الكلام في القراءة .
و الكلام في القراءة في الأصل يقع في ثلاث مواضع : أحدها : في بيان فرضية أصل القراءة .
و الثاني : في بيان محل القراءة المفروضة .
و الثالث : في بيان قدر القراءة .
أما الأول : فالقراءة فرض في الصلاة عند عامة العلماء .
و عند أبي بكر الأصم و سفيان بن عيينة ليست بفرض بناء على أن الصلاة عندهما اسم للأفعال لا للأذكار حتى قالا : يصح الشروع في الصلاة من غير تكبير .
وجه قولهما : أن قوله تعالى : { أقيموا الصلاة } مجمل بينه النبي صلى الله عليه و سلم بفعله ثم قال : صلوا كما .
رأيتموني أصلي و المرئي هو الأفعال دون الأقوال فكانت الصلاة اسما للأفعال و لهذا نسقط الصلاة عن .
العاجز عن الأفعال و إن كان قادرا على الأذكار و لو كان على القلب لا يسقط و هو الأخرس .
و لنا : قوله تعالى { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } و مطلق الأمر للوجوب و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا صلاة إلا بقراءة ] .
و أما قوله صلى الله عليه و سلم : [ صلوا كما رأيتموني أصلي فالرؤية أضيفت إلى ذاته لا إلى الصلاة فلا يقتضي .
كون الصلاة مرئية ] .
و في كون الأعراض مرئية اختلاف بين أهل الكلام مع اتفاقهم على أنها جائزة الرؤية و المذهب عند أهل الحق أن كل موجود جائز الرؤية يعرف ذلك في مسائل الكلام .
على أنا نجمع بين الدلانل فنثبت فرضية الأقوال بما ذكرنا و فرضية الأفعال بهذا الحديث و سقوط الصلاة عن العاجز عن الأفعال لكون الأفعال أكثر من الأقوال فمن عجز عنها فقد عجز عن الأكثر و للأكثر حكم الكل .
و كذا القراءة فرض في الصلوات كلها عند عامة العلماء و عامة الصحابة Bهم .
و [ عن ابن عباس Bهما أنه قال : لا قراءة في الظهر و العصر لظاهر قول النبي صلى الله عليه و سلم : صلاة النهار عجماء ] أي ليس فيها قراءة إذ الأعجم اسم لمن لا ينطق .
و لنا : ما تلونا من الكتاب و روينا من السنة و في الباب نص خاص و هو ما روي [ عن جابر بن عبد الله Bه و أبي قتادة الأنصاريين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في صلاة الظهر و العصر في الركعتين .
الأوليين : بفاتحة الكتاب و سورة و في الأخريين : بفاتحة الكتاب لا غير ] و ما روي عن ابن عباس .
Bهما فقد صح رجوعه عنه فإنه روى أن رجلا سأله و قال : أقرأ خلف إمامي ؟ فقال : أما في صلاة الظهر و العصر فنعم .
و أما الحديث فقد قال الحسن البصري : معناه لا تسمع فيها قراءة و نحن نقول به و هذا إذا كان إماما أو منفردا فأما المقتدي فلا قراءة عليه عندنا و عند الشافعي يقرأ بفاتحة الكتاب في كل صلاة يخافت فيها بالقراءة قولا واحدا و له في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة قولان .
و احتج بما [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا صلاة إلا بقراءة ] و لا شك أن لكل واحد صلاة على .
حدة و لأن القراءة ركن في الصلاة فلا تسقط بالاقتداء كسائر الأركان .
و لنا قوله تعالى : { و إذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون } أمر بالاستماع و الإنصات و الاستماع و إن لم يكن ممكنا عند المخافتة بالقراءة فالإنصات ممكن فيجب بظاهر النص .
