حجة المدعي و المدعى عليه .
فصل : و أما حجة المدعي و المدعى عليه فالبينة حجة المدعي و اليمين حجة المدعى عليه لقوله عليه الصلاة و السلام : [ البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه ] جعل E البينة حجة و اليمين حجة المدعى عليه و المعقول كذلك لأن المدعي يدعي أمرا خفيا فيحتاج إلى إظهاره و للبينة قوة الإظهار لأنها كلام من ليس بخصم فجعلت حجة المدعي و اليمين و إن كانت مؤكدة بذكر اسم الله عز و جل لكنها كلام الخصم فلا تصلح حجة مظهره للحق و تصلح حجة المدعي عليه لأنه متمسك بالظاهر و هو ظاهر اليد فحاجته إلى استمرار حكم الظاهر و اليمين و إن كانت كلام الخصم فهي كاف للاستمرار فكان جعل البينة حجة المدعي و جعل اليمين حجة المدعى عليه وضع الشيء في موضعه و هو حد الحكمة .
و على هذا يخرج القضاء بشاهد واحد و يمين من المدعي أنه لا يجوز عندنا خلافا للشافعي C احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أنه قضى بشاهد و يمين ] و لأن الشهادة إنما كانت حجة المدعي لكونها مرجحة جنسية الصدق على جنسيه الكذب في دعواها الرجحان فكما يقع بالشهادة يقع باليمين فكانت اليمين في كونها حجة مثل البينة فكان ينبغي أن يكتفي بها إلا أنه ضم إليها الشهادة نفيا للتهمة .
و لنا الحديث المشهور و المعقول و وجه الاستدلال من وجهين : .
أحدهما : أن النبي عليه الصلاة و السلام أوجب اليمين على المدعى عليه و لو جعلت حجة المدعي لا تبقى واجبة على المدعى عليه و هو خلاف النص .
و الثاني : أنه عليه الصلاة و السلام جعل كل جنس اليمين حجة المدعى عليه لأنه عليه الصلاة و السلام ذكر اليمين بلام التعريف فيقتضي استغراق كل الجنس فلو جعلت حجة المدعي لا يكون كل جنس اليمين حجة المدعي عليه بل يكون من الأيمان ما ليس بحجة له و هو يمين المدعي و هذا خلاف النص .
و أما الحديث فقد طعن فيه يحيى بن معين و قال : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم القضاء بشاهد و يمين .
و كذا روي عن الزهري لما سئل عن اليمين مع الشاهد فقال : بدعة و أول من قضى بهما معاوية Bه و كذا ذكر ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه قال : كان القضاء الأول أن لا يقبل إلا شاهدان و أول من قضى باليمين مع الشاهد عبد الملك بن مروان مع ما أنه ورد مورد الآحاد و مخالفا للمشهور فلا يقبل و إن ثبت أنه قضى بشاهد و يمين أما ليس فيه أنه فيه قضى .
و قد روي عن بعض الصحابة أنه قضى بشاهد و يمين في الأمان و عندنا : يجوز القضاء في بعض أحكام الأمان بشاهد واحد إذا كان عدلا بأن شهد أنه أمن هذا الكافر تقبل شهادته حتى لا يقتل لكن يسترق و اليمين من باب ما يحتاط فيه فحمل على هذا توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض و بهذا يتبين بطلان مذهب الشافعي C في رده اليمين إلى المدعي عند نكول المدعى عليه لأن النبي عليه الصلاة و السلام ما جعل اليمين حجة إلا في جانب المدعى عليه فالرد إلى المدعي يكون وضع الشيء في غير موضعه و هذا حد الظلم و على هذا يخرج مسألة الخارج مع ذي اليد إذا أقاما البينة أنه لا تقبل بينة ذي اليد لأنها جعلت حجة للمدعي و ذو اليد ليس بمدع بل هو مدعى عليه فلا تكون البينة حجة له فالتحقت بينته بالعدم فخلت بينة المدعي عن المعارض فيعمل بها و قد تخرج المسالة على أصل آخر نذكره في موضعه إن شاء الله و إذا عرفت أن البينة حجة المدعي و اليمين حجة المدعى عليه فلا بد من معرفة علائقهما و علائق البينة قد مر ذكرها في كتاب الشهادات و نذكر هنا علائق اليمين فنقول و با الله التوفيق :