حكم تعارض الدعوتين مع تعارض البينتين .
فصل : و أما حكم تعارض الدعوتين مع تعارض البنيتين فالكلام فيه يقع في موضعين : أحدهما في بيان حكم تعارض الدعوتين مع تعارض البنيتين القائمتين على أصل الملك و الثاني في بيان حكم تعارض البينتين القائمتين على قدر الملك أما الأول فالأصل أن البينتين إذا تعارضتا في أصل الملك من حيث الظاهر فإن أمكن ترجيح إحداهما على الأخرى يعمل بالراجح لأن البينة حجة من حجج الشرع و الراجح ملحق بالمتيقن في أحكام الشرع و إن تعذر الترجيح فإن أمكن العمل بكل واحدة منهما من كل وجه وجب العمل به و إن تعذر العمل بهما من كل وجه و أمكن العمل بهما من وجه وجب العمل بهما لأن العمل بالدليلين واجب بقدر الإمكان و إن تعذر العمل بهما أصلا سقط اعتبارهما و التحقا بالعدم إذا لاحجة مع المعارض كما لا حجة مع المناقضة .
و جملة الكلام في هذا الفصل : أن الدعوى ثلاثة أنواع : دعوى الملك و دعوى اليد و دعوى الحق و زاد محمد مسائل الدعوى على دعوى الملك و اليد و النسب .
أما دعوى الملك فلا تخلو إما أن تكون من الخارج على ذي اليد و إما أن تكون من الخارجين على ذي اليد و إما أن تكون من صاحبى اليد أحدهما على الآخر فإن كانت الدعوى من الخارج على ذي اليد دعوى الملك و أقاما السنة فلا تخلو إما إن قامت البينتان على ملك مطلق عن الوقت و إما إن قامتا على ملك مؤقت .
و أما إن قامت إحداهما على ملك مطلق و الأخرى على ملك مؤقت و كل ذلك لا يخلو إما إن كانت بسبب و إما إن كانت بغير سبب فإن قامتا على ملك مطلق عن الوقت فبينة الخارج أولى عندنا و عند الشافعي C بينة ذي اليد أولى .
وجه قوله : أن البينتين تعارضتا من حيث الظاهر و ترجحت بينة ذي اليد باليد فكان العمل بها أولى و لهذا عمل ببينته في دعوى النكاح .
و لنا : أن البينة حجة المدعي لقوله عليه الصلاة و السلام : [ البينة على المدعي ] و ذو اليد ليس بمدع فلا تكون البينة حجته و الدليل على أنه ليس بمدع ما ذكرنا من تحديد المدعي أنه اسم لمن يخبر عما في يد غيره لنفسه و الموصوف بهذه الصفة هو الخارج لا ذو اليد لأنه يخبر عما في يد نفسه لنفسه فلم يكن مدعيا فالتحقت بينته بالعدم فبقيت بينة الخارج بلا معارض فوجب العمل بها و لأن بينة الخارج أظهرت له سبق الملك فكان القضاء بها أولى كما إذا و قتت البينتان نصا و وقتت بينة الخارج دلالة ودلالة الوصف أنها أظهرت له سبق اليد لأنهم شهدوا له بالملك المطلق و لا تحل لهم الشهادة بالملك المطلق إلا بعلمهم به و لا يحصل العلم بالملك إلا بعد العلم بدليل الملك و لا دليل على الملك المطلق سوى اليد فإذا شهدوا للخارج فقد أثبتوا كون المال في يده و كون المال في يد ذي اليد ظاهرا ثابت للحال فكانت يد الخارج سابقة على يده فكان ملكه سابقا ضرورة و إذا ثبت سبق الملك للخارج يقضي ببينته لأنه لما ثبت له الملك و اليد في هذه العين في زمان سابق و لم يعرف لثالث فيها يد و ملك علم أنها انتقلت من يد إليه فوجب إعادة يده و رد المال إليه حتى يقيم صاحب اليد الآخر الحجة أنه بأي طريق انتقل إليه كما إذا عاين القاضي كون المال في يد إنسان و يدعيه لنفسه ثم رآه في يد غيره فإنه يأمره بالرد إليه إذا ادعاه ذلك الرجل إلى أن يبين سببا صالحا للانتقال إليه .
و كذا إذا أقر المدعى عليه أن هذا المال كان في يد المدعي فإنه يؤمر بالرد إليه إلى أن يبين بالحجة طريقا صالحا للانتقال إليه كذلك هذا و صار كما إذا أرخا نصا و تاريخ أحدهما أسبق لأن هذا تاريخ من حيث المعنى بخلاف النتاج لأن هناك لم يثبت سبق الخارج لانعدام تصور السبق و التأخير فيه لأن النتاج مما لا يحتمل التكرار فيطلب الترجيح من وجه آخر فتترجح بينة صاحب اليد باليد و هنا بخلافه .
هذا إذا قامت البينتان على ملك مطلق عن الوقت من غير سبب فأما إذا قامتا على ملك موقت من غير سبب فإن استوى الوقتان يقضى للخارج لأنه بطل اعتبار الوقتين للتعارض فبقي دعوى ملك مطلق و إن كان أحدهما أسبق من الآخر يقضى للأسبق وقتا أيهما كان في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى .
وروى ابن سماعة عن محمد أنه رجع عن هذا القول عند رجوعه من الرقة و قال : لا تقبل من صاحب اليد بينة على وقت و غيره إلا في النتاج و الصحيح جواب ظاهر الرواية لأن بينة صاحب الوقت الأسبق أظهرت الملك له في وقت لا ينازعه فيه أحد فيدفع المدعي إلى أن يثبت بالدليل سببا الانتقال عنه إلى غيره و إن أقامت إحداهما على ملك مطلق و الأخرى على ملك موقت من غير سبب و لا عبرة للوقت عندهما و يقضي للخارج و عند أبي يوسف يقضى لصاحب الوقت أيهما كان و روي عن أبي حنيفة C مثله .
وجه قول أبي يوسف : أن بينة صاحب الوقت أظهرت الملك له في وقت خاص لا يعارضها فيه بينة مدعي الملك المطلق بيقين بل تحتمل المعارضة و عدمها لأن الملك المطلق لا يتعارض للوقت فلا تثبت المعارضة بالشك و لهذا لو ادعى كل واحد من الخارجين على ثالث و أقام كل واحد منهما البينة أنه اشتراه من رجل واحد و وقتت بينة أحدهما و أطلقت الخرى انه يقضي لصاحب الوقت كذا هذا .
و لهما : أن الملك احتمل السبق و التأخير لأن الملك المطلق يحتمل التأخير و السبق لجواز أن صاحب البينة المطلقة لو وقتت بينته كان و قتها أسبق فوقع الاحتمال في سبق الملك الموقت فسقط اعتبار الوقت فبقي دعوى مطلق الملك فيقضى للخارج بخلاف الخارجين إذا ادعيا الشراء من رجل واحد لأن البائع إذا كان واحد فقد اتفقا على تلقي الملك منه ببيعه و انه أمر حادث و قد ظهر بالتاريخ أن شراء صاحب الوقت أسبق و لا تاريخ مع الآخر و شراؤه أمر حادث و لا يعلم تاريخه فكان صاحب التاريخ أولى .
هذا إذا قامت البينتان من الخارج و ذي اليد على ملك مطلق أو موقت من غير سبب فاما إذا كان في دعوى ذلك بسبب فإن كان السبب هو الإرث فكذلك الجواب حتى لو قامت البينتان على ملك مطلق بسبب الإرث بأن أقام كل واحد منهما البينة على أنه ملكه مات أبوه و تركه ميراثا له يقضى للخارج بلا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله .
و كذلك إن قامتا على ملك موقت و استوى الوقتان لأنه سقط اعتبار الوقتين للتعارض فبقي دعوى مطلق الملك .
و إن كان احدهما أسبق من الآخر يقضي لأسبقهما وقتا أيهما كان في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و محمد الأول و في قول محمد الآخر يقضى للخارج لأن دعوى الإرث دعوى ملك الميت فكل واحدة من البينتين أظهرت ملك الميت لكن قام الوارث مقام الميت في ملك الميت فكأن الوارثين ادعيا ملكا مطلقا أو موقعا من غير سبب و هناك الجواب هكذا في الفصول كلها من الاتفاق و الاختلاف إلا في فصل واحد و هو ماإذا قامت إحدى البينتين على ملك مطلق و الأخرى على ملك موقت فإن هنا يقضي للخارج بالاتفاق و لا عبرة للوقت كما لا عبرة له في دعوى المورثين .
و هذا على الأصل أبي حنيفة و محمد يطرد على أصل أبي يوسف فيشكل و إن كان السبب هو شراء بأن ادعى الخارج أنه اشترى هذه الدار من صاحب اليد بألف درهم و نقد الثمن و ادعى صاحب اليد أنه اشتراها من الخارج و نقده الثمن و أقام كل واحد منهما البينة على ذلك فإن أقاماالبينة على الشراء من غير وقت و لا قبض لا تقبل البينتان في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و لا يجب لواحد منهما على صاحبه شيء و يترك المدعي في يد ذي اليد و عند محمد يقضى بالبينتين و يؤمر بتسليم المدعي إلى الخارج .
و جه قول محمد : أن التوفيق بين الدليلين واجب بقدر الإمكان و أمكن التوفيق هنا بين البينتين بتصحيح العقدين بأن يجعل كأن صاحب اليد اشتراه أولا من الخارج و قبضه ثم اشتراه الخارج من صاحب اليد و لم يقبضه حتى باعه من صاحب اليد فيوجد العقدان على الصحة لكن بتقدير تاريخ و قبض و في هذا التقدير تصحيح العقدين فوجب القول به و لا وجه للقول بالعكس من ذلك بأن يجعل كأن الخارج اشترى أولا من صاحب اليد و لم يقبضه حتى باعه من صاحب اليد لأن في هذا التقدير إفساد العقد الأخير لأنه بيع العقار المبيع قبل القبض و أنه غير جائز عنده فتعين تصحيح العقدين بالتقدير الذي قلنا و إذا صح العقدان يبقى المشتري في يد صاحب اليد فيؤمر بالتسليم إلى الخارج .
وجه قول أبي يوسف و أبي حنيفة : أن كل مشتري يكون مقرا بكون البيع ملكا للبائع فكان دعوى الشراء من كل واحد منهما إقرارا بملك المبيع لصاحبه فكأن البينتان قائمتين على إقرار كل واحد منهما بالملك لصاحبه و بين موجبي الإقرارين تناف فتعذر العمل بالبينتين أصلا و إن وقت البينتان و وقت الخارج أسبق فإذا لم يذكروا قبضا يقضى بالدار لصاحب اليد عندهما و عند محمد يقضى للخارج لأن وقت الخارج إذا كان أسبق جعل كأنه اشترى الدار أولا و لم يقبضها حتى باعها من صاحب اليد عند أبي حنيفة و أبي يوسف وعند محمد يقضى للخارج لأن و قت الخارج إذا كان اسبق جعل كأنه اشترى الدار أولا و لم يقبضها حتى باعها من صاحب اليد و بيع العقار قبل القبض لا يجوز عند محمد و إذا لم يجز بقي على ملك الخارج و عندهما ذلك جائز فصح البيعان و لو ذكروا القبض جاز البيعان و يقضى بالدار لصاحب اليد بالإجماع لأن بيع العقار بعد القبض جائز بلا خلاف فيجوز البيعان .
و أما إذا كان وقت صاحب اليد أسبق و لم يذكروا قبضا يقضى بها للخارج لأنه إذا كان وقته أسبق يجعل سابقا في الشراء كأنه اشترى من الخارج و قبض ثم اشترى منه الخارج و لم يقبض فيؤمر بالدفع إليه .
و كذلك إن ذكروا قبضا لأنه يقدر كأنه اشترى من صاحب اليد اولاص و قبض ثم اشترى الخارج منه و قبض ثم عادت إلى يد صاحب اليد بوجه آخر و إن كان السبب هو النتاج و هو الولادة في الملك فنقول كان لا يخلو إما إن قامت البينتان على النتاج و إما إن قامت إحداهما على النتاج و الأخرى على الملك المطلق فإن قامت البينتان على النتاج فلا يخلو إما إن كانت البينتان مطلقتين عن الوقت و إما إن وقتا وقتا فإن لم يوقتا وقتا يقضي لصاحب اليد لأن البينة القائمة على النتاج قائمة على أولية الملك و قد استوت البينتان في إظهار الأولية فتترجح بينه صاحب اليد باليد فيقضى ببينته و قد روي عن جابر Bه أن رجلا ادعى بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم نتاج ناقة في يد رجل و أقام البينة عليه و أقام ذو اليد البينة على مثل ذلك فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناقة لصاحب اليد و هذا ظاهر مذهب أصحابنا .
و قال عيسى بن أبان من أصحابنا : إنه لا يقضى لصاحب اليد بل تتهاتر البينتان و يترك المدعى في يد صاحب اليد قضاء ترك و هذا خلاف مذهب أصحابنا فإنه نص على لفظة القضاء و ترك يد صاحب اليد لا يكون قضاء حقيقة و كذا في الحديث الذي رويناه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قضى بذلك لصاحب اليد و كذلك في دعوى النتاج من الخارجين على ثالث يقضى بينهما نصفين و لا يترك في يد صاحب اليد دل أن ما ذكره خلاف مذهب أصحابنا .
