ما يرجع إلى الموصى به .
وأما الذي يرجع إلى الموصى به فأنواع : .
منها : أن يكون مالا أو متعلقا بالمال لأن الوصية إيجاب الملك أو إيجاب ما يتعلق بالملك من البيع والهبة والصدقة والاعتاق ومحل الملك هو المال فلا تصح الوصية بالميتة والدم من أحد ولأحد لأنهما ليسا بمال في حق أحد ولا بجلد الميتة قبل الدباغ وكل ما ليس بمال وقد ذكرنا ذلك في كتاب البيوع .
ومنها : أن يكون المال متقوما فلا تصح الوصية بمال غير متقوم كالخمر فإنها وإن كانت مالا حتى تورث لكنها غير متقومة في حق المسلم حتى لا تكون مضمونة بالإتلاف فلا تجوز الوصية من المسلم وله بالخمر ويجوز ذلك من الذمي لأنها مال متقوم في حقهم كالخل وتجوز بالكلب المعلم لأنه متقوم عندنا ألا ترى أنه مضمون بالإتلاف ويجوز بيعه وهبته سواء كان المال عينا أو منفعة عند عامة العلماء حتى تجوز الوصية بالمنافع من خدمة العبد وسكنى الدار وظهر الفرس وقال ابن أبي ليلى C لا تجوز الوصية بالمنافع .
وجه قوله : أن الوصية بالمنافع وصية بمال الوارث لأن نفاذ الوصية عند الموت وعند الموت تحصل المنافع على ملك الورثة لأن الرقبة ملكهم وملك المنافع تابع لملك الرقبة فكانت المنافع ملكهم لأن الرقبة ملكهم فكانت الوصية بالمنافع وصية من مال الوارث فلا تصح ولأن الوصية بالمنافع في معنى الإعارة إذ الإعارة تمليك المنفعة بغير عوض والوصية بالمنفعة كذلك والعارية تبطل بموت المعير فالموت لما أثر في بطلان العقد على المنفعة بعد صحته فلأن يمنع من الصحة أولى لأن المنع أسهل من الرفع .
ولنا : أنه لما ملك تملك حال حياته بعقد الإجارة والإعارة فلأن يملك بعقد الوصية أولى لأنه أوسع العقود ألا ترى أنها تحتمل ما لا يحتمله سائر العقود من عدم المحل والحظر والجهالة ثم لما جاز تمليكها ببعض العقود فلأن يجوز بهذا العقد أولى والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب .
وأما قوله : إن الوصية وقعت بمال الوارث فممنوع وقوله : ملك الرقبة عند موت الموصى مسلم لكن ملك المنفعة يتبع ملك الرقبة إذا أفرد المنفعة بالتمليك وإذا لم يفرد الأول ممنوع والثاني مسلم وهنا أفرد بالتمليك فلا يتبع ملك الرقبة وهذا لأن الموصي إذا أفرد ملك المنفعة بالوصية فقد جعله مقصودا بالتمليك وله هذه الولاية فلا يبقى تبعا لملك الذات بل يصير مقصودا بنفسه بخلاف الإعارة لأن المعير وإن جعل ملك المنفعة مقصودا بالتمليك لكن في الحال لا بعد الموت لأنه إنما يعار الشيء للانتفاع في حال الحياة عادة لا بعد الموت فينتفي العقد بالموت وأما الوصية فتمليك بعد الموت فكان قصده تمليكه المنفعة بعد الموت فكانت المنافع مقصودة بالتمليك بعد الموت فهو الفرق .
ونظيره من وكل وكيلا في حال حياته فمات الموكل ينعزل الوكيل ولو أضاف الوكالة إلى ما بعد موته جاز حتى يكون وصيا بعد موته وسواء كانت الوصية بالمنافع مؤقتة بوقت من سنة أو شهر أو كانت مطلقة عن التوقيت لأن الوصية بالمنافع في معنى الإعارة لأنها تمليك المنفعة بغير عوض ثم الإعارة تصح مؤقتة ومطلقة عن الوقت وكذا الوصية غير أنها إذا كانت مطلقة فللموصي له أن ينتفع بالعين ما عاش وإذا كانت مؤقتة بوقت فله أن ينتفع به إلى ذلك الوقت وإذا جازت الوصية بالمنافع يعتبر فيها خروج العين التي أوصى بمنفعتها من الثلث ولا يضم إليها قيمة .
