ما يسقطها بعد الوجوب .
وأما ما يسقطها بعد الوجوب فأنواع : منها : الإسلام ومنها : الموت عندنا .
فإن الذمي إذا أسلم أو مات سقطت الجزية عندنا وعند الشافعي C : لا تسقط بالموت والإسلام .
وجه قوله : إن الجزية وجبت عوضا عن العصمة بقوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } إلى قوله جل شأنه : { حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون } أباح جلت عظمته دماء أهل القتال ثم حقنها بالجزية فكانت الجزية عوضا عن حقن الدم وقد حصل له المعوض في الزمان الماضي فلا يسقط عنه العوض .
و لنا : ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليس على مسلم جزية ] وعن سيدنا عمر Bه : أنه رفع الجزية بالإسلام فقال : والله إن في الإسلام لمعاذا إن فعل ولأنها وجبت وسيلة إلى الإسلام فلا تبقى بعد الإسلام والموت كالقتال والدليل على أنها وجبت وسيلة إلى الإسلام أن الإسلام فرض بالنصوص والجزية تتضمن ترك القتال فلا يجوز شرع عقد الذمة والجزية الذي فيه ترك القتال إلا لما شرع له القتال وهو التوسل إلى الإسلام وإلا فيكون تناقضا والشريعة لا تتناقض وتعذر تحقيق معنى التوسل بعد الموت والإسلام فيسقط ضرورة .
وقوله : إنها وجبت عوضا عن حقن الدم ممنوع بل ما وجبت إلا وسيلة إلى الإسلام لأن تمكين الكفرة في دار الإسلام وترك قتالهم مع قولهم في الله ما لا يليق بذاته وصفاته تبارك وتعالى للوصول إلى عرض يسير من الدنيا خارج عن الحكم والعقل .
فأما التوسل إلى الإسلام وإعدام الكفرة فمعقول مع ما أنها إن وجبت لحقن الدم فإنما تجب كذلك في المستقبل وإذا صار دمه محقونا فيما مضى فلا يجوز أخذ الجزية لأجله فتسقط .
ومنها : مضي سنة تامة ودخول سنة أخرى عند أبي حنيفة وعندهما لا تسقط حتى إنه إذا مضى على الذمة سنة كاملة ودخلت سنة أخرى قبل أن يؤديها الذمي تؤخذ منه للسنة المستقبلة ولا تؤخذ للسنة الماضية عنده وعندهما تؤخذ لما مضى ما دام ذميا والمسألة تعرف بالموانيد أنها تؤخذ أم لا .
وجه قولهما : أن الجزية أحد نوعي الخراج فلا تسقط بالتأخير إلى سنة أخرى استدلالا بالخراج الآخر وهو خراج الأرض وهذا لأن كل واحد منهما دين فلا تسقط بالتأخير كسائر الديون .
و لأبي حنيفة C وجهان : .
أحدهما : أن الجزية ما وجبت إلا لرجاء الإسلام وإذا لم يوجد حتى دخلت سنة أخرى انقطع الرجاء فيما مضى وبقي الرجاء في المستقبل فيؤخذ للسنة المستقبلة .
والثاني : أن الجزية إنما جعلت لحقن الدم في المستقبل فإذا صار دمه محقونا في السنة الماضية فلا تؤخذ الجزية لأجلها لانعدام الحاجة إلى ذلك كما إذا أسلم أو مات تسقط عنه الجزية لعدم الحاجة إلى الحقن بالجزية كذا هذا والاعتبار بخراج الأرض غير سديد فإن المجوسي إذا أسلم بعد مضي السنة لا يسقط عنه خراج الأرض ويسقط عنه خراج الرأس بلا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله وبه تبين أن هذا ليس كسائر الديون فبطل الاعتبار بها والله تعالى أعلم .
وأمة صفة العقد فهو أنه لازم في حقنا حتى لا يملك المسلمون نقضه بحال من الأحوال وأما في حقهم فغير لازم بل يحتمل الانتفاع في الجملة لكنه لا ينتقض إلا بأحد أمور ثلاثة : .
أحدها : أن يسلم الذمي لما مر أن الذمة عقدت وسيلة إلى الإسلام وقد حصل المقصود .
والثاني : أن يلحق بدار الحرب لأنه إذا لحق بدار الحرب صار بمنزلة المرتد إلا أن الذمي إذا لحق بدار الحرب يسترق والمرتد إذا لحق بدار الحرب لا يسترق لما نذكره إن شاء الله تعالى .
والثالث : أن يغلبوا على موضع فيحاربون لأنهم إذا فعلوا ذلك فقد صاروا أهل الحرب وينتقض العهد ضرورة ولو امتنع الذمي من إعطاء الجزية لا ينتقض عهده لأن الامتناع يحتمل أن يكون لعذر العدم فلا ينتقض العهد بالشك والاحتمال وكذلك لو سب النبي صلى الله عليه و سلم لا ينتقض عهده لأن هذا زيادة كفر على كفر والعقد يبقى مع أصل الكفر فيبقى مع الزيادة وكذلك لو قتل مسلما أو زنى بمسلمة لأن هذه معاص ارتكبوها وهي دون الكفر في القبح والحرمة ثم بقيت الذمة مع الكفر فمع المعصية أولى والله تعالى أعلم