بيان ماتندفع به الخصومة .
فصل : و أما بيان ما تندفع به الخصومة عن المدع عليه و يخرج عن كونه خصما للمدعي فنقول و بالله التوفيق : إنه يخرج عن كونه خصما للمدعي بكون يده غير يد المالك و ذلك يعرف بالبينة أو بالإقرار أو بعلم القاضي نحو ما إذا ادعى على رجل دارا أو ثوبا أو دابة فقال الذي في يده : هو ملك فلان الغائب أو دعنيه و جملة الكلام فيه : أن المدعي لا يخلو إما أن يدعي عليه ملكا مطلقا و لم يدع عليه فعلا أو يدعي عليه فعلا فإن ادعى ملكا مطلقا و لم يدع عليه فعلا فقال الذي في يده : أودعنيها فلان الغائب أو رهنها أو أجرها أو أعارها أو غصبتها أو سرقتها أو أخذتها أو انتزعتها أو ضلت منه فوجدتها و أقام البينة على ذلك تندفع عنه الخصومة عند عامة العلماء .
و قال ابن أبي ليلى : تندفع عنه الخصومة أقام البينة أو لم يقم و قال ابن شبرمة : لا تندفع عنه الخصومة أقام البينة أو لم يقم هذا إذا لم يكن الرجل معروفا بالافتعال و الاحتيال فإن كان تندفع عنه الخصومة عند أبي حنيفة و محمد أيضا و عند أبي يوسف لاتندفع و هي المسالة المعروفة بالمخمسة و الحجج تعرف في الجامع .
و كذلك لو ادعى لنفسه و الفعل على غير ذي اليد بأن قال : هذا هذا ملكي غصبه مني فلان لأنه لم يدع على ذي اليد فعلا فصار في حق ذي اليد دعوى مطلقة فكان على الخلاف الذي ذكرنا .
فأما إذا ادعى فعلا على ذي اليد بأن قال : هذه داري أو دابتي أو ثوبي أودعتكها أو غصبتنيها أو سرقتها أو استأجرتها أو ارتهنتها مني و قال الذي في يديه : أنها لفلان الغائب أودعنيها أو غصبتها منه و نحو ذلك و أقام البينة على ذلك لا تندفع عنه الخصومة .
و وجه الفرق : أن ذا اليد في دعوى الملك المطلق إنما يكون خصما بيده ألا ترى أنه لو لم يكن المدعي في يده لم يكن خصما فإذا أقام البينة على أن اليد لغيره كان الخصم ذلك الغير و هو غائب .
فأما في دعوى الفعل فإنما يكون خصما بفعله لا بيده ألا ترى أن الخصومة متوجهة عليه بدون يده و إذا كان خصما بفعله بالبينة لا يتبين أن الفعل منه لم يكن فبقي خصما .
و لو ادعى فعلا لم يسم فاعله بأن قال : غصبت مني أو أخذت مني فأقام ذو اليد البينة على الإبداع تندفع الخصومة لأن ادعى الفعل على مجهول و أنه باطل فالتحق بالعدم فبقي دعوى ملك مطلق فتندفع الخصومة لأنه ادعى الفعل على مجهول و أنه باطل فالتحق بالعدم فبقي دعوى ملك مطلق فتندفع الخصومة و لو قال : سرق مني فالقياس أن تندفع الخصومة كما في الغصب و الأخذ و هو قول محمد و زفر و في الاستحسان لا تندفع فرقا بين الغصب و الأخذ و هو قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله و وجه الفرق يعرف في الجامع .
و لو قال المدعي : هذه الدار كانت لفلان فاشتريتها منه و قال الذي في يده : أودعني فلان الذي ادعيت الشراء من جهة أو سرقتها منه أو غصبتها تندفع عنه الخصومة من غير إقامة البينة على ذلك لأنه ثبت كون يده يد غيره بتصادقهما أما المدعى عليه فظاهر و أما المدعي فبدعواه الشراء منه لأن الشراء منه لا يصح بدون اليد .
و كذا لو أقام الذي في يديه البينة على إقرار المدعي بذلك لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة و لو عاينا إقراره لا ندفعت الخصومة كذا هذا و كذلك إذا علم القاضي بذلك لأن العلم المستفاد له في زمان القضاء فوق الإقرار لكونه حجة متعدية إلى الناس كافة بمنزلة البينة و كون اقرار حجة مقتصرة على المقر خاصة ثم لما اندفعت الخصومة بإقرار المدعي فبعلم القاضي أولى .
و لو قال الذي في يديه : ابتعته من فلان الغائب لا تندفع الخصومة لأنه ادعى الملك و اليد لنفسه و هذا مقر بكونه خصما فكيف تندفع الخصومة .
و لو أقام المدعي البينة أنه ابتاعه من عبد الله و قال الذي في يديه : أودعنيه عبد الله ذلك تندفع الخصومة من غير بينة لأنهما تصادقا على الوصول إليه من يد عبد الله فأثبتا اليد له و هو غائب و على هذا الأصل مسائل كثيرة في الجامع و الله تعالى أعلم