و عن أبي بن كعب Bه أنه قال : لما نزلت هذه الآية تركوا القراءة خلف الإمام و أمامهم كان رسول الله صلى الله عليه و سلم فالظاهر أنه كان بأمره و قال صلى الله عليه و سلم في حديث مشهور : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا و إذا قرأ فانصتوا ] الحديث أمر بالسكوت عند قراءة الإمام .
و أما الحديث فعندنا لا صلاة بدون قراءة أصلا و صلاة المقتدي ليست صلاة بدون قراءة أصلا بل هي صلاة بقراءة و هي قراءة الإمام على أن قراءة الإمام قراءة للمقتدي .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ] .
ثم المفروض هو أصل القراءة عندنا من غير تعيين فأما قراءة الفاتحة و السورة عينا في الأوليين فليست بفريضة و لكنها واجبة على ما يذكر في بيان واجبات الصلاة و أما بيان محل القراءة المفروضة فمحلها الركعتان الأوليان عينا في الصلاة الرباعية هو الصحيح من مذهب أصحابنا .
و قال بعضهم : ركعتان منها غير عين و إليه ذهب القدوري و أشار في الأصل إلى القول الأول فإنه .
قال : إذا ترك القراءة في الأوليين يقضيها في الأخريين فقد جعل القراءة في الأخريين قضاء عن الأوليين فدل أن محلها الأوليان عينا .
و قال الحسن البصري : المفروض هو القراءة في ركعة واحدة .
و قال مالك : في ثلاث ركعات و قال الشافعي : في كل ركعة احتج الحسن بقوله تعالى : { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } و الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار فإذا قرأ في ركعة واحدة فقد امتثل أمر الشرع .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم [ لا صلاة إلا بقراءة ] أثبت الصلاة بقراءة و قد وجدت القراءة في ركعة فثبتت .
الصلاة ضرورة و بهذا يحتج الشافعي إلا أنه يقول : اسم الصلاة ينطلق على كل ركعة فلا تجوز كل ركعة .
إلا بقراءة لقوله صلى الله عليه و سلم : [ لا صلاة إلا بقراءة ] و لأن القراءة في كل ركعة فرض في النفل ففي الفرض أولى لأنه أقوى .
و لأن القراءة ركن من أركان الصلاة ثم سائر الأركان من القيام و الركوع و السجود فرض في كل ركعة فكذا القراءة و بهذا يحتج مالك إلا أنه يقول القراءة في الأكثر أقيم مقام القراءة في الكل تيسيرا .
و لنا : إجماع الصحابة Bهم فإن عمر Bه ترك القراءة في المغرب في إحدى الأوليين فقضاها في الركعة الأخيرة و جهر و عثمان Bه ترك القراءة في الأوليين من صلاة العشاء فقضاها في الأخريين و جهر و علي و ابن مسعود Bهما كانا يقولان : المصلي بالخيار في الأخريين إن شاء قرأ و إن شاء سكت و إن شاء سبح .
و سأل رجل عائشة Bها عن قراءة الفاتحة في الأخريين فقالت : ليكن على وجه الثناء ولم يرو عن غيرهم خلاف ذلك فيكون ذلك إجماعا و لأن القراءة في الأخريين ذكر يخافت بها على كل حال فلا تكون فرضا كثناء الافتتاح هذا لأن مبنى الأركان على الشهرة و الظهور و لو كانت القراءة في الأخريين فرضا لما خالفت الأخريان الأوليين في الصفة كسائر الأركان و أما الآية فنحن ما عرفنا فرضية القراءة في الركعة الثانية بهذه الآية بل بإجماع الصحابة Bهم على ما ذكرناه و الثاني إنا ما عرفنا فرضيتها .
بنص الأمر بل بدلالة النص لأن الركعة الثانية تكرار للأولى و التكرار في الأفعال إعادة مثل الأول فيقتضي إعادة القراءة بخلاف الشفع الثاني لأنه ليس بتكرار الشفع الأول بل هو زيادة عليه .
قالت عائشة Bها : الصلاة في الأصل ركعتان زيدت في الحضر و أقرت في السفر