ما يرجع إلى المقتول .
وأما الذي يرجع إلى المقتول فثلاثة أنواع : أحدها أن لا يكون جزء القاتل حتى لو قتل الأب ولده لا قصاص عليه وكذلك الجد أب الأب أو أب الأم وإن علا وكذلك إذا قتل الرجل ولد ولده وإن سفلوا وكذا الأم إذا قتلت ولدها أو أم الأم أو أم الأب إذا قتلت ولد ولدها والأصل فيه ما روي عن النبي E أنه قال : [ لا يقاد الوالد بولده ] واسم الوالد والولد يتناول كل والد وإن علا وكل ولد وإن سفل ولو كان في ورثة المقتول ولد القاتل أو ولد ولده فلا قصاص لأنه تعذر إيجاب القصاص للولد في نصيبه فلا يمكن الإيجاب للباقين لأنه لا يتجزأ وتجب الدية للكل ويقتل الولد بالوالد لعمومات القصاص من غير فصل ثم خص منها الوالد بالنص الخاص فبقي الولد داخلا تحت العموم ولأن القصاص شرع لتحقيق حكمة الحياة بالزجر والردع والحاجة إلى الزجر في جانب الولد لا في جانب الوالد لأن الوالد يحب ولده لولده لا لنفسه بوصول النفع إليه من جهته أو يحبه لحياة الذكر لما يحيى به ذكره وفيه أيضا زيادة شفقة تمنع الوالد عن قتله فأما الولد فإنما يجب والده لا لوالده بل لنفسه وهو وصول النفع إليه من جهته فلم تكن محبته وشفقته مانعة من القتل فلزم المنع بشرع القصاص كما في الأجانب ولأن محبة الولد لوالده لما كانت لمنافع تصل إليه من جهته لا لعينه فربما يقتل الوالد ليتعجل الوصول إلى أملاكه لا سيما إذا كان لا يصل النفع إليه من جهته لعوارض ومثل هذا يندر في جانب الأب .
والثاني : أن لا يكون ملك القاتل ولا له فيه شبهة الملك حتى لا يقتل المولى بعبده لقوله E : [ لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده ] ولأنه لو وجب القصاص لوجب له والقصاص الواحد كيف يجب له وعليه وكذا إذا كان يملك بعضه فقتله لا قصاص عليه لأنه لا يمكن استيفاء بعض القصاص دون بعض لأنه غير متجزئ .
وكذا إذا كان له فيه شبهة الملك كالمكاتب إذا قتل عبدا من كسبه لأن للمكاتب شبهة الملك في أكسابه والشبهة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة ولا يقتل المولى بمدبره وأم ولده ومكاتبه لأنهم مماليكه حقيقة ألا ترى أنه لو قال : كل مملوك لي فهو حر عتق هؤلاء إلا المكاتب فإنه لا يعتق إلا بالنية لقصور في الإضافة إليه بالملك لزوال ملك اليد ويقتل العبد بمولاه وكذا المدبر وأم الولد والمكاتب لعمومات النصوص ولتحقيق ما شرع له القصاص وهو الحياة بالزجر والردع بخلاف المولى إذا قتل هؤلاء لأن شفقة المولى على ماله تمنعه عن القتل عند سيحان العداوة الحامل على القتل إلا نادرا فلا حاجة إلى الزجر بالقصاص بخلاف العبد .
ولو اشترك اثنان في قتل رجل أحدهما ممن يجب القصاص عليه لو انفرد والآخر لا يجب عليه لو انفرد ممن ذكرنا كالصبي مع البالغ والمجنون مع العاقل والخاطئ مع العامد والأب مع الأجنبي والمولى مع الأجنبي لا قصاص عليهما عندنا .
وقال الشافعي C : يجب القصاص على العاقل والبالغ والأجنبي إلا العامد فإنه لا قصاص عليه إذا شاركه الخاطئ .
وجه قوله : أن سبب الوجوب وجد من كل واحد منهما وهو القتل العمد إلا أنه امتنع الوجوب على أحدهما لمعنى يخصه فيجب على الآخر .