وإن كان الموصى به هو المنفعة والعين ملك لم يزل عنه لأن الموصي بوصيته بالمنافع منع العين عن الوارث وحبسها عنه لفوات المقصود من العين وهو الانتفاع بها فصارت ممنوعة عن الوارث محبوسة عنه والموصي لا يملك منع ما زاد عن الثلث على الوارث فاعتبر خروج العين من ثلث المال ولهذا لو أجل المريض مرض الموت دينا معجلا له لا يصح إلا في قدر الثلث وإن كان التأجيل لا يتضمن إبطال ملك الدين لكن لما كان فيه منع الوارث عن الدين قبل حلول الأجل لم يصح إلا في قدر الثلث كذا هذا .
وإذا كان المعتبر خروج العين من الثلث فإن خرجت من الثلث جازت الوصية في جميع المنافع فللموصى له أن ينتفع بها فيستخدم العبد ويسكن الدار ما عاش إن كانت الوصية مطلقة عن الوقت فإذا مات الموصى له بالمنفعة انتقلت إلى ملك صاحب العين لأن الوصية بالمنفعة قد بطلت بموت الموصى له لأنها تمليك المنفعة بغير عوض كالإعارة فتبطل بموت المالك إياه كما تبطل الإعارة بموت المستعير على أن المنافع بانفرادها لا تحتمل الإرث وإن كان تملكها بعوض على أصل أصحابنا Bهم كإجارة فلان لا يحتمل فيما هو تمليك بغير عوض أولى بخلاف ما إذا أوصى بغلة داره أو ثمرة نخلة فمات الموصى له وفي النخل ثمرا وكان وجب بما استغل الدار آخر أن ذلك يكون لورثة الموصي له لأن ذلك عين ملكها الموصى له وتركه بالموت فيصير ميراثا لورثته وفي المنفعة لا حتى إن ما يحصل بعد موته لا يكون لورثته بل لورثة الموصى لأنه لم يملكه الموصى له فلا يورث وإن كانت العين لا تخرج من ثلث ماله جازت الوصية في المنافع في قدر ما تخرج العين من ثلث ماله بأن لم يكن له مال آخر سوى العين من العبد والدار تقسم المنفعة بين الموصى له وبين الورثة أثلاثا ثلثها للموصى له وثلثاها للورثة فيستخدم الموصى له العبد يوما والورثة يومين وفي الدار يسكن الموصى له ثلثها والورثة ثلثيها ما دام الموصى له حيا فإذا مات ترد المنفعة إلى الورثة .
وحكى أبو يوسف عن ابن أبي ليلى رحمهما الله : أنه إذا أوصى بسكنى داره لرجل وليس له مال غيرها ولم تجز الورثة أن الوصية باطلة لأن الوصية لم تصح في الثلثين والشيوع شائع في الثلثين والشيوع يؤثر في المنافع كما في الإجارة وهذا لا يتفرع على أصل إن أبي ليلى لأن الوصية بالمنافع باطلة على أصله فتبقى السكنى كلها على ملك الورثة فلا يتحقق الشيوع ولو أراد الورثة بيع الثلثين أو القسمة ليس لهم ذلك عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف لهم ذلك .
وجه قول أبي يوسف : أن الملك مطلق للتصرف في الأصل وإنما الامتناع لتعلق حق الغير به وحث الغير ههنا تعلق بالثلث لا بالثلثين لأن الوصية تعلقت بالثلث لا غير فخلا ثلثا الدار عن تعلق حق الغير بها فكان لهم ولاية البيع والقسمة وكذا الحاجة دعت إلى القسمة لتكميل المنفعة .
و لأبي حنيفة Bه : أن حق الموصى له بالمنفعة متعلق بمنافع كل الدار على الشيوع وذلك يمنع جواز البيع كما في الإجارة فإن رقبة المستأجر ملك المؤجر لكن لما تعلق بها حق المستأجر منع جواز البيع ونفاذه بدون إجازة المستأجر كذا ههنا وكذا في القسمة إبطال حق الموصى له هذا إذا كانت الوصية بالمنافع مطلقة عن الوقت فإن كانت مؤقتة فإن كانت العين تخرج من ثلث ماله فإن الموصى له ينتفع بها إلى الوقت المذكور فإن كان المذكور سنة غير معينة فينتفع بها الموصى له سنة كاملة ثم يعود بعد ذلك إلى الورثة وإن كانت لا تخرج من ثلث ماله فبقدر ما يخرج وإن لم يكن له مال آخر كانت المنفعة بين الموصى له وبين الورثة أثلاثا يخدم العبد يوما للموصى له ويومين للورثة فيستوفي الموصى له خدمة السنة في ثلاث سنين وإن كانت العين الموصى بمنفعتها دارا يسكن الموصى له ثلثها والورثة ثلثيها يتهايئان مكانا لأن التهايؤ بالمكان في الدار ممكن وفي العبد لا يمكن لاستحالة خدمة العبد بثلثه لأحدهما وبثلثيه للآخر فمست الضرورة إلى المهيئات زمانا .
