أرض الموات .
و أما أرض الموات فالكلام فيها في مواضع : .
في تفسير الأرض الموات و في بيان مايملك الإمام من التصرف في الموات وفي بيان ما يثبت به الملك في الموات و ما يثبت به الحق فيه دون الملك و في بيان حكمه إذا ملك .
أما الأول : فالأرض الموات هي أرض خارج البلد لم تكن ملكا لأحد و لا حقا له خاصا فلا يكون داخل البلد موات أصلا و كذا ما كان خارج البلدة من مرافقها محتطبا بها لأهلها أو مرعى لهم لا يكون مواتا حتى لا يملك الإمام إقطاعها لأن ما كان من مرافق أهل البلدة فهو حق أهل البلدة كفناء دراهم و في الإقطاع إبطال حقهم و كذلك أرض الملح و القار و النفط و نحوها مما يستغني عنها المسلمون لا تكون أرض موات حتى لا يجوز للإمام أن يقطعها لأحد لأنها حق لعامة المسلمون و في الإقطاع إبطال حقهم و هذا لا يجوز و هذا يشترط أن يكون بعيدا من العمران ؟ شرطه الطحاوي C فإنه قال : و ما قرب من العامر فليس بموات .
و كذا روى عن أبي يوسف C أن أرض الموات بقعة لو و قف على أدناها من العامر رجل فنادى بأعلى صوته لم يسمعه من العامر و في ظاهر الرواية ليس بشرط حتى إن بحارا من البلدة جزر ماؤه أو أجمة عظيمة لم تكن ملكا لأحد تكون أرض موات في ظاهر الرواية و على قياس رواية أبي يوسف و قول الطحاوي لا تكون و الصحيح جواب ظاهر الرواية لأن الموات اسم لما ينتفع به فإذا لم يكن ملكا لأحد و لا حقا خاصا لم يكن منتفعا به كان بعيدا عن البلدة أو قريبا منها .
و أما بيان ما يملك الإمام من التصرف في الموات فالإمام يملك إقطاع الموات من مصالح المسلمين لما يرجع ذلك إلى عمارة البلاد للتصرف فيما يتعلق بمصالح المسلمين للإمام ككري الأنهار العظام و إصلاح قناطرها و نحوه .
و لو أقطع الإمام الموات إنسانا فتركه و لم يعمره لا يتعرض له إلى ثلاث سنين فإذا مضى ثلاث سنين فقد عاد مواتا كما كان و له أن يقطعه غيره لقوله عليه الصلاة و السلام : [ ليس لمحتجربعد ثلاث سنين حق ] و لأن الثلاث سنين مدة لإبداء الأعذار فإذا أمسكها ثلاث سنين و لم يعمرها دل على أنه لا يريد عمارتها بل تعطيلها فبطل حقه و تعود إلى حالها مواتا و كان للإمام أن يعطيها غيره .
و أما بيان ما يثبت به الملك في الموات و ما لا يثبت به الحق فالملك في الموات يثبت بالإحياء بإذن الإمام عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد رحمهم الله تعالى يثبت بنفس الإحياء وإذن الإمام ليس بشرط .
و جه قولهما : قوله عليه الصلاة و السلام : [ من أحيا أرضا ميتة فهي له و ليس لعرق ظالم فيه حق ] أثبت الملك للمحي من غير شريطة إذن الإمام و لأنه مباح استولى عليه فيملكه بدون إذن الإمام كما لو أخذ صيدا أو حش كلأ و قوله عليه الصلاة و السلام : ليس لعرق ظالم فيه حق و روي منونا و مضافا فالمنون هو أن تنيب عروق أشجار إنسان في أرض غيره بغير إذنه فلصاحب الأرض قلعها حشيشا .
و لأبي حنيفة : عليه الرحمة : ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه ] فإذا لم يأذن فلم تطب نفسه به فلا يكون له و لأن الموات غنيمة فلا بد الاختصاص به من إذن الإمام كسائر الغنائم و الدليل عليه أن غنيمة أسم لما أصيب من أهل الحرب بإيجاف الخيل و الركاب و الموات كذلك لأن الأرض كلها كانت تحت أيدي أهل الحرب استولى عليها المسلمون عنوة و قهرا فكانت كلها غنائم فلا يختص بعض المسلمين بشيء منها من غير إذن الإمام كسائر الغنائم بخلاف الصيد و الحطب و الحشيش لأنها لم تكن في يد أهل الحرب فجاز أن تملك بنفس الاستيلاء و إثبات اليد عليها .
و أما الحديث فيحتمل أنه يصير به شرعا و يحتمل أنه إذن جماعة بإحياء الموات بذلك النظم و نحن نقول بموجبه فلا يكون حجة مع الاحتمال .
نظير قوله عليه الصلاة و السلام كان [ من قتل قتيلا فله سلبه ] حتى لم يصح الاحتجاج به إيجاب السلب للقتال على ما ذكر في كتاب السير أو يحمل ذلك على حال الإذن توفيقا بين الدلائل و يملك الذمي بالإحياء كما يملك المسلم لعموم الحديث و لو حجر الأرض الموات لا يملكها بالإجماع لأن الموات يملك بالإحياء لأنه عبارة عن و ضع أحجار أو خط حولها يريد أن يحجر غيره عن الاستيلاء عليها وشيء من ذلك ليس بإحياء فلا يملكها و لكن صار أحق بها من غيره حتى لم يكن لغيره أن يزعجه لأنه سبقت يده إليه و السبق من أسباب الترجيح في الجملة قال النبي عليه الصلاة و السلام : [ منى مباح من سبق ] .
و على هذا المسافر إذا نزل بأرض مباحة أو رباط صار أحق بها و لم يكن لمن يجيء بعده أن يزعجه عنها و إذا صار أحق بها فلا يقطعها الإمام غيره إلا إذا عطلها المتحجر ثلاث سنين و لم يعمرها