ولنا : أنه تمكنت شبهة عدم القتل في فعل كل واحد منهما لأنه يحتمل أن يكون فعل من لا يجب عليه القصاص لو انفرد مستقلا في القتل فيكون فعل الآخر فضلا ويحتمل على القلب وهذه الشبهة ثابتة في الشريكين الأجنبيين إلا أن الشرع أسقط اعتبارها وألحقها بالعدم فتحا لباب القصاص وسدا لباب العدوان .
لأن الاجتماع ثم يكون أغلب وههنا أندر فلم يكن في معنى مورد الشرع فلا يلحق به وعليهما الدية لوجود القتل إلا أنه امتنع وجوب القصاص للشبهة فتجب الدية ثم ما يجب على الصبي والمجنون والخاطئ تتحمله العاقلة وما يجب على البالغ والعاقل والعامد يكون في ماله لأن القتل عمد لكن سقط القصاص للشبهة والعاقلة لا تعقل العمد وفي الأب والأجنبي الدية في مالهما لأن القتل عمد وفي المولى مع الأجنبي على الأجنبي نصف قيمة العبد في ماله لما قلنا وكذلك إذا جرح نفسه وجرحه أجنبي فمات لا قصاص على الأجنبي عندنا خلافا للشافعي وعلى الأجنبي نصف الدية لأنه مات بجرحين أحدهما هدر والآخر معتبر وعلى هذا مسائل تأتي في موضع آخر إن شاء الله تعالى .
والثالث : أن يكون معصوم الدم مطلقا فلا يقتل مسلم ولا ذمي بالكافر الحربي ولا بالمرتد لعدم العصمة أصلا ورأسا ولا بالحربي المستأمن في ظاهر الرواية لأن عصمته ما ثبتت مطلقة بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام وهذا لأن المستأمن من أهل دار الحرب وإنما دخل دار الإسلام لا لقصد الإقامة بل لعارض حاجة يدفعها ثم يعود إلى وطنه الأصلي فكانت في عصمته شبهة العدم .
وروي عن أبي يوسف أنه يقتل به قصاصا لقيام العصمة وقت القتل وهل يقتل المستأمن بالمستأمن ؟ ذكر في السير الكبير أنه يقتل .
وروى ابن سماعة عن محمد أنه لا يقتل ولا يقتل العادل بالباغي لعدم العصمة بسبب الحرب لأنهم يقصدون أموالنا وأنفسنا ويستحلونها وقد قال E : [ قاتل دون نفسك ] وقال : [ قاتل دون مالك ] ولا يقتل الباغي بالعادل أيضا عندنا .
وعند الشافعي C : يقتل لأن المقتول معصوم مطلقا .
ولنا : أنه غير معصوم في زعم الباغي لأنه يستحل دم العادل بتأويل وتأويله وإن كان فاسدا لكن له منعة والتأويل الفاسد عند وجود المتعة ألحق بالتأويل الصحيح في حق وجوب الضمان بإجماع الصحابة .
Bهم فإنه روي عن الزهري أنه قال : وقعت الفتنة والصحابة متوافرون فاتفقوا على أن كل دم استحل بتأويل القرآن العظيم فهو موضوع .
وعلى هذا يخرج ما إذا قال الرجل لآخر : اقتلني فقتله أنه لا قصاص عليه عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يجب القصاص وجه قوله أن الأمر بالقتل لم يقدح في العصمة لأن عصمة النفس مما لا تحتمل الإباحة بحال ألا ترى أنه يأثم بالقول فكان الأمر ملحقا بالعدم بخلاف الأمر بالقطع لأن عصمة الطرف تحتمل الإباحة في الجملة فجاز أن يؤثر الأمر فيها .
ولنا : أنه تمكنت في هذه العصمة شبهة العدم لأن الأمر وإن لم يصح حقيقة فصيغته تورث شبهة والشبهة في هذا الباب لها حكم الحقيقة وإذا لم يجب القصاص فهل تجب الدية ؟ فيه روايتان : عن أبي حنيفة Bه في رواية تجب وفي رواية لا تجب وذكر القدوري C أن هذا أصح الروايتين وهو قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله وينبغي أن يكون الأصح هي الأولى لأن العصمة قائمة مقام الحرمة وإنما سقط القصاص لمكان الشبهة والشبهة لا تمنع وجوب المال .
ولو قال : اقطع يدي فقطع لا شيء عليه بالإجماع لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال وعصمة الأموال تثبت حقا له فكانت محتملة لة للسقوط بالإباحة والإذن كما لو قال له اتلف مالي فأتلفه .
ولو قال : اقتل عبدي أو اقطع يده فقتل أو قطع فلا ضمان عليه لأن عبده ماله وعصمة ماله ثبتت حقا له فجاز أن يسقط بإذنه كما في سائر أمواله ولو قال اقتل أخي فقتله وهو وارثه القياس أن يجب القصاص وهو قول زفر C وقال أبو حنيفة Bه : أستحسن أن آخذ الدية من القاتل .
وجه القياس : أن الأخ الآمر أجنبي عن دم أخيه فلا يصح إذنه بالقتل فالتحق بالعدم .
وجه الاستحسان : أن القصاص لو وجب بقتل أخيه لوجب له والقتل حصل بإذنه والإذن إن لم يعمل شرعا لكنه وجد حقيقة من حيث الصيغة فوجوده يورث شبهة كالإذن بقتل نفسه والشبهة لا تؤثر في وجوب المال وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة Bهما فيمن أمر إنسانا أن يقتل ابنه فقلته أنه يقتل به وهذا يوجب اختلاف الروايتين في المسألتين .
ولو أمره أن يشجه فشجه فلا شيء عليه إن لم يمت من الشجة لأن الأمر بالشجة كالأمر بالقطع وإن مات منها كانت عليه الدية كذا ذكر في الكتاب ويحتمل هذا أن يكون على أصل أبي حنيفة C خاصة بناء على أن العفو عن الشجة لا يكون عفوا عن القتل عنده فكذا الأمر بالشجة لا يكون أمرا بالقتل ولما مات تبين أن الفعل وقع قتلا من حين وجوده لا شجا وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فتجب الدية فأما على أصلهما فينبغي أن لا يكون عليه شيء لأن العفو عن الشجة يكون عفوا عن القتل عندهما فكذا الأمر بالشجة يكون أمرا بالقتل .
وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله : فيمن أمر إنسانا بأن يقطع يده ففعل فمات من ذلك أنه لا شيء على قاطعه ويحتمل أن يكون هذا قولهما خاصة كما قالا فيمن له القصاص في الطرف إذا قطع طرف من عليه القصاص فمات أنه لا شيء عليه فأما على قول أبي حنيفة C فينبغي أن تجب الدية لأنه لما مات تبين أن الفعل وقع قتلا والمأمور به القطع لا القتل وكان القياس أن يجب القصاص كما قال فيمن له القصاص في الطرف إلا أنه سقط لمكان الشبهة فتجب الدية .
وعلى هذا يخرج الحربي إذا أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا فقتله مسلم أنه لا قصاص عليه عندنا لأنه وإن كان مسلما فهو من أهل دار الحرب قال الله تبارك وتعالى : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن } فكونه من أهل دار الحرب أورث شبهة في عصمته ولأنه إذا لم يهاجر إلينا فهو مكثر سواد الكفرة ومن كثر سواد قوم فهو منهم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو وإن لم يكن منهم دينا فهو منهم دارا فيورث الشبهة .
ولو كانا مسلمين تاجرين أو أسيرين في دار الحرب فقتل أحدهما صاحبه فلا قصاص أيضا وتجب الدية والكفارة في التاجرين وفي الأسيرين خلاف ذكرناه في كتاب السير .
ولا يشترط أن يكون المقتول مثل القاتل في كمال الذات وهو سلامة الأعضاء ولا أن يكون مثله في الشرف والفضيلة فيقتل سليم الأطراف بمقطوع الأطراف والأشل ويقتل العالم بالجاهل والشريف بالوضيع والعاقل بالمجنون والبالغ بالصبي والذكر بالأنثى والحر بالعبد والمسلم بالذمي الذي يؤدي الجزية وتجري عليه أحكام الإسلام .
وقال الشافعي C : كون المقتول مثل القاتل في شرف الإسلام والحرية شرط وجوب القصاص ونقصان الكفر والرق يمنع من الوجوب فلا يقتل المسلم بالذمي ولا الحر بالعبد ولا خلاف في أن الذمي إذا قتل ذميا ثم أسلم القاتل أنه يقتل به قصاصا وكذا العبد إذا قتل عبدا ثم عتق القاتل .
احتج في عدم قتل المسلم بالذمي بما روي عنه E أنه قال : [ لا يقتل مؤمن بكافر ] وهذا نص في الباب ولأن في عصمته شبهة العدم لثبوتها مع القيام المنافي وهو الكفر لأنه مبيح في الأصل لكونه جناية متناهية فيوجب عقوبة متناهية وهو القتل لكونه من أعظم العقوبات الدنيوية إلا أنه منع من قتله .
لغيره وهو نقض العهد الثابت بالذمة فقيامه يورث شبهة ولهذا لا يقتل المسلم بالمستأمن فكذا الذمي ولأن المساواة شرط وجوب القصاص ولا مساواة بين المسلم والكافر .
ألا ترى أن المسلم مشهود له بالسعادة والكافر مشهود له بالشقاء فأنى يتساويان .
ولنا : عمومات القصاص من نحو قوله تبارك وتعالى : { عليكم القصاص في القتلى } .
وقوله سبحانه وتعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } .
وقوله جلت عظمته : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } من غير فصل بين قتيل وقتيل .
ونفس ونفس ومظلوم ومظلوم فمن ادعى التخصيص والتقييد فعليه الدليل .
وقوله سبحانه وتعالى عز من قائل : { ولكم في القصاص حياة } وتحقيق معنى الحياة في قتل المسلم بالذمي أبلغ منه في قتل المسلم بالمسلم لأن العداوة الدينية تحمله على القتل خصوصا عند الغضب ويجب عليه قتله لغرمائه فكانت الحاجة إلى الزاجر أمس فكان في شرع القصاص فيه في تحقيق معنى الحياة أبلغ وروى محمد بن الحسن رحمهما الله بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أنه أقاد مؤمنا بكافر ] وقال E : [ أنا أحق من وفى ذمته ] وأما الحديث فالمراد من الكافر المستأمن لأنه قال E : [ لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده ] عطف قوله ولا ذو عهد في عهده على المسلم فكان معناه لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد به ونحن به نقول أو نحمله على هذا توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض .
وأما قوله في عصمته شبهة العدم ممنوع بل دمه حرام لا يحتمل الإباحة بحال مع قيام الذمة بمنزلة دم المسلم مع قيام الإسلام .
وقوله الكفر مبيح على الإطلاق ممنوع بل المبيح هو الكفر الباعث على الحراب وكفره ليس بباعث على الحراب فلا يكون مبيحا .
وقوله لا مساواة بين المسلم والكافر قلنا المساواة في الدين ليس بشرط ألا ترى أن الذمي إذا قتل ذميا ثم أسلم القاتل يقتل به قصاصا ولا مساواة بينهما في الدين لكن القصاص محنة اصتحنوا الخلق بذلك فكل من كان أقبل بحق الله تعالى وأشكر لنعمه كان أولى بهذه المحنة لأن العذر له في ارتكاب المحذور أقل وهو بالوفاء بعهد الله تعالى أولى ونعم الله تعالى في حقه أكمل فكانت جنايته أعظم .
واحتج في قتل الحر بالعبد بقول الله تبارك وتعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد } وفسر القصاص المكتوب في صدر الآية بقتل الحر بالحر والعبد بالعبد فيجب أن لا يكون قتل الحر بالعبد قصاصا ولأنه لا مساواة بين النفسين في العصمة لوجهين : .
أحدهما : أن الحر آدمي من كل وجه والعبد آدمي من وجه مال من وجه وعصمة الحر تكون له وعصمة المال تكون للمالك .
والثاني : أن في عصمة العبد شبهة العدم لأن الرق أثر الكفر والكفر مبيح في الأصل فكان في عصمته شبهة العدم وعصمة الحر تثبت مطلقة فأنى يستويان في العصمة وكذا لا مساواة بينهما في الفضيلة والكمال لأن الرق يشعر بالذل والنقصان والحرية تنبىء عن العزة والشرف .
ولنا : عمومات القصاص من غير فصل بين الحر والعبد ولأن ما شرع له القصاص وهو الحياة لا يحصل إلا بإيجاب القصاص على الحر بقتل العبد لأن حصوله يقف على حصول الامتناع عن القتل خوفا على نفسه فلو لم يجب القصاص بين الحر والعبد لا يخشى الحر تلف نفسه بقتل العبد فلا يمتنع عن قتله بل يقدمه عليه عند أسباب حامله على القتل من الغيظ المفرط ونحو ذلك فلا يحصل معنى الحياة ولا حجة له في الآية لأن فيها أن قتل الحر بالحر والعبد بالعبد قصاص وهذا لا ينافي أن يكون قتل الحر بالعبد قصاصا لأن التنصيص لا يدل على التخصيص .
ونظيره قوله E : [ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ] ثم البكر إزا زنى بالثيب وجب الحكم الثابت بالحديث فدل أنه ليس في ذكر شكل بشكل تخصيص الحكم به يدل عليه أن العبد يقتل بالحر والأنثى بالذكر ولو كان التنصيص على الحكم في نوع موجبا تخصيص الحكم به لما قتل ثم قوله تعالى : { والأنثى بالأنثى } حجة عليكم لأنه قاتل الأنثى بالأنثى مطلقا فيقتضي أن تقتل الحرة بالأمة وعندكم لا تقتل فكان حجة عليكم .
وقوله : العبد آدمي من وجه مال من وجه قلنا لا بل آدمي من كل وجه لأن الأدمي اسم لشخص على هيئة مخصوصة منسوب إلى سيدنا آدم E والعبد بهذه الصفة فكانت عصمته مثل عصمة الحر بل فوقها على أن نفس العبد في الجناية له لا لمولاه بدليل أن العبد لو أقر على نفسه بالقصاص والحد يؤخذ به ولو أقر عليه مولاه بذلك لا يؤخذ به فكان نفس العبد في الجناية له لا للمولى كنفس الحر للحر .
وأما قوله الحر أفضل من العبد فنعم لكن التفاوت في الشرف والفضيلة لا يمنع وجوب القصاص ألا ترى أن العبد لو قتل عبدا ثم أعتق القاتل يقتل به قصاصا وإن استفاد فضل الحرية وكذا الذكر يقتل بالأنثى وإن كان الذكر أفضل من الأنثى وكذا لا تشترط المماثلة في العدد في القصاص في النفس وإنما تشترط في الفعل بمقابلة الفعل زجرا وفي الفائت بالفعل جبرا حتى لو قتل جماعة واحدا يقتلون به قصاصا وإن لم يكن بين الواحد والعشرة مماثلة لوجود المماثلة في الفعل والفائت به زجرا وجبرا على ما نذكره إن شاء الله تعالى .
وأحق ما يجعل فيه القصاص إذا قتل الجماعة الواحد لأن القتل لا يوجد عادة إلا على سبيل التعاون والاجتماع فلو لم يجعل فيه القصاص لانسد باب القصاص إذ كل من رام قتل غيره استعان بغير يضمه إلى نفسه ليبطل القصاص عن نفسه وفيه تفويت ما شرع له القصاص وهو الحياة .
هذا إذا كان القتل على الاجتماع فأما إذا كان على التعاقب بأن شق رجل بطنه ثم حز آخر رقبته فالقصاص على الحاز إن كان عمدا وإن كان خطأ فالدية على عاقلته لأنه هو القاتل لا الشاق ألا ترى أنه قد يعيش بعد شق البطن بأن يخاط بطنه ولا يحتمل أن يعيش بعد حز رقبته عادة وعلى الشاق أرش الشق وهو ثلث الدية لأنه جائفة .
وإن كان الشق نفذ من الجانب الآخر فعليه ثلثا الدية في سنتين في كل سنة ثلث الدية لأنهما جائفتان هذا إذا كان الشق مما يحتمل أن يعيش بعده يوما أو بعض يوم فأما إذا كان لا يتوهم ذلك ولم يبق معه إلا غمرات الموت والاضطراب فالقصاص على الشاق لأنه القاتل ولا ضمان على الحاز لأنه قتل المقتول من .
