فصل : ما يلحق بمسائل التداخل .
ومما يلحق بمسائل التداخل ما إذا قطعت اليد وفيها أصبع واحدة أو أصبعان أو ثلاث أو أكثر من ذلك أو أقل وجملة الكلام فيه أنه : إذا قطع الكف وفيها ثلاث أصابع فصاعدا تجب دية الأصابع ولا شيء في الكف في قولهم جميعا لأن الكف تبع لجميع الأصابع بدليل أنه إذا قطع الكف يجب عليه أرش الأصابع لا غير ولا يجب لأجل الكف شيء فإذا بقي أكثر الأصابع فللأكثر حكم الكل وإن بقي من الكف أقل من ثلاث أصابع يجب أرش ما بقي منها وإن كان مفصلا واحدا ولا يجب في الكف شيء في قول أبي حنيفة .
والأصل عند أبي حنيفة C : أنه إذا بقي من الأصابع شيء له أرش معلوم ولو مفصلا واحدا .
دخل أرش اليد فيه حتى لو لم يكن في الكف إلا ثلث مفصل من أصبع فيها ثلاث مفاصل فقطع إنسان الكف فعليه ثلث خمس دية اليد .
ولو كان فيها أصبع واحدة فعليه خمسا دية اليد وفي قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى في الرواية المشهورة عنهما يدخل القليل في الكثير أيهما كان فينظر إلى حكومة الكف وإلى أرش ما بقي من الأصابع فيدخل أقلهما في أكثرهما أيهما كان لأن القليل يتبع الكثير لا عكسا فيدخل القليل في الكثير ولا يدخل الكثير في القليل .
وجه قول أبي حنيفة C : أن ما بقي من الأصابع أو من مفاصلها فهو أصل لأن له أرشا مقدرا والكف ليس لها أرش مقدر وهي متصلة بالأصابع فيتبعها في أرشها كما يتبع جميع الأصابع أو أكثرها .
ونظير هذا ما قالوا في القسامة : إنه ما بقي واحد من أهل المحلة فالقسامة عليهم لا على المشترين .
وكذلك الوصية لولد فلان أنه ما بقي له ولد من صلبه وإن كان واحدا لا يدخل ولد الولد في الوصية .
وقال أبو يوسف : إذا قطع كفا لا أصابع فيها فعليه حكومة لا يبلغ بها أرش أصبع لأن الواحد يتبعها الفكف في قول أبي حنيفة C والتبع لا يساوي المتبوع في الأرش ولو قطع اليد مع الذراع من المفصل خطأ ففي الكف مع الأصابع الدية وفي الذراع حكومة العدل في قولهما وقال أبو يوسف : تجب دية اليد والذراع تبع وهو قول ابن أبي ليلى C واحتجا بقوله E : [ وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية ] وأليد عبارة عن العضو المخصوص من رؤوس الأصابع إلى المنكب ولأن ما ليس له أرش مقدر إذا اتصل بها له أرش مقدر يتبعه في أرش كالكف مع الأصابع .
وجه قولهما : أن الدية إنما تجب في الأصابع والكف تابعة للأصابع بدليل أنه إذا أفرد الأصابع بالقطع يجب نصف الدية ولو قطعها مع الكف لا يجب إلا نصف الدية أيضا فلو جعل الذراع تبعا لكان لا يخلو إما أن يجعل تبعا للأصابع وإما أن يجعل تبعا للكف لا سبيل إلى الأول لأن بينهما عضو فاصل وهو الكف فلا يكون تبعا لها ولا وجه للثاني لأن الكف تابعة في نفسها فلا تستتبع غيرها .
وعلى هذا الخلاف إذا قطع اليد من المنكب والرجل من الورك أو قطع اليد من العضد والرجل من الفخذ والأصل عند أبي حنيفة و محمد عليهما الرحمة : أن أصابع اليد لا يتبعها إلا الكف فلا يدخل في أرشها غير أرش الكف وكذلك أصابع الرجل لا يتبعها غير القدم فلا يدخل في أرشها غير أرش القدم والأصل عند أبي يوسف و ابن أبي ليلى : أن ما فوق الكف من اليد تبع وكذا ما فوق القدم من الرجل تبع فيدخل أرش التبع في المتبوع كما يدخل أرش الكف في الأصابع .
وأما الجراح ففي الجائفة ثلث الدية لما روي عنه E أنه قال : [ في الجائفة ثلث الدية ] فإن نفذت إلى الجانب الآخر فهما جائفتان وفيهما ثلثا الدية .
وقد روي عن سيدنا أبي بكر الصديق : أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام ولم ينقل أنه خالفه في ذلك أحد منهم فيكون إجماعا .
وعلى هذا يخرج ما إذا رمى امرأة بحجر فأصاب فرجها فأفضاها به بأن جعل موضع البول والغائط واحدا وهي تستمسك البول أن عليه ثلث الدية لأن هذا في معنى الجائفة .
وجملة الكلام : أن المفضاة لا يخلو إما إن كانت أجنبية وإما إن كانت زوجته والإفضاء لا يخلو إما أن يكون بالآلة و إما أن يكون بالحجر أو بالخشب أو الأصبع وما يجري مجراه فإن كانت أجنبية والإفضاء بالآلة فإن كانت مطاوعة ولم يوجد دعوى الشبهة لا من الرجل ولا من المرأة فعليهما الحد لوجود الزنا منهما ولا مهر على الرجل لأن العقر مع الحد لا يجتمعان ولا أرش لها بالإفضاء سواء كانت تستمسك البول أو لا تستمسك لأن التلف تولد من فعل مأذون فيه من قبلها فلا يجب به الضمان كما لو أذنت بقطع يدها فقطعت لا ضمان على القاطع كذا هذا .
وإن كان الرجل يدعي الشبهة سقط عنه الحد وعنها أيضا وعلى الزوج العقر لأن الوطء لا يخلو من إيجاب حد أو غرامة ولا أرش لها بالإفضاء لما ذكرنا وإن كانت مستكرهة فإن لم يدع الرجل الشبهة فعليه الحد لوجود الزنا منه ولا حد عليها لعدم الزنا منها ولا عقر على الرجل لوجوب الحد عليه والحد مع العقر لا يجتمعان وعلى الرجل الأرش بالإفضاء لعدم الرضا منها بذلك ثم إن كانت تستمسك البول ففيه ثلث الدية لأنه جائفة وإن كانت لا تستمسك البول ففيه كمال الدية لوجود إتلاف العضو بتفويت منفعة الحبس وإن كان الرجل يدعي الشبهة سقط الحد عنه للشبهة وعنها أيضا لوجود الإكراه ولها الأرش بالإفضاء لما ذكرنا ثم إن كانت تستمسك البول فلها ثلث الدية لأنها جائفة وكمال المهر وإن كانت لا تستمسك فلها الدية ولا مهر لها في قولهما وعند محمد C : المهر والدية وجه قوله : أن سبب وجوب المهر والدية مختلف لأن المهر يجب بإتلاف المنفعة والدية تجب بإتلاف العضو فلا يدخل أحدهما في الآخر ولهذا لم يدخل المهر في ثلث الدية فيما إذا كانت تستمسك البول حتى وجب عليه كمال المهر مع ثلث الدية كذا هذا .
ولهما : أن سبب الوجوب متحد لأن الدية تجب بإتلاف هذا العضو والمقر يجب بإتلاف منافع البضع ومنافع البضع ملحقة بأجزاء البضع فكان سبب وجوبهما واحدا فكان المهر عوضا عن جزء من البضع وضمان الجزء والكل إذا وجد السبب واحد يدخل ضمان الجزء في ضمان الكل كالأب إذا استولد جارية ابنه أنه لا يلزمه العقر ويدخل في قيمة الجارية لما قلنا كذا هذا .
وأما وجوب كمال المهر مع ثلث الدية حالة الاستمساك فعلى رواية الحسن عن أبي حنيفة Bهما لا يجمع بينهما بل الأقل يدخل في الأكثر كما يدخل أرش الموضحة في دية الشعر فكانت المسألة ممنوعة ولنن سلمنا على ظاهر الرواية فلا يلزم لأن المنافي لضمان الجزء هو ضمان كل العين وثلث الدية ضمان الجزء وضمان الجزء لا يمنع ضمان جزء واحد .
