حكم الحدود أذا اجتمعت .
فصل : و أما حكم الحدود إذا اجتمعت فالأصل في أسباب الحدود إذا اجتمعت أن يقدم حق العبد في الاستيفاء على حق الله D لحاجة العبد إلى الانتفاع بحقه و تعالى الله تعالى عن الحاجات .
ثم ينظر إن لم يمكن استيفاء حقوق الله تعالى تسقط ضرورة و إن أمكن استيفاؤها فإن كان في إقامة شيء منها إسقاط البواقي يقام ذلك درءا للبواقي لقوله E : [ ادرءواالحدود ما استطعتم ] و إن لم يكن في إقامة شيء منها إسقاط البواقي يقام الكل جميعا بين الحقين في الاستيفاء و إذا ثبت هذا فنقول : إذا اجتمع القذف و الشرب و السكر و الزنا من غير إحصان و السرقة بأن قذف إنسانا بالزنا و شرب الخمر و سكر من غير الخمر من الأشربة المعهودة و زنى و هو غير محصن و سرق مال إنسان ثم أتى به إلى الإمام بدأ الإمام بحد القذف فيضربه لأنه حق الله D من وجه و ما سواه حقوق العباد على الخلوص فيقدم استيفاؤه ثم يستوفي حقوق الله تعالى لأنه يمكن استيفاؤها و ليس في إقامة شيء منها إسقاط البواقي فلا يسقط ثم إذا ضرب حد القذف يحبس حتى يبرأ من الضرب ثم الإمام بالخيار في البداية إن شاء بدأ بحد الزنا و إن شاء بحد السرقة و يؤخر حد الشرب عنهما لأنهما ثبتا بنص الكتاب العزيز و حد الشرب لم يثبت بنص الكتاب الكريم إنما ثبت بإجماع مبني على الاجتهاد أو على خبر الواحد و لا شك أن الثابت بنص الكتاب آكد ثبوتا و لا يجمع ذلك كله في و قت واحدبل يقام كل واحد منهما بعد ما برأ من الأول لأن الجميع بين الكل في وقت واحد يفضي إلى الهلاك و لو كان من جملة هذه الحدود حد الرجم بأن زنى و هو محصن يبدأ بحد القذف و يضمن السرقة و يرجم و يدرأ عنه ما سوى ذلك لأن حد القذف حق العبد فيقدم في الاستيفاء و في إقامة حد الرجم إسقاط البواقي فقيام درءا للبواقي لأن الحدود واجبة الدرء ما أمكن فيدرأ إلا أنه يضمن السرقة لأن المال لا يحتمل الدرء و كذا لو كان مع هذه الحدود قصاص في النفس يبدأ بحد القذف و يضمن السرقة و يقتل قصاصا و يدرأ ما سوى ذلك و إنما بدىء بحد القذف دون القصاص الذي هو خالص حق العبد لأن في البداية بالقصاص إسقاط حد القذف و لا سبيل إليه لذلك يبدأ بحد القذف و يقتل قصاصا و يبطل ما سوى ذلك لتعذر الاستيفاء بعد القتل إلا أنه يضمن السرقة لما قلنا .
و لو كان مع القصاص في النفس قصاص فيما دون النفس يحد حد القذف يقتص فيما دون النفس و يقتص في النفس و بلغى ما سوى ذلك و لو لم يكن في الحدود حد القذف و يقتص فيما دون النفس ثم يقتص في النفس و يلغي ما سوى ذلك و لو اجتمعت الحدود الخالصة و القتل يقتص و يلغى ما سوى ذلك لأن تقديم القصاص على الحدود في الاستيفاء واجب و متى قدم استيفاؤه تعذر استيفاء الحدود فتسقط ضرورة و الله تعالى أعلم