شرائط الإستحقاق .
فصل : و أما شرائط الإستحقاق فأنواع : منها الرد على المالك لأن الصيانة تحصل عنده و هو معنى الشرط أن توجد العلة عند و جوده حتى لو أخذه فمات أو أبق من يده قبل الرد لا يستحق الجعل و لو أخذه فأبق من يده فأخذه غيره فرده على المالك فالجعل للثاني و لا شيء للأول لأن لما أبق من يده فقد انفسخ ذلك السبب أو بقي ذلك سببا محضا لانعدام شرطه و هو الرد على المالك و قد وجد السبب و الشرط من الثاني فكان الأول صاحب سبب محض و السبب المحيض لا حكم له و الثاني صاحب علة فيكون الجعل له .
و لو كان الراد واحدا و الآبق اثنين فله جعلان لوجود سبب الاستحقاق و شرطه في كل واحد منها و لو كان الرد اثنين و الآبق واحد فلهما جعل واحد بينهما نصفان لاشتراكهما في مباشرة السبب و الشرط و لو كان الرد واحدا و الآبق واحدا و المالك اثنين فعليهما جعل واحد على قدر ملكيهما و لو جاء بالآبق فوجد المالك قد مات فله الجعل في تركته لوجود الرد على المالك من حيث المعنى بالرد على التركة ثم إن كان عليه دين محيط بماله فهو أحق بالعبد حتى يعطى الجعل لما ذكرنا و إن لم يكن له مال سوى العبد يقدم الجعل على سائر الديون فيباع العبد و يبدأ بالجعل من ثمنه ثم يقسم الباقي بين الغرماء لأنه كان أحق بحسبه من بين سائر الغرماء لاستفاء الجعل فكان أحق بثمنه بقدر الجعل كالمرتهن هذا إذا جاء به أجنبي فوجد المالك قد مات فأما إذا جاء به وارث الميت فوجد مورثه قد مات فله الجعل عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله إذا كان المالك حيا و قت الأخذ .
و عند أبي يوسف : لا يجعل له و إن كان حيا و قت الأخذ إذا مات قبل الوصول إليه .
وجه قوله : أنه فات شرط الاستحقاق و هو الرد على المالك لأنه رد على نفسه وجه قولهما : أن المجيء به مسيرة ثلاثة أيام مثلا في حال حياة المالك على قصد الرد رد على المالك فيستحق الجعل كما إذا وجده حيا و لهذا لو كان الراد أجنبيا استحق الجعل لما قلنا كذا هذا .
و لو جاء به فاعتقه مولاه قبل أن يرده عليه أو باعه منه فله الجعل لما ذكرنا أن المجيء به على قصد الرد على المالك رد عليه و يجب الجعل برد الآبق المرهون لوجود سبب الوجوب و شرطه و هو الرد على المالك إلا أنه يجب على المرتهن لأن منفعة الصيانة رجعت إليه .
ألا ترى أنه لو ضاع يسقط دينه بقدر قيمته فإذا كانت المنفعة له كانت المضرة عليه لقوله عليه الصلاة و السلام : [ الخراج بالضمان ] و سواء كان الراد بالغا أو صبيا أو حرا أو عبدا لأن الصبي من أهل استحقاق الأجر بالعمل و كذا العبد إلا أن الجعل لمولاه لأنه ليس من أهل ملك المال و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و منها : أن لا يكون الراد على المالك في عيال المالك حتى لو كان في عياله لا جعل له سواء كان وارثا أو أجنبيا لأنه إذا كان في عياله كان في الرد عليه عاملا لنفسه لأن منفعة الرد تعود إليه و من عمل لنفسه لا يستحق الأجر على غيره و الأصل أن الراد إذا كان في عيال المالك لا جعل له كائنا ما كان و إن لم يكن في عياله فله الجعل كائنا ما كان إلا الابن يرد آبق أبيه و الزوج يرد آبق زوجته أنه لا جعل لهما و إن لم يكونا في عيالهما لأن الابن و إن لم يكن في عيال أبيه فالرد منه يجري مجرى الخدمة لأبيه و الابن لا يستحق الأجر بخدمة ابيه لأنها مستحقة عليه و لهذا لو استاجر ابنه لخدمته لا يستحق الأجر بخلاف الأب مع ما أن الأولاد في العادات يخفظون أموال الآباء لطمع الانتفاع بها بطريق الإرث فكان رادا عبد نفسه معنى إذك بالرد عاملا لنفسه فلا يستحق الأجر و كذلك الزوج إذا رد عبد زوجته فقد رد عبد نفسه معنى لأنه ينتفع بمالها عادة و كذلك لا تقبل شهادة كل واحد منها للآخر فلا يستحق الجعل .
و أما الأب إذا رد عبد ابنه فإن كان في عياله لا جعل له لأن الأجنبي الذي في عياله لا جعل له فالقرابة أولى و إن لم يكن في عياله فله الجعل لأن الأب لا يستخدم طبعا و شرعا و عقلا و لهذا لو خدم بالأجر وجب الأجر فلا يمكن حمله على الخدمة فيحمل على طلب الأجر و كذا الآباء لا يحفظون أموال الأولاد للانتفاع بها بطريق الأرث لأن موتهم يتقدم موت الأولاد عادة فلم يتحقق معنى الرد و العمل لنفسه لذلك افترق الأمران .
و على هذا سائر ذوي الأرحام من الأخ و العم و الخال و غيرهم أن الراد إن كان في عيال المالك لا جعل له لما قلنا و إن لم يكن في عياله فله الجعل و على هذا الوصي إذا رد عبد اليتيم لا جعل له لأن اليتيم في عياله و حفظ ماله مستحق عليه فلا يستحق الجعل على الرد و كذا عبد الوصي إذا رد عبد اليتيم لأن رد عبده كرده .
و منها : أن يكون المردود مرقوقا مطلقا كالقهن و المدبر و أم الولد حتى لو كان مكاتبا لا جعل له لأنه ليس بمرموق على الإطلاق بل هو فيما يرجع إلى مكاسبه حر و لهذا لم يتناوله مطلق اسم المملوك في قول الرجل كل مملوك لي حر إلا بالنية بخلاف المدبر و أم الولد و لأن استحقاق الجعل معلول بالصيانة عن الضياع و لا حاجة إلى الصيانة في المكاتب لأنه لا يهرب عادة لأن العقد في جانبه غير لازم فلو لم يقدر على بدل الكتابة يعجز نفسه بالإباء عن الكسب بخلاف المدبر و أم الولد لأنها يستخدمان عادة فلعلهما يكلفان مالا يطيقان فيحملهما ذلك على الهرب فتقع الحاجة إلى الصيانة بالجعل كما في القن إلا أن الفرق بينهما و بين القن أنه إذا جاء بالقن و قد مات المولى قبل أن يصل إليه فله الجعل و إن جاء بالمدبر و أم الولد و قد مات المولى قبل الوصول إليه لا جعل له .
و وجه الغرق ظاهر لأنهما يعتقان بموت السيد فلم يوجد رد المرقوق أصلا فلا يستحق الجعل بخلاف القن و الله سبحانه و تعالى أعلم