وإن كان المذكور من الوقت سنة بعينها بأن قال : سنة كذا أو شهر كذا فإن كان الموصى به خدمة العبد فإن كان العبد يخرج من الثلث ينتفع بها تلك السنة أو الشهر وإن لم يكن له مال آخر ففي العبد ينتفع به الورثة يومين والموصى له يوما وفي الدار يسكن الموصى له ثلثها والورثة ثلثيها على طريق المهايأة فإذا مضت تلك السنة أو ذلك الشهر على هذا الحساب يحصل للموصى له منفعة السنة أو الشهر .
ولو أراد أن يكمل ذلك من سنة أخرى أو من شهر آخر ليس له ذلك لأن الوصية أضيفت إلى تلك السنة أو ذلك الشهر لا إلى غيرهما ولو عين الشهر الذي هو فيه أو السنة التي هو فيها بأن قال : هذا الشهر أو هذه السنة ينظر إن مات بعد مضي ذلك الشهر أو تلك السنة بطلت وصيته لأن الوصية نفاذها عند موته وقد مضى ذلك الشهر أو تلك السنة قبل موته فبطلت الوصية .
وإن مات قبل أن يمضي ذلك الشهر أو السنة فإن كانت العين تخرج من الثلث ينتفع بها فيما بقي من الشهر أو السنة وإن كانت لا تخرج وليس له مال آخر ففي العبد ينتفع بها الموصى له يوما والورثة يومين إلى أن يمضي ذلك الشهر أو السنة وفي الدار يسكناها أثلاثا على طريق المهايأة على ما بينا .
ولو أوصى بخدمة عبده لإنسان وبرقبته لآخر أو بسكنى داره لإنسان وبرقبتها لآخر والرقبة تخرج من الثلث فالرقبة لصاحب الرقبة والخدمة كلها لصاحب الخدمة لأن المنفعة لما احتملت الإفراد من الرقبة بالوصية حتى لا تملك الورثة الرقبة والموصى له المنفعة فيستوي فيها الإفراد باستيفاء الرقبة لنفسه وتملكيها من غيره فيكون أحدهما موصى له بالرقبة والآخر بالمنفعة فإذا مات الموصي ملك صاحب الرقبة الرقبة وصاحب المنفعة المنفعة وكذلك إذا أوصى برقبة شجرة أو بستان لإنسان وبثمرته لآخر أو برقبة أرض لرجل وبغلتها لآخر أو بأمة لرجل وبما في بطنها لآخر لأن الثمر والغلة والحمل كل واحد منها يحتمل الإفراد بالوصية فلا فرق بين أن يستبقي الأصل لنفسه وبين أن يملكه من غيره على ما ذكرنا في الوصية بالمنفعة وسواء كان الموصى به موجودا وقت كلام الوصية أو لم يكن موجودا عنده فالوصية جائزة إلا إذا كان في كلام الموصي ما يقتضي الوجود للحال فتصح الوصية بثلث ماله ولا مال له عند كلام الوصية .
وكذا تصح الوصية بغلة بستانه أو بغلة أرضه أو بغلة أشجاره أو بغلة عبده أو بسكنى داره أو بخدمة عبده وتصح الوصية بما في بطن جاريته أو دابته وبالصرف على ظهر غنمه وباللبن في ضرعها وثمرة بستانه وثمرة أشجاره وإن لم يكن شيء من ذلك موجودا للحال .
وأما وجوده عند موت الموصي فهل هو شرط بقاء الوصية على الصحة ؟ فأما في الثلث والعين المشار إليها فشرط حتى لو أوصى بثلث ماله وله مال عند كلام الوصية ثم هلك ثم مات الموصي بطلت الوصية وكