شرائط الوجوب .
وأما شرائط الوجوب : .
فمنها : أن تكون الجناية خطأ فيما في عمده القصاص وأما ما لا قصاص في عمده فيستوي فيه العمد والخطأ وقد بينا ما في عمده القصاص وما لا قصاص فيه فيما تقدم ومنها أن يكون المجني عليه ذكرا فإن كان أنثى فعليه دية أنثى وهو نصف دية الذكر سواء كان الجاني ذكرا أو أنثى لإجماع الصحابة Bهم على ذلك وهو تنصيف دية الأنثى من دية الذكر على ما ذكرنا في دية النفس .
ومنها : أن يكون الجاني والمجني عليه حرين فإن كان الجاني حرا والمجني عليه عبدا فلا دية فيه وفيه القيمة في قول أبي حنيفة Bه ثم إن كان قليل القيمة وجبت جميع القيمة وإن كان كثير القيمة بأن بلغت الدية ينقص من قيمته عشرة كذا روى أبو يوسف C تعالى عن أبي حنيفة Bه أنه قال : كل شيء من الحر فيه الدية فهو من العبد فيه القيمة وكل شيء من الحر فيه نصف الدية فهو من العبد فيه نصف القيمة وكذلك الجراحات وعموم هذه الرواية يقتضي أن كل شيء من الحر فيه قدر من الدية فمن العبد فيه ذلك القدر من قيمته من غير فصل بين ما يقصد به المنفعة كالعين واليد والرجل وبين ما يقصد به الجمال والزينة مثل الحاجب والشعر والأذن وهكذا روى الحسن C عنه أنه إن حلق أحد حاجبيه فلم ينبت أو نتف أشفار عينيه الأسفل أو الأعلى - يعني أهدا به - فلم تنبث أو قطع إحدى شفتيه العليا أو السفلى أن عليه في كل واحد من ذلك نصف القيمة .
وقال أبو يوسف : رجع أبو حنيفة في حاجب العبد وفي أذنيه وقال فيه حكومة العدل وكذا قال محمد : استقبح أبو حنيفة C أن يضمن في أذن العبد نصف القيمة وهذا دليل الرجوع أيضا .
والحاصل : أن الواجب فيما يقصد به المنفعة هو القيمة رواية واحدة عنه وفيما يقصد به الزينة والجمال : عنه : روايتان وقال محمد : الواجب في ذلك كله النقصان يقوم العبد مجنيا عليه ويقوم وليس به الجناية فيغرم الجاني ما بين القيمتين وهو قول أبي يوسف الآخر وقوله الأول مع أبي حنيفة .
وجه قول محمد : أن ما دون النفس من العبد له حكم المال لأنه خلق لمصلحة النفس كالمال وبدليل أنه لا يجب فيه القصاص ولا تتحمله العاقلة فكان ضمانه ضمان الأموال وضمان الأموال غير مقدر بل يجب بقدر نقصان المال كما في سائر الأموال .
وجه رواية الجمع لأبي حنيفة Bه : أن القيمة في العبد كالدية في الحر فلما جاز تقدير ضمان جناية الحر بديته جاز تقدير ضمان جناية العبد بقيمته ولأن التقدير قد دخل على الجناية عليه في النفس حتى لا يبلغ الدية إذا كان كثير القيمة فجاز أن يدخل في ضمان الجناية فيما دون النفس كالحر .
ووجه رواية الفرق له : أن الجمال ليس بمقصود في العبيد بل المقصود منهم الخدمة فأما المنفعة فمقصودة من الأحرار والعبيد جميعا ولأن ما دون النفس من العبيد له شبه النفس وشبه المال .
أما شبه النفس فظاهر لأنه من أجزاء النفس حقيقة .
وأما شبه المال فإنه لا يجب فيه القصاص ولا تتحمله العاقلة فيجب العمل بالشبهين فيعمل بشبه النفس فيما يقصد به المنفعة بتقدير ضمانه بالقيمة كما لو جنى على النفس ويعمل بشبه المال فيما يقصد به الجمال فلم يقدر ضمانه بالقيمة كما إذا أتلف المال عملا بالشبهين بقدر الإمكان وقد خرج الجواب عما ذكر محمد من عدم وجوب القصاص وتحمل العاقلة لأن ذلك عمل بشبه المال وإنه لا ينفي العمل بشبهة النفس فيجب العمل بهما جميعا وذلك فيما قلنا .
ثم الحر إذا فقأ عيني عبد إنسان أو قطع يديه أو رجليه حتى وجب عليه كمال القيمة فمولاه بالخيار إن شاء سلمه إلى الفاقئ وأخذ قيمته وإن شاء أمسكه ولا شيء له .
وقال أبو يوسف و محمد رحمهما الله : له أن يمسكه ويأخذ ما نقصه .
وقال الشافعي C : له أن يمسكه ويأخذ جميع القيمة .
وجه قوله : أن الواجب فيه وهو القيمة ضمان العضوبن الفائتين لا غير فيبقى الباقى على ملكه كما لو فقأ إحدى عينيه أو قطع إحدى يديه أنه يضمن نصف قيمته ويبقى الباقي على ملك مالكه كذا هذا .
وجه قولهما : أن الضمان بمقابلة العينين كما قال الشافعي عليه الرحمة لكن الرقبة هلكت من وجه لفوات منفعة الجنس فيخير المولى إن شاء مال إلى جهة الهلاك وضمنه القيمة وسلم العبد إلى الفاقئ لوصول عوض الرقبة إليه وإن شاء مال إلى جهة القيام وأمسكه وضمن النقصان وهو بدل العينين كما يخير صاحب المال عند النقصان الفاحش في المواضع كلها .
و لأبي حنيفة Bه أنه لما وصل إلى المولى بدل النفس فلو بقى العبد على ملكه لاجتمع البدل والمبدل في ملك رجل واحد فيما يصح تمليكه بعقود المعاوضات وهذا لا يجوز كما لا يجوز اجتماع المبيع والثمن في ملك رجل واحد ولا يلزم ما إذا غصب مدبرا فأبق من يده أن المولى يضمنه قيمته والمدبر على ملكه لأنه لا يحتمل التمليك بعقد المعاوضة ولا تلزم الهبة بشرط العوض إذا سلم الهبة ولم يقبض العوض أنه اجتمع على ملك الموهوب له العوض والمعوض لأن العوض قبل القبض لا يكون عوضا فلم يجتمع العوض والمعوض ولا يلزم البيع الفاسد إذا قبض المشتري المبيع ولم يسلم الثمن لأن الثمن ليس ببدل في البيع الفاسد إنما البدل القيمة وقد ملكها البائع حين ملك المشتري المبيع فلم يجتمع البدل والمبدل في ملكه ولا يلزم ما إذا اشترى عبدا بجارية على أنه بالخيار فقبض العبد فأعتقهما جميعا أنه ينفذ إعتاقه فيهما جميعا وقد اجتمع العوض والمعوض على ملكه لأنه لما عتقهما فسد البيع في الجارية وصار العوض عن العبد القيمة وملكها البائع في مقابلة ملك العبد فلم يجتمع العوض والمعوض ولا يلزم ما إذا استأجر شيئا وعجل الأجرة أن المؤاجر يملكها والمنافع على ملكه - فقد اجتمع البدل والمبدل في ملك واحد لأن المنافع لا تملك عندنا إلا بعد وجودها وكلما وجد جزء منها حدث على ملك المستأجر فلم يجتمع العوض والمعوض على ملك المؤاجر ولا يلزم ما إذا غصب عبدا فجنى عنده جناية ثم رده على مولاه فجنى عنده جناية أخرى ودفعه بالجنايتين أنه يرجع على الغاصب بنصف القيمة فيدفعها إلى ولي الجناية الأولى ومعلوم أن نصف القيمة عوض عن نصف الرقبة الذي سلم له فقد اجتمع في ملكه وهو نصف العبد العوض والمعوض لأن الممتنع اجتماع العوض والمعوض في ملك رجل بعقد المعاوضة ولم يوجد هناك لأن ولي الجناية إنما يأخذ عوضا عن جنايته لا عن المال واجتماع العوض والمعوض في ملك رجل واحد بغير عقد المعاوضة جائز كمن استوهب المبيع من البائع والثمن من المشتري أو ورثهما والله سبحانه وتعالى أعلم .
وإن كان الجاني عبدا والمجني عليه حرا أو كانا جميعا عبدين فحكم هذه الجناية وجوب الدفع إلا أن يختار المولى الفداء على ما ذكرنا في جنايات العبيد والله سبحانه وتعالى أعلم