و لو أقام أحدهما البينة على النتاج و الآخر على الملك المطلق عن النتاج فبينة النتاج أولى لما قلنا أنها قامت على أولية الملك لصاحبه فلا تثبت لغيره إلا بالتلقي منه .
و أما إن وقتت البينتان فإن اتفق الوقتان فكذلك السقوط اعتبارهما للتعارض فبقي دعوى الملك المطلق و إن اختلفا بحكم سن الدابة فتقضى لصاحب الوقت الذي وافقه السن لأنه ظهر أن البينة الأخرى كاذبة بيقين هذا إذا علم سنها فأما إذا أشكل سقط اعتبارالتاريخ لأنه يحتمل أن يكون سنها موافقا لهذا الوقت و يحتمل أن يكون موافقا لذلك الوقت و يحتمل أن يكون مخالفا لهما جميعا فيسقط اعتبارهما كأنهما سكتا عن التاريخ أصلا و إن خالف سنها الوقتين جميعا سقط الوقت كذا ذكره في ظاهر الرواية لأنه ظهر بطلان التوقيت فكأنهما لم يوقتا فبقيت البينتان قائمتين على مطلق الملك من غير توقيت و ذكر الحاكم في مختصره أن في رواية أبي الليث تتهاتر البينتان قال و هو الصحيح .
و وجهه : أن سن الدابة إذا خالف الوقتين فقد تيقنا بكذب البينتين فالتحقتا بالعدم فيترك المدعى في يد صاحب اليد كما كان .
و الجواب : أن مخالفة السن الوقتين يوجب كذب الوقتين لا كذب البينتين أصلا و رأسا و كذلك لو اختلفا في جارية فقال الخارج : إنها ولدت في ملكي من أمتي هذه و قال صاحب اليد كذلك يقضى لصاحب اليد لما قلنا و كذلك لو اختلفا في الصوف و المرعزي و أقام كل واحد منهما بينة أنه له جزه في ملكه يقضي لصاحب اليد و كذلك لو اختلفا في الغزل و أقام كل واحد منهما البينة أنه له غزله من قطن هو له يقضى لصاحب اليد .
و الأصل : أن المنازعة إذا و قعت في سبب ملك لا يحتمل التكرار كان بمنزلة النتاج فيقضى لصاحب اليد فإذا وقعت في سبب ملك يحتمل التكرار لا يكون في معنى النتاج و يقضي للخارج و إن أشكل الأمر في الملك أنه يحتمل التكرار أو لا يقضى للخارج أيضا .
فعلى هذا إذا اختلفا في اللبن فأقام كل واحد منهما البينة أنه له حلب في يده و في ملكه يقضى لصاحب اليد لأن اللبن الواحد لا يحتمل الحلب مرتين فكان في معنى النتاج .
و كذلك لو ادعى كل واحد منهما أن الشاة التي حلب منها اللبن نتجت عنده يقضى لصاحب اليد بالشاة و اللبن جميعا و كذلك لو اختلفا في جبن و أقام كل واحد منهما البينة أنه له صنعه في ملكه يقضى لصاحب اليد لأن اللبن الواحد لا يحتمل أن يصنع جبنا مرتين فكان بمنزلة النتاج .
و لو اختلفا في الأرض و النخل وادعى كل واحد منهما أنه أرضه غرس النخل فيها يقضى بها للخارج لأن هذا ليس في معنى النتاج لأن النتاج سبب لملك الولد و الغرس ليس بسبب الملك الأرض و كذا الغرس مما يحتمل التكرار فلم يكن في معنى النتاج .
و كذلك لو اختلفا في الحبوب النابتة و القطن النابت ادعى كل واحد منها أنه له زرعه في أرضه فإنه يقضى بالأرض و الحب و القطن للخارج و كذلك لو اختلفا في البناء ادعى كل واحد منهما أنه بنى على أرضه لما قلنا و لو اختلفا في حلي مصوغ ادعى كل واحد منهما أنه صاغه في ملكه يقضى للخارج لأن الصياغة تحتمل التكرار فلم تكن في معنى النتاج .
و لو اختلفا في ثوب خز أو شعر و أقام كل واحد منهما البينة أنه له نسجه في ملكه فإن علم أن ذلك لا ينسج مرة واحدة يقضى لصاحب اليد لأنه بمنزلة النتاج و إن علم أنه ينسج مرتين يقضى للخارج و كذا إن كان مشكلا و كذلك لو اختلفا في سيف مطبوع و ادعى كل واحد منهما أنه طبع في ملكه يرجع في هذا إلى أهل العلم بذلك .
و لو اختلفا في جارية و أقام كل واحد منهما البينة أن أمها أمته و إنها و لدت هذه في ملكه يقضى بالجارية و بأمها للخارج لأن هذا ليس دعوى النتاج بل هو دعوى الملك المطلق و هو ملك الأم و البينة بينة الخارج في الملك المطلق فيقضى بالأم للخارج ثم يملك الولد بملك الأم و كذلك لو اختلفا في الشاة مع الصوف و أقام كل واحد منهما البينة أن هذه الشاة مملوكة له و إن هذا صوف هذه الشاة يقضى بالشاة و الصوف للخارج لما قلنا .
شاتان أحدهما بيضاء و الأخرى سوداء و هما في يد رجل فام الخارج البينة على أن الشاة البيضاء شاته ولدتها السواء في ملكه و أقام صاحب اليد البينة على أن السوداء شاته ولدتها البيضاء في ملكه يقضى لكل واحد منهما بالشاة التي شهدت شهوده إنها ولدت في ملكه فيقضى للخارج بالبيضاء ولصاحب اليد بالسوداء لأن بينة الخارج قامت على النتاج في البيضاء و بينة ذي اليد قامت قيها على ملك مطلق فبينة النتاج أولى كذا بينة ذي اليد قامت على النتاج في السوداء و بينة الخارج فيها قامت العلماءى ملك مطلق فبينة النتاج أولى .
و لو اختلفا في اللبن الذي صنع منه الجبن فأقام كل واحد منهما البينة أن اللبن الذي صنع منه الجبن قي ملكه فيقضى للخارج لأن البينة القائمة على ملك اللبن قائمة على ملك مطلق لا على أوليه الملك فبينة الخارج أولى من دعوى الملك المطلق .
و لو ادعى عبدا في يد إنسان أنه اشتراه من فلان و إنه ولد في ملك الذي اشتراه منه و أقام ذو اليد البينة أنه اشتراه من رجل آخر و أنه ولد في ملكه يقضى لصاحب اليد لأن دعوى الولادة في ملك بائعه بمنزلة دعوى الولادة في ملكه لأنه تلقى الملك من جهته و هناك يقضى له كذا هذا .
و كذلك لو ادعى ميراثا أو هبة أو صدقة أو وصية و إنه ولد في ملك المورث و الواهب و الموصي فإنه يقضى لصاحب اليد لما قلتا .
و لو ادعى الخارج مع ذي اليد كل واحد منهما النتاج فقضى لصاحب اليد ثم جاء رجل و ادعى النتاج و أقام البينة عليه يقضى له إلا أن يعيد صاحب اليد البينة على النتاج قيكون هو أولى لأن القضاء على المدعي الأول يكون قضاء على المدعي الثاني فلم يكن الثاني مققضيا عليه فتسمع البينة منه .
فرق بين الملكو بين العتق أن القضاء بالعتق على شخص واحد يكون قضاء على الناس كافة و القضاء بالملك على شخص واحد لا يكون قضاء على غيره و إن كانت بينة النتاج توجب الملك بصفة الأولية و إنه لا يحتمل التكرار كالعتق .
و وجه الفرق : أن العتق حق الله تعالى ألا ترى العبد لا يقدر على إبطاله حتى لا يجوز استرقاق الحر برضاه و لو كان حق العبد على إبطاله كالرق و إذا حق الله تعالى فالناس في إثبات حقوقه خصوم عنه عنه بطريق النيابة لكونهم عبيدة فكان حضرة الواحد كضرة الكل و القضاء على الواحد قضاء على الكل لاستوائهم في العبودية كالورثة لما قاموا مقام الميت في إثبات حقوقه و الدفع عنه لكونهم خلففاءه فقام الواحد منهم مقام الكل لاستوائهم في الخلافة بخلاف الملك فإنه خالص حق العبد فالحاضر فيه لا ينتصب خصما عن الغائب إلا بالإنابة حقيقة أو بثبوث النيانة عنه و اتصال بين الحاضر و الغائب فيما وقعفيه الدعوى على ما عرف و لم يوجد شيء من ذلك فالقضاء على غيره يكون قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر وهذا لا يجوز .
و لو شهد الشهود أن هذه الحنطة من زرع حصد من أرض هذا الرجل لم يكن لصاحب الأرض أن يأخذها لأنه يحتمل أن يكون البذر لغيره و ملك الزرع يتبع ملك البذر لا ملك البذر لا ملك الأرض ألا ترى أن الأرض المغصوبة إذا زرعها الغاصب من بذر نفسه كانت الحنطة له و لو شهدوا أن هذه الحنطة من زرع هذا أو هذا التمر من نخل هذا يقضى له لأن ملك الحنطة و التمر يتبع ملك الزرع و النخل .
و لو قالوا : هذه الحنطة من زرع كان من أرضه لم يقض له لأنهم لو شهدوا أنه حصد من أرضه لم يقض له فهذا أولى .
و لو شهدوا أن هذا اللبن و هذا الصوف حلاب شاته و صوف شاته لم يقض له لجواز أن تكون الشاة له و حلابها و صوفها لغيره بأن أوصى بذلك لغيره هذا الذي ذكرنا كله في دعوى الخارج الملك فأما دعوى الخارجين على ذي اليد الملك فنقول : لا تخلوفي الأصل من أحد و جهين : إما أن يدعي كل واحد منهما قدر ما يدعي أكثر مما يدعي الآخر فإن ادعى كل واحد منهما قدر ما يدعي الآخر فهو على التفصيل الذي ذكرنا أيضا و هو أن البينتين إما إن قامتا على ملك مطلق عن الوقت و إما إن قامتا على ملك موقت و إما إن قامت إحداهما على ملك مطلق و الأخرى على ملك موقت و كل ذلك بسبب أو بغير سبب فإن قامت البينتان على ملك مطلق من غير سبب فإنه يقضى بالمدعى بينهما نصفان عند أصحابنا .
و للشافعي C قولان : في قول تتهاتر البينتان و يترك المدعى في يد صاحب اليد و في قول يقرع بينهما فيقضى لمن خرجت له القرعة منهما وجه قول الشافعي C : أن العمل بالبينتين متعذر لتناف بين موجبهما لا ستحالة كون العين الواحدة مملوكة لاثنين على الكمال في زمان واحد فيبطلان جميعا إذ ليس العمل بإحداهما أولى من العمل بالأخرى لا ستوائهما في القوة أو ترجح إحداهما بالقرعة لورود الشرع بالقرعة في الجملة .
و لنا : أن البينة دليل من أدلة الشرع و العمل بالدليلين واجب بالقدر الممكن فإن أمكن العمل بهما من كل وجه يعمل بهما من كل وجه و إن لم يمكن العمل بهما من كل وجه بعمل بهما من وجه كما في سائر دلائل الشرع من ظواهر الكتاب و السنن المشهورة و أخبار الآحاد و الأقيسة الشرعية إذا تعارضت و هنا إن تعذر العمل بالبينتين بإظهار الملك في كل المحل أمكن العمل بهما بإظهار الملك في النصف فيقضى لكل واحد منهما بالنصف .
و لو قامتا على ملك موقت من غير سبب فإن استوى الوقتان فكذلك الجواب لأنه إذا لم يثبت سبق أحدهما بحكم التعارض سقط التاريخ و التحق بالعدم فبقي دعوى الملك المطلق و إن كان وقت أحدهما أسبق من الآخر فالأسبق أولى بالإجماع و لا يجيء هنا خلاف محمد C لأن البينة من الخارج مسموعة بلا خلاف و البينتان قامتا من الخارجين فكانتا مسموعتين ثم ترجح إحداهما بالتاريخ لأنها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الأخرى فيؤمر بالدفع إليه إلى أن يقوم الدليل على أنه بأي طريق انتقل إليه الملك .
و إن أرخت إحداهما و أطلقت الأخرى من غير سبب يقضى بينهما نصفين عند أبي حنيفة و لا عبرة للتاريخ و عند أبي يوسف يقضى لصاحب الوقت و عند محمد يقضى لصاحب الإطلاق .
وجه قول محمد : أن البينة القائمة على الملك المطلق أقوى لأن الملك المطلق ملكه من الأصل حكما ألا ترى أنه يظهر في الزوائد و تستحق به الأولاد و الأكساب .
و هذا حكم ظهور الملك من الأصل و لا يستحق ذلك بالملك الموقت فكانت البينة القائمة عليه أقوى فكان القضاء بها أولى