها من غير إذن صاحبها لأن عصمة الملك تمنع من ذلك و كذلك الأرض الخراب الذي انقطع ماؤها و مضى على ذلك سنون لأن الملك فيها قائم و إن طال الزمان حتى يجوز بيعها و هبتها و إجارتها و تصير ميراثا إذا مات صاحبها إلا أنها إذا كانت خرابا فلا خراج عليها إذ ليس على الخراب خراج إلا إذا عطلها صاحبها مع التمكن من الاستنماء فعليه الخراج و هذا إذا عرف صاحبها فإن لم يعرف فحكمها حكم اللقطة يعرف في كتابه إن شاء الله تعالى .
و أما الكلأ الذي ينبت في أرض مملوكة فهو مباح غير مملوك إلا إذا قطعه صاحب الأرض و أخرج فيملكه .
هذا جواب ظاهر الرواية عن أصحابنا Bهم .
و قال بعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله : إنه إذا سقاه و قام عليه ملكه و الصحيح جواب ظاهر الرواية لأن الأصل فيه هو الإباحة لقوله عليه الصلاة و السلام : [ الناس شركاء في ثلاث : الماء و الكلأ و النار ] و الكلأ اسم لحشيش ينبت من غير صنع العبد و الشركة العامة هي الإباحة إلا إذا قطعه و أحرزه لأنه استولى على مال مباح غير مملوك فيملكه كالماء المحرز في الأواني و الظروف و سائر المباحات التي هي غير مملوكة لأحد و النار اسم لجوهر مضيء دائم الحركة علوا فليس لمن أوقدها أن يمنع غيره من الاصطلاء بها لأن النبي عليه الصلاة و السلام أثبت الشركة فيها فأما الجمر فليس بنار و هو مملوك لصاحبه فله حق المنع كسائر أملاكه و لو أراد أحد أن يدخل ملكه لاحتشاش الكلأ فإذا كان يجده في موضع آخر له أن يمنعه من الدخول و إن كان لا يحده فيقال لصاحب الأرض : إما أن تأذن له بالدخول و إما أن تحش بنفسك فتدفعه إليه كالماء الذي في الآبار و العيون و الحياض التي في الأراضي المملوكة على ما ذكرنا في كتاب الشرب .
و لو دخل إنسان أرضه بغير إذنه و احتش ليس لصاحبه أن يسترده لأنه مباح سبقت يده إليه و كذا لا يجوز بيعه لأن محل البيع مال مملوك و إن لم يثبت على ملك أحد و لا تجوز إجارته لأن الأعيان لا تحتمل الإجارة على ما ذكرنا في كتاب الشرب .
و الجواب في الكلأ في البيع و الإجارة و الهبة و النكاح و الخلع و الصلح و الوصية كالجواب في الشرب لأن كل واحد منها غير مملوك و قد ذكرنا ذلك كله في الشرب و كذلك المروج المملوكة في حكم الكلأ على هذا و كذلك الآجام المملوكة في حكم السمك لأن السمك أيضا مباح الأصل لقوله تعالى عز شأنه : { أحل لكم صيد البحر و طعامه متاعا لكم } و قوله عليه الصلاة و السلام : [ أحلت لنا ميتتان و دمان ] الحديث فلا يصير مملوكا إلا بالأخذ و الاستيلاء لما بينا .
و لو حظر السمك في حظيرة فإن كان مما يمكن أخذه بغير صيد يملكه بنفس الحظر لوجود الاستيلاء و إثبات اليد عليه و لهذا لو باعه جاز و إن كان لا يمكن أخذه إلا بصيد لا يملكه صاحب الحظيرة لأنه ما استولى عليه و لا يملك المباح إلا بالاستيلاء و لهذا لو باعه لا يجوز بيعه و على هذا سائر المباحات كالطير إذا باضت أو فرخت في أرض إنسان أنه يكون مباحا و يكون للآخذ لا لصاحب الأرض سواء كان صاحب الأرض اتخذ له وكرا أم لا و قال المتأخرون من مشايخنا رحمهم الله : إنه إن كان اتخذ له ملكا له يسترده من الآخذ و هذا غير سديد لقوله عليه الصلاة و السلام : [ لمن أخذه ] و لأن الملك في المباح إنما يثبت بالاستيلاء عليه و الآخذ هو المستولي دون صاحب الأرض و إن اتخذ له وكرا و كذلك صيد التجأ إلى أرض رجل أو داره فهو للآخذ لما قلنا .
و لو رد صاحب الدار باب الدار عليه بعد الدخول يملكه إن أمكنه أخذه بغير صيد لوجود الاستيلاء منه و كذلك لو نصب شبكة فتعقل بها صيد تعقلا لا خلاص له فهو لناصب الشبكة سواء كانت الشبكة له أو لغيره كمن أرسل بازي إنسان بغير إذنه فأخذ صيدا أو أغرى كلبا الإنسان على صيد فأخذه فكان للمرسل و المغري لا لصاحبه و لو نصب فسطاطا فجاء صيد فتعقل به فهو للآخذ .
و وجه الفرق : أن نصب الشبكة وضع لتعقل الصيد و مباشر السبب الموضوع للشيء اكتساب له فأما نصب الفسطاط فما وضع لذلك بل لغرض آخر فتوقف الملك فيه على الاستيلاء و الأخذ حقيقة و لو حفر حفيرة فوقع فيها صيد فإن كان حفرها لاجتماع الماء فيها فهو للآخذ لأنه بمنزلة الاصطياد و إن كان حفرها للاصطياد بها فهو له بمنزلة الشبكة .
و أما الآجام المملوكة في حكم القصب و الحطب فليس لأحد أن يحتطب من أجمة رجل إلا بإذنه لأن الحطب و القصب مملوكان لصاحب الأجمة ينبتان على ملكه و إن لم يوجد منه الإثبات أصلا بخلاف الكلأ في المروج المملوكة لأن منفعة الأجمة هي القصب و الحطب فكان ذلك مقصودا من ملك الأجمة فيملك بملكها .
فأما الكلأ فغير مقصود من المرج المملوك بل المقصود هو الزراعة و لو أن بقارا رعى بقرا في أجمة مملوكة لإنسان فليس له ذلك و هو ضامن لما رعى و أفسد من القصب لما ذكرنا أن منفعة الأجمة القصب و الحطب و هما مملوكان لصاحب الأجمة و إتلاف مال مملوك لصاحبه يوجب الضمان بخلاف الكلأ في المروج لأنه يثبت على الإباحة دون الملك على ما بينا و الدليل على التفرقة بينهما أنه يجوز له دفع القصب معاملة و لا يجوز دفع الكلأ معاملة و الأصل المحفوظ فيه أن القصب و الحطب يملكان يملك الأرض و الكلأ لا .
و أما ما لا يثبت عادة إلا بصنع العبد كالقتة و القصيل و ما بقي من حصاد الزرع و نحو ذلك في أرض مملوكة يكون مملوكا و لصاحب الأرض أن يمنع غيره و يجوز بيعه و نحو ذلك لأن الإنبات يعد اكتسابا له فيملكه و لأن الأصل أن يكون من المملوك مملوكا إلا أن الإباحة في بعض الأشياء تثبت على مخالفة الأصل بالشرع و الشرع ورد بها في أشياء مخصوصة فيقتصر عليها