فصل : بيان ما يكره حمله إلى دار الحرب و ما لا يكره .
وأما بيان ما يكره حمله إلى دار الحرب وما لا يكره فنقول : ليس للتاجر أن يحمل إلى دار الحرب ما يستعين به أهل الحرب على الحرب من الأسلحة والخيل والرقيق من أهل الذمة وكل ما يستعان به في الحرب لأن فيه إمدادهم وإعانتهم على حرب المسلمين .
قال الله سبحانه وتعالى : { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } فلا يمكن من الحمل وكذا الحربي إذا دخل دار الإسلإم لا يمكن من أن يشتري السلاح ولو اشترى لا يمكن من أن يدخله دار الحرب لما قلنا إلا إذا كان دخل دار الإسلام بسلاح فاستبدله فينظر في ذلك إن كان الذي استبدله خلاف جنس سلاحه بأن استبدل القوس بالسيف ونحو ذلك لا يمكن من ذلك أصلا .
وإن كان من جنس سلاحه فان كان مثله أو أردأ منه يمكن منه وان كان أجود منه لا يمكن منه لما قلنا ولا بأس بحمل الثياب والمتاع والطعام ونحو ذلك إليهم لانعدام معنى الإمداد والإعانة وعلى ذلك جرت العادة من تجار الأمصار أنهم يدخلون دار الحرب للتجارة من غير ظهور الرد والإنكار عليهم إلا أن الترك أفضل لأنهم يستخفون بالمسلمين ويدعونهم إلى ما هم عليه فكان الكف والإمساك عن الدخول من باب صيانة النفس عن الهوان والدين عن الزوال فكان أولى .
وأما المسافرة بالقرآن العظيم إلى دار الحرب فينظر في ذلك إن كان العسكر عظيما مأمونا عليه لا بأس بذلك لأنهم يحتاجون إلى قراءة القرآن وإذا كان العسكر عظيما يقع الأمن عن الوقوع في أيد الكفرة والاستخفاف به وإن لم يكن مأمونا عليه كالسرية يكره المسافرة به لما فيه من خوف الوقوع في أيديهم والاستخفاف به فكان الدخول به في دار الحرب تعويضا للاستخفاف بالمصحف الكريم وما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنه نهى أن يسافر بالقرآن العظيم إلى أزض العدو ] محمول على المسافرة في هذه الحالة وكذلك حكم إخراج النساء مع أنفسهم إلى دار الحرب على هذا التفصيل إن كان ذلك في جيش عظيم مأمون عليه غير مكروه لأنهم يحتاجون إلى الطبخ والغسل ونحو ذلك وإن كانت سرية لا يؤمن عليها يكره إخراجهن لما قلنا والله تعالى أعلم