صفة الحكم .
فصل : و أما صفة الحكم فهي أن الملك الثابت للمستعير ملك غير لازم لأنه ملك لا يقابله عوض فلا يكون لازما كالملك الثابت بالهبة فكان للمغير أن يرجع في العارية سواء أطلق العارية أو وقت لها وقتا .
و على هذا إذا استعار من آخر أرضا ليبني عليها أو ليغرس فيها ثم بدا للمالك أن يخرجه فله ذلك سواء كانت العارية مطلقة أو مؤقتة لما قلنا غير أنها إن كانت مطلقة له أن يجبر المستعير على قلع الغرس و نقص البناء لأن في الترك ضررا بالمعير لأنه لا نهاية له و إذا قلع و نقص لا يضمن المعير شيئا من قيمة الغرس و البناء لأنه لو و جب عليه الضمان لوجب بسبب الغرور و لا غرور من جهته حيث أطلق العقد و لم يوقت فيه و قتا فأخرجه قبل الوقت بل هو الذي غرر نفسه حيث حمل المطلق على الأبد و إن كانت موقتة فأخرجه قبل الوقت لم يكن له أن يخرجه و لا يجبر على النقص و القلع و المستعير بالخيار إن شاء ضمن صاحب الأرض قيمته غرسه و بنائه قائما سليما و ترك ذلك عليه لأنه لما و قت للعارية و قتا ثم أخرجه قبل الوقت فقد غره فصار كفيلا عنه فيما يلزمه من العهدة إذ ضمان الغرور كفالة فكان له أن يرجع عليه بالضمان و يملك صاحب الأرض البناء و الغرس بأداء الضمان لأن هذا حكم المضمونات أنها تملك بأداء الضمان و إن شاء أخذ غرسه و بناءه و لا شيء على صاحب الأرض ثم إنما يثبت خيار القلع و النقض للمستعير إذا لم يكن القلع أو النقض مضرا بالأرض فإن كان مضرا بها فالخيار للمالك لأن الأرض أصل و البناء و الغرس تابع لها فكان الملك صاحب أصل و المستعير صاحب تبع فكان إثبات الخيار لصاحب الأصل أولى إن شاء أمسك الغرس و البناء بالقيمة و إن شاء رضي بالقلع و النقص .
هذا إذا استعار أرضا للغرس أو البناء فأما إذا استعار أرضا للزراعة فزرعها ثم أراد صاحب الأرض أن يأخذها لم يكن له ذلك حتى يحصد الزرع بل يترك في يده إلى و قت الحصاد بأجر المثل استحسانا في القياس أن يكون له ذلك كما في البناء و الغرس و وجه الفرق للاستحسان أن النظر من الجانبين و رعاية الحقين واجب عند الإمكان و ذلك ممكن في الزرع لأن إدراك الزرع له وقت معلوم فيمكن النظر من الجانبين جانب المستعير لا شك فيه و جانب المالك بالترك إلى و قت الحصاد بالأجر و لا يمكن في الغرس و البناء لأنه ليس لذلك و قت معلوم فكان مراعاة صاحب الأصل أولى و قالوا في باب الإجارة : إذا انقضت المدة و الزرع بقل لم يستحصد أنه يترك في يد المستأجر إلى و قت الحصاد بأجر المثل كما في العارية لما قلنا بخلاف باب الغصب لأن الترك للنظر و الغاصب جان يستحق النظر بل يجبر على القلع