هذا إذا كان الإفضاء بالآلة فأما إذا كان بغيرها من الحجر ونحوه فالجواب في هذا الفصل في جميع وجوهه كالجواب في الفصل الأول في الوفاق والخلاف والجمع بين الضمانين وعدم الجمع إلا أن الأرش في هذا الفصل يجب في ماله وفي الفصل الأول تتحمله العاقلة لأن الإفضاء بالآلة يكون في معنى الخطأ وبغيرها يكون عمدا .
وقال بعض مشايخنا : لا وجه لإيجاب المهر في هذا الفصل لأن وجوبه متعلق بقضاء الشهوة ولم يوجد وقال بعضهم : يجب ويلحق غير الآلة بالآلة تعظيما لأمر الإبضاع كما ألحق الإيلاج بدون الإنزال بالإيلاج مع الإنزال في وجوب الحد وغيره من الأحكام مع قيام شبهة القصور في قضاء الشهوة تفخيما لشأن الفروج والله سبحانه وتعالى أعلم .
هذا إذا كانت المرأة أجنبية فأما إذا كانت زوجته فأفضاها فلا شيء عليه سواء كانت تستمسك البول أو لا تستمسك في قولهما وقال أبو يوسف : إن كانت لا تستمسك البول فعليه الدية في ماله وإن كانت تستمسك فعليه ثلث الدية في ماله .
وجه قوله : أنه مأذون في الوطء لا في الإفضاء فكان متعديا في الإفضاء فكان مضمونا عليه .
ولهما : أن الوطء مأذون فيه شرعا فالمتولد منه لا يكون مضمونا كالبكارة ولو وطئ زوجته فماتت فلا شيء عليه في قولهما وقال أبو يوسف : على عاقلته الدية .
وجه قوله على نحو ما ذكرنا في الإفضاء : أنه مأذون في الوطء لا في القتل وهذا قتل فكان مضمونا عليه إلا أن ضمان هذا على العاقلة وضمان الإفضاء في ماله لأن الإفضاء لا يكون إلا بالمجاوزة عن المعتاد فكان عمدا فكان الواجب به في ماله فأما القتل فغير مقصود بهذا الفعل في معنى الخطأ فتحمله العاقلة وأما وجه قولهما فعلى نحو ما ذكرنا في الإفضاء .
ولو وطئها فكسر فخذها ضمن في قولهم جميعا لأن الكسر لا يتولد من الوطء المأذون فيه بل هو فعل مبتدأ فكان فعلا تعديا محضا فكان مضمونا عليه والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما سائر جراح البدن إذا برئت وبقي لها أثر ففيها حكومة العدل وإن لم يبق لها أثر فلا شيء فيها في قول أبي حنيفة Bه على ما بينا في الشجة وإن مات فالجراحة لا تخلو إما إن كانت من واحد وإما إن كانت من عدد فإن كانت من واحد ففيها القصاص إن كانت عمدا والدية إن كانت خطأ وإن كانت من عدد فالجراحة المجتمعة من أعداد إما إن كانت كلها مضمونة وإما إن كان بعضها مضمونا والبعض غير مضمون فإن كان الكل مضمونا بأن جرحه رجل جراحة وجرحه آخر جراحة أخرى خطأ فمات من ذلك كله كانت الدية عليهما نصفين وسواء جرحه أحدهما جراحة واحدة والآخر جرحه جراحتين أو أكثر لا ينظر إلى .
عدد الجراحات وإنما ينظر إلى الجارح لأن الإنسان قد يموت من جراحة واحدة ويسلم من عشرة وقد يموت من عشرة ويسلم من واحدة حتى لو جرحه أحدهما جراحة واحدة والآخر عشر جراحات فمات من ذلك كانت الدية بينهما نصفين لما قلنا وكذلك إذا جرحه رجل جراحة واحدة وجرحه آخر جراحتين وآخر ثلاثا فمات من ذلك كله كانت الدية بينهم أثلاثا لما قلنا وعلى هذا يخرج ما إذا جرحه رجل جراحة واحدة وجرحه آخر عشر جراحات فعفا المجروح للجارح عن جراحة واحدة من العشر وما يحدث منها ثم مات من .
