بيان من يصلح للقضاء .
فصل : و أما بيان من يصلح للقضاء فنقول : الصلاحية للقضاء لها شرائط منها العقل و منها البلوغ و منها الإسلام و منها البصر و منها النطق و منها السلامة عن حد القذف لما قلنا في الشهادة فلا يجوز تقليد المجنون و الصبي و الكافر و العبد و الأعمى و الأخرس و المحدود في القذف لأن القضاء من باب الولاية بل هو أعظم الولايات و هؤلاء ليست لهم أدنى الولايات و هي الشهادة فلأن لا يكون لهم أهلية أعلاها أولى .
و أما الذكورة فليست من شرط جواز التقليد في الجملة لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة إلا أنها لا تقضي بالحدود و القصاص لأنه لا شهادة لها في ذلك و أهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة .
و أما العلم بالحلال و الحرام و سائر الأحكام فهل هو شرط جواز التقليد ؟ عندنا ليس بشرط الجواز بل شرط الندب و الاستحباب و عند أصحاب الحديث كونه عالما بالحلال و الحرام و سائر الأحكام مع بلوغ درجة الاجتهاد في ذلك شرط جواز التقليد كما قالوا في الإمام الأعظم و عندنا هذا ليس بشرط الجواز في الإمام الأعظم لأنه يمكنه أن يقضي بكلام غيره بالرجوع إلى فتوى غيره من العلماء فكذا في القاضي لكن مع هذا لا ينبغي أن يقلد الجاهل بالأحكام لأن الجاهل بنفسه ما يفسد أكثر مما يصلح بل يقضي بالباطل من حيث لا يشعر به و قد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ القضاة ثلاثة : قاض في الجنة و قاضيان في النار رجل علم علما فقضى بما علم فهو في الجنة و رجل علم علما فقضى بغير ما علم فهو في النار و رجل جهل فقضى بالجهل فهو في النار ] إلا أنه لو قلد جاز عندنا لأنه يقدر على القضاء بالحق بعلم غيره بالاستفتاء من الفقهاء فكان تقليده جائزا في نفسه فاسدا لمعنى في غيره و الفاسد لمعنى في غيره يصلح للحكم عندنا مثل الجائز حتى ينفذ قضاياه التي لم يجاوز فيها حد الشرع و هو كالبيع الفاسد إنه مثل الجائز عندنا في حق الحكم كذا هذا .
و كذا العدالة عندنا ليست بشرط لجواز التقليد لكنها شرط الكمال فيجوز تقليد الفاسق و تنفذ قضاياه إذا لم يجاوز فيها حد الشرع و عند الشافعي C شرط الجواز فلا يصلح الفاسق قاضيا عنده بناء على أن الفاسق ليس من أهل الشهادة عنده فلا يكون من أهل القضاء و عندنا هو من أهل الشهادة فيكون من أهل القضاء لكن لا ينبغي أن يقلد الفاسق لأن القضاء أمانة عظيمة و هي أمانة الأموال و الأبضاع و النفوس فلا يقوم بوفائها إلا من كمل ورعه و تم تقواه إلا أنه مع هذا لو قلد جاز التقليد في نفسه و صار قاضيا لأن الفساد لمعنى في غيره فلا يمنع جواز تقليده القضاء في نفسه لما مر .
و أما ترك الطلب فليس بشرط لجواز التقليد بالإجماع فيجوز تقليد الطالب بلا خلاف لأنه يقدر على القضاء بالحق لكن لا ينبغي أن يقلد لأن الطالب يكون متهما .
و روي عن النبي E أنه قال : [ إنا لا نولي أمرنا هذا من كان له طالبا ] و عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ من سأل القضاء و كل إلى نفسه و من أخبر عليه نزل عليه ملك يسدده ] و هذا إشارة إلى أن الطالب لا يوفق لإصابة الحق و المجبر عليه يوفق .
و أما شرائط الفضيلة و الكمال فهو أن يكون القاضي عالما بالحلال و الحرام و سائر الأحكام قد بلغ في علمه ذلك حد الاجتهاد عالما بمعاشرة الناس و معاملتهم عدلا و روعا عفيفا عن التهمة صائن النفس عن علمه ذلك حد الاجتهاد علما بمعاشرة الناس و معاملتهم عدلا و روعا عنيفا عن التهمة صائن النفس عن الطمع لأن القضاء هو الحكم بين الناس بالحق فإذا كان المقلد بهذه الصفات فالظاهر أنه لا يقضي إلا بالحق .
ثم ما ذكرنا أنه شرط جواز التقليد فهو شرط جواز التحكيم لأن التحكيم مشروع قال الله تعالى عز شأنه : { فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها } فكان الحكم من الحكمين بمنزلة حكم القاضي المقلد إلا أنها يفترقان في أشياء مخصوصة : منها أن الحكم في حدود و القصاص لا يصح و ومنها أنه ليس بلازم ما لم يتصل به الحكم حتى لو رجع أحد المتحاكمين قبل الحكم يصح رجوعه و إذا حكم صار لازما و منها : أنه إذا حكم في فصل مجتهد فيه ثم رفع حكمه إلى القاضي و رأيه يخالف رأي الحاكم المحكم له أن يفسخ حكمه و الفرق بين هذه الجملة يعرف في موضعه إن شاء الله تعالى