حيث المعنى لكنه يعزر لارتكابه جناية ليس لها حد مقدر وكذلك لو جرحه رجل جراحة مثخنة لا يعيش معها عادة ثم جرحه آخر جراحة أخرى فالقصاص على الأول لأنه القاتل لإتيانه بفعل مؤثر في فوات الحياة عادة فإن كانت الجراحتان معا فالقصاص عليهما لأنهما قاتلان .
ولو جرحه أحدهما جراحة واحدة والآخر عشر جراحات فالقصاص عليهما ولا عبرة بكثرة الجراحات لأن الإنسان قد يموت بجراحة واحدة ولا يموت بجراحات كثيرة والله سبحانه وتعالى أعلم وكذلك الواحد يقتل بالجماعة قصاصا اكتفاء ولا يجب مع القود شيء من المال عندنا .
وقال الشافعي C : إن قتلهم على التعاقب يقتل بالأول قصاصا وتؤخذ ديات الباقين من تركته وإن قتلهم معا فله فيه قولان في قول يقرع بينهم فمن خرجت قرعته يقتل وتجب الدية للباقين وفي قول يجتمع أولياء القتلى فيقتلونه وتقسم ديات الباقين بينهم وجه قوله أن المماثلة مشروطة في باب القصاص ولا مماثلة بين الواحد والجماعة فلا يجوز أن يقتل الواحد بالجماعة على طريق الاكتفاء به فيقتل الواحد بالواحد وتجب الديات للباقين كما لو قطع واحد يميني رجلين أنه لا يقطع بهما اكتفاء بل يقطع بإحداهما وعليه أرش الأخرى لما قلنا كذا هذا وكان ينبغي أن لا يقتل الجماعة بالواحد قصاصا إلا أنا عرفنا ذلك بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم غير معقول أو معقولا بحكمة الزجر والردع لما يغلب وجود القتل بصفة الاجتماع فتقع الحاجة إلى الزجر فيجعل كل واحد منهم قاتلا على الكمال كأن ليس معه غيره تحقيقا للزجر وقتل الواحد بالجماعة لا يغلب وجوده بل يندر فلم يكن في معنى ما ورد الشرع به فلا يلحق به وإنا نقول حق الأولياء في القتل مقدور الاستيفاء لهم فلو أوجبنا معه المال لكان زيادة على القتل وهذا لا يجوز .
والدليل على أن القتل مقدور الاستيفاء لهم أن التماثل في باب القصاص إما أن يراعى في الفعل زجرا وإما أن يراعى في الفائت بالفعل جبرا وإما أن يراعي فيهما جميعا وكل ذلك موجود ههنا أما في الفعل زجرا فلأن الموجود من الواحد في حق كل واحد من الجماعة فعل مؤثر في فوات الحياة عادة والمستحق لكل واحد من أولياء القتلى قبل القاتل قتله فكان الجزاء مثل الجناية وأما في الفائنا جبرا فلأنه بقتله الجماعة ظلما انعقد سبب هلاك ورثة القتلى لأنهم يقصدون قتله طلبا للثأر وتشفيا للصدر فيقصد هو قتلهم دفعا للهلاك عن نفسه فتقع المحاربة بين القبيلتين ومتى قتل منهم قصاصا سكنت الفتنة واندفع سبب الهلاك عن ورثتهم فتحصل الحياة لكل قتيل معنى ببقاء حياة ورثته بسبب القصاص فيصير كأن القاتل دخر حياة كل قتيل تقديرا بدفع سبب الهلاك عن ورثته فيتحقق الجبر بالقدر الممكن كما في قتل الواحد بالواحد والجماعة بالواحد من غير تفاوت .
وأما الذي يرجع إلى نفس القتل فنوع واحد وهو أن يكون القتل مباشرة فإن كان تسبيبا لا يجب القصاص لأن القتل تسبيبا لا يساوي القتل مباشرة والجزاء قتل بطريق المباشرة وعلى هذا يخرج من حفر بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها إنسان ومات أنه لا قصاص على الحافر لأن الحفر قتل سببا لا مباشرة وعلى .
هذا يخرج شهود القصاص إذا رجعوا بعد قتل المشهود عليه أو جاء المشهود بقتله حيا أنه لا قصاص عليهم عندنا خلافا للشافعي C .
وجه قوله : أن شهادة الشهود وقعت قتلا لأن القتل اسم لفعل مؤثر في فوات الحياة عادة وقد وجد من الشهود لأن شهادتهم مؤثرة في ظهور القصاص والظهور مؤثر في وجوب القضاء على القاضي وقضاء القاضي مؤثر في ولاية الاستيفاء وولاية الاستيفاء مؤثرة في الاستيفاء طبعا وعادة فكانت فوات الحياة بهذه الوسائط مضافة إلى الشهادة السابقة فكانت شهادتهم قتلا تسبيبا والقتل تسبيبا مثل القتل مباشرة في حق وجوب القصاص كالإكراه على القتل أنه يوجب القصاص على المكره وإن لم يكن قتلا بطريق المباشرة لوقوعه قتلا بطريق التسبيب كذا هذا ولنا : ما ذكرنا أن القتل تسبيبا لا يساوي القتل مباشرة لأن القتل تسبيبا قتل معنى لا صورة والقتل مباشرة قتل صورة ومعنى والجزاء قتل مباشرة بخلاف الإكراه على القتل لأنه قتل مباشرة لأنه يجعل المكره آلة المكره كأنه أخذه وضربه على المكره على قتله والفعل لمستعمل الآلة لا للآلة فكان قتلا مباشرة ويضمنون الدية لوجود القتل منهم .
وهل يرجعون بها على الولي ؟ اختلف أصحابنا الثلاثة فيه قال أبو حنيفة عليه الرحمة لا يرجعون وعندهما يرجعون .
لهما : أن الشهود بأداء الضمان قاموا مقام المقتول في ملك بدله إن لم لقوموا مقامه قي ملك عينه فأشبه غاصب المدبر إذا غصب منه فمات في يد الغاصب الثاني أن للأول أن يرجع على الثاني بما ضمنه المالك لما ذكرنا كذا هذا .
و لأبي حنيفة C أن الدية بدل النفس ونفس الحر لا يحتمل التملك فلا لثبت الملك لهم في البدل بخلاف المدبر لأنه محتمل للتملك لكونه قاتلا إلا أنه امتنع ثبوث الملك فيه لمعارض وهو التدبير فيثبت في بدله والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .
وأما الذي يرجع إلى ولي القتيل فواحد أيضا وهو أن يكون الولي معلوما فإن كان مجهولا لا يجب القصاص لأن وجوب القصاص وجوب للاستيفاء والاستيفاء من المجهول متعذر فتعذر الإيجاب له وعلى هذا يخرج ما إذا قتل المكاتب وترك وفاء وورثة أحرارا غير المولى أنه لا قصاص على القاتل بالإجماع لأن المولى مشتبه يحتمل أن يكون هو الوارث ويحتمل أن يكون هو المولى لاختلاف الصحابة الكرام Bهم في موته حرا أو عبدا فإن مات حرا كان وليه الوارث وإن مات عبدا كان وليه المولى وموضع الاختلاف موضع التعارض والاشتباه فلم يكن الولي معلوما فامتنع الوجوب وإن اجتمعا ليس لهما أن يستوفيا لأن الاشتباه لا يزول بالاجتماع .
هذا إذا ترك وفاء وورثة غير المولى فأما إذا ترك وفاء ولم يترك ورثة غير المولى فقد اختلف أصحابنا فيه عندهما يجب القصاص للمولى وعند محمد لا يجب القصاص أصلا وهو رواية عن أبي يوسف أيضا .
وجه قول محمد : أنه وقع الاشتباه في سبب ثبوت الولاية لأنه إن مات حرا كان سبب ثبوت الولاية القرابة فلا تثبت الولاية للمولى وإن مات عبدا كان السبب هو الملك فتثبت الولاية للمولى فوقع الاشتباه في ثبوت الولاية فلا تثبت ولهما أن من له الحق متعين غير مشتبه لأن الاشتباه موجب المزاحمة ولم يوجد ولو قتل ولم يترك وفاء وجب القصاص بالإجماع لأن الولي معلوم وهو المولى لأنه يموت رقيقا بلا خلاف فكان القصاص للمولى كالعبد القن إذا قتل وكذلك المدبر والمدبرة وأم الولد وولدها بمنزلة العبد القن لأنهم قتلوا على ملك المولى فكان الولي معلوما ولو قتل عبد المكاتب فلا قصاص لأن المكاتب له نوع ملك وللمولى أيضا فيه نوع ملك فاشتبه الولي فامتنع الوجوب وعلى هذا يخرج ما إذا قطع رجل يد عبد فأعتقه مولاه ثم مات من ذلك أنه إن كان للعبد وارث حر غير المولى فلا قصاص لاشتباه ولي القصاص لأن القصاص يجب عند الموت مستندا إلى القطع السابق والحق عند القطع للمولى لا للورثة وعند ثبوت الحكم وهو الوجوب وذلك عند الموت الحق للوارث لا للمولى فاشتبه المولى فلم يجب القصاص .
ولو اجتمع المولى مع الوارث فلا قصاص لأن الاشتباه لا يزول باجتماعهما فرق بين هذا وبين العبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته لآخر قتل واجتمعا أنه يجب القصاص لأن هناك لم يشتبه الولي لأن لصاحب الرقبة ملكا ولصاحب الخدمة حقا يشبه الملك فلم يشتبه الولي وههنا أشتبه الولي لأن وقت القطع لم يكن للوارث فيه حق ووقت الموت لم يكن للمولى فيه حق فصار الولي مشتبها فامتنع الوجوب وإن لم يكن وارث سوى المولى فهو على الاختلاف الذي ذكرنا أن على قولهما للمولى أن يستوفي القصاص لأن الحق له وقت القطع ووقت الموت وعلى قول محمد ليس له حق الاقتصاص لاشتباه سبب الولاية لأن الثابت للمولى وقت القطع كان ولاية الملك وبعد المولت له ولاية العتاقة فاشتبه سبب الولاية .
هذا إذا كان القطع عمدا فأما إذا كان خطأ فأعتقه ثم مات من ذلك فلا شيء على القاطع غير أرش اليد وهو نصف قيمة العبد وإعتاقه إياه بمنزلة برئه في اليد لتبدل المحل حكما بالإعتاق فتنقطع آية السراية هذا إذا أعتقه المولى بعد القطع عمدا أو خطأ فمات من ذلك فأما إذا لم يعتقه ولكنه دبره أو كانت أمة فاستولدها ثم مات من ذلك فإن كان القطع عمدا فللمولى القصاص لأن الحق له وقت القطع والموت جميعا فلم يشتبه الولي وإن كان خطأ لا تنقطع السراية فيجب نصف القيمة دية اليد ويجب ما نقص بعد الجناية قبل الموت لحصول ذلك في ملك المولى ولو كاتبه والمسألة بحالها فإن كان القطع عمدا ينظر إن مات عاجزا فللمولى القصاص لأنه مات عبدا وإن مات عن وفاء فإن كان له وارث يحجب المولى أو يشاركه لا يجب القصاص لاشتباه الولي وعليه أرش اليد لا غير ولو لم يكن له وارث غير المولى فللمولى أن يقتص عندهما وعند محمد ليس له أن يقتص وعليه أرش اليد وإن كان القطع خطأ لا شيء على القاطع إلا أرش اليد وهو نصف القيمة للمولى وتنقطع السراية .
هذا إذا كان القطع قبل الكتابة فإن كان بعدها فمات فإن كان القطع عمدا ينظر إن مات عاجزا فللمولى أن يقتص لأنه مات عبدا وإن مات عن وفاء فإن كان مع المولى وارث آخر أو غيره يشاركه في الميراث فلا قصاص لاشتباه الولي وإن لم يكن له وارث غير المولى فعلى الاختلاف الذي ذكرنا وإن كان القطع خطأ فان مات عاجزا فالقيمة للمولى لأنه مات عبدا وإن مات عن وفاء فالقيمة للورثة لأنه مات حرا والله سبحانه وتعالى أعلم