ذلك أن على صاحب الجراحة الواحدة نصف الدية وعلى صاحب العشرة الربع ويسقط الربع لأنه لما سقط اعتبار عدد الجراحات كانت الجراحة الواحدة كالعشر في الضمان ثم لما عفا عن واحدة من الجراحات العشر انقسمت العشر فيتغير حكمها فصار لتسعة منها : الربع وللواحدة الربع فسقط بالعفو عن الواحدة من العشرة الربع وبقي الربع تبعا للتسعة .
وإن كان البعض مضمونا والبعض غير مضمون ينقسم الضمان فيسقط بقدر ما ليس بمضمون ويبقى بقدر المضمون .
وعلى هذا يخرج ما إذا جرح رجلا جراحة وجرحه سبع فمات من ذلك أن على الرجل نصف الدية ونصفها هدر لأنه مات بجراحتين إحداهما مضمونة والأخرى ليست بمضمونة فانقسم الضمان فسقط بقدر غير المضمون وبقي بقدر المضمون وكذلك لو جرحه الرجل جراحتين والسبع جراحة واحدة أو جرحه السبع جراحتين والرجل جراحة واحدة فمات من ذلك أنه يجب على الرجل نصف الدية ويهدر النصف لأنه لا عبرة لكثرة الجراحة لما بينا وكذلك لو جرحه رجل جراحة وعقره سبع ونهشته حية وخرج به خراج وأصابه حجر رمت به الريح فمات من ذلك فعلى الرجل نصف الدية ويهدر النصف .
والأصل : أنه يجعل الجراحات التي ليس لها حكم يلزم أحدا كجراحة واحدة ويصير كأنه مات من جراحتين إحداهما مضمونة والأخرى غير مضمونة فيلزم الرجل نصف الدية ويبطل نصفها سواء كثر عدد الهدر أو قل هو كجراحة واحدة لأن الهدر له حكم واحد فصار كجراحات الرجل الواحد أنها في الحكم كجراحة واحدة كذا هذا .
وكذلك لو جرحه رجل جراحة وجرحه آخر جراحة أخرى ثم انضم إلى ذلك شيء مما ذكرنا أنه لا حكم له يلزم فاعله فإن على كل رجل ثلث الدية ويهدر الثلث لما ذكرنا أن الهدر من الجراحات وإن كثر فهو كجراحة واحدة وكل واحدة من جراحتي الرجلين مضمونة فقد مات من ثلاث جراحات جراحتان منها مضمونتان وجراحة هدر فتقسم الدية أثلاثا فيسقط قدر ما ليس بمضمون وهو الثلث ويبقى قدر المضمون وهو الثلثان فإن كان لبعض الجناة جنايات مختلفة الأحكام فإنه يقسم ما يخصه على جناياته بعدما قسم عدد الجناية على أحكام الجنايات وذلك نحو رجل أمر رجلا أن يقطع يده لعلة بها ثم إن المأمور جرح الآمر جراحة أخرى بغير أمره ثم جرحه رجلان آخران كل واحد منهما جراحة ثم عقره سبع ثم نهشته حية وخرج به خراج فمات من ذلك كله تقسم الدية أرباعا لأن الموت حصل من أربع جنايات لأن الهدر من الجنايات لها حكم جناية واحدة وجراحتا المأمور وإن اختلف حكمهما فإنهما حصلتا من رجل واحد فلا يثبت لهما في حق شركائه إلا حكم جناية واحدة فثبت أن الموت حصل من أربع جنايات فكانت قسمة الدية أرباعا هدر الربع منها وبقيت ثلاثة أرباع تقسم على الجنايات الثلاثة فيكون على كل واحد منهم الربع ثم ما أصاب المأمور بالقطع تقسم حصته وهي الربع على جراحتيه فإحداهما مضمونة وهي التي فعلها بغير أمر المجروح والأخرى غير مضمونة وهي التي فعلها بأمره وهي القطع فيسقط بقدر ما ليس بمضمون وهو نصف الربع وهو الثمن وبقي قدر ما هو مضمون وهو نصف الربع الآخر وهو الثمن الآخر والله سبحانه وتعالى أعلم .
ولو أن رجلا أمر عشرة أن يضربوا عبده أمر كل واحد منهم أن يضربه سوطا فضربه كل واحد منهم ما أمره ثم ضربه رجل آخر لم يأمره سوطا فمات من ذلك كله فعلى الذي لم يؤمر أرش السوط الذي ضريه من قيمته مضروبا عشرة أسواط وعليه أيضا جزءا من أحد عشر جزءا من قيمته مضروبا أحد عشر سوطا وإنما كان كذلك .
أما وجوب أرش السوط الذي ضربه فلأنه نقصه بالضرب فيلزمه ضمان النقصان وأما اعتبار قيمة العبد مضروبا عشرة أسواط فلأنه ضربه بعد ما انتقص من ضرب العشرة وذلك حصل من فعل غيره فلا يكون عليه وإنما عليه ضمان ما نقصه سوطه الحادي عشر من قيمته لذلك اعتبرت فيمته وهو مضروب عشرة فيقوم وهو غير مضروب ويقوم وهو مضروب عشرة أسواط فيلزم الذي لم يؤمر بالضرب ذلك القدر .
وأما وجوب جزء من أحد عشر جزءا من قيمته فلأنه مات من أحد عشر سوطا كل سوط حصل ممن يتعلق بفعله حكم في الجملة وهو الآدمي فانقسم الضمان على عددهم ثم ما أصاب العشرة سقط عنهم لحصوله بإذن المالك وما أصاب الحادي عشر ضمنه الذي لم يؤمر بالضرب لأنه ضرب بغير إذن المالك .
وأما اعتبار تضمينه مضروبا بأحد عشر سوطا فلأن البعض الحاصل بضرب العشرة حصل بفعل غيره فلا يكون عليه ضمانه .
وأما السوط الحادي عشر فلأنه قد ضمن نقصانه مرة فلا يضمنه ثانيا وإنما لم يدخل نقصان السوط فيما وجب عليه من القيمة لأن كل واحد منهما ضمان الجزء وضمان الجزء إذا تعلق بسبب واحد لا يدخل أحدهما في الآخر بخلاف ما إذا ضربه واحد ومات من ذلك أنه يضمن القيمة دون النقصان لأنه اجتمع هناك ضمان جزء وضمان كل فيدخل ضمان الجزء في ضمان الكل لاتحاد سبب الضمانين هذا إذا أمر المولى عشرة أن يضربه كل واحد منهم سوطا فإن كان المولى هو الذي ضربه عشرة أسواط بيده ثم ضربه أجنبي سوطا ثم مات من ذلك كله فعلى الأجنبي ما نقصه السوط الحادي عشر من قيمته مضروبا بعشرة أسواط وعليه أيضا نصف قيمته مضروبا أحد عشر سوطا .
أما وجوب ضمان نقصان السوط واعتبار قيمته مضروبا بعشرة أسواط فلما ذكرنا وأما وجوب نصف قيمته فلأنه مات من سوطين في الحاصل لأن ضرب الأسواط العشرة من المولى بمنزلة جناية واحدة لأنها حصلت من رجل واحد والجنايات من واحد وإن كثرت فهي في حكم جناية واحدة فصار كأنه مات من سوطين سوط المولى وسوط الأجنبي وسوط المولى ليس بمضمون وسوط الأجنبي مضمون فسقط نصف القيمة وثبت نصفها وأما اعتبار قيمته مضروبا أحد عشر سوطا وعدم دخول ضمان النقصان في ضمان القيمة فلما ذكرنا في المسألة المتقدمة .
رجل أمر غيره أن يجرحه جراحة واحدة فجرحه عشر جراحات وجرحه آخر جراحة أخرى واحدة بغير أمره ثم عفا المجروح لصاحب العشرة عن واحدة من التسع التي كانت بغير أمره ثم مات المجروح من ذلك كله فعلى صاحب الجراحة الواحدة نصف الدية وعلى صاحب العشرة ثمن الدية لأن نصف الدية على صاحب الجراحة الواحدة والنصف الآخر تعلق بصاحب العشرة واحدة منها بأمر المجروح فصار عليه الربع ثم انقسم ذلك بالعفو فسقط نصفه وهو الثمن وبقي عليه الثمن والله سبحانه وتعالى أعلم .
هذا إذا كان المجني عليه حرا ذكرا فأما إذا كان أنثى حرة فإنه يعتبر ما دون النفس منها بديتها كديتها قل أو كثر عند عامة العلماء وعامة الصحابة Bهم وعن ابن مسعود Bه أنه قال : تعاقل المرأة الرجل فيما كان أرشه نصف عشر الدية كالسن والموضحة أي ما كان أرشه هذا القدر فالرجل والمرأة فيه سواء لا فضل للرجل على المرأة .
وعن سعيد بن المسيب أنه قال : تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث ديتها أي أرش الرجل والمرأة إلى ثلث ديتها سواء وهو مذهب أهل المدينة ويروون أنه E قال [ تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث ديتها ] وهذا نص لا يتحمل التأويل .
واحتج ابن مسعود Bه : بحديث الغرة أنه E قضى في الجنين بالغرة وهي نصف عشر الدية ولم يفصل E بين الذكر والأنثى فيدل على استواء أرش الذكر والأنثى في هذا القدر ولنا : أنه ينصف بدل النفس بالإجماع وهو الدية فكذا بدل ما دون النفس لأن المنصف في الحالين واحد وهو الأنوثة ولهذا ينصف ما زاد على الثلث فكذا الثلث وما دونه ولأن القول بما قاله أهل المدينة يؤدي إلى القول بقلة الأرش عند كثرة الجناية وأنه غير معقول .
وإلى هذا أشار ربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي C فإنه روي أنه سأل سعيد بن المسيب عن رجل قطع أصبع المرأة فقال : فيها عشر من الإبل قال فإن قطع ثلاثة ؟ قال : ففيها ثلاثون من الإبل قال فإن قطع أربعة ؟ فقال : عشرون من الإبل .
فقال ربيعة : لما كثرت جروحها وعظمت مصيبتها قل أرشها فقال : أعراقي أنت ؟ قال لا بل جاهل متعلم أو عالم متبين فقال هكذا السنة يا ابن أخي وعنى به سنة زيد بن ثابت Bه .
أشار ربيعة إلى ما ذكرنا من المعنى وقبله سعيد حيث لم يعترض عليه وأحال الحكم إلى السنة .
وبهذا تبين أن روايتهم عنه E لم تصح إذ لو صحت لما اشتبه الحديث على مثل سعيد ولا حال الحكم إلى قوله E لا إلى سنة زيد Bه فدل أن الرواية لا تكاد تثبت عنه عليه السلام .
وأما حديث الغرة في الجنين فنقول بموجبه أن الحكم في أرش الجنين لا يختلف بالذكورة والأنوثة وإنما الكلام في أرش المولود والحديث ساكت عن بيانه .
ثم نقول : احتمل أنه E لم يفصل في الجنين بين الذكر والأنثى لأن الحكم لا يختلف ويحتمل أنه لم يفصل لتعذر الفصل لعدم استواء الخلقة فلا يكون حجة مع الاحتمال هذا الذي ذكرنا إذا كان الجاني حرا والمجني عليه حرا فأما إذا كان الجاني حرا والمجني عليه عبدا فالأصل فيه عند أبي حنيفة Bه ما ذكرنا في الفصل المتقدم : أن كل شيء من الحر في قدر من الدية فمن العبد فيه ذلك القدر من قيمته سواء كان فيما يقصد به المنفعة أو الجمال والزينة في رواية عنه وفى رواية فيما يقصد به الجمال والزينة يجب النقصان وعندهما : في جميع ذلك يجب النقصان فيقوم العبد مجنيا عليه ويقوم غير مجني عليه فيغرم الجاني فضل ما بين القيمتين وقد بينا وجه الروايتين عنه ووجهه قولهما في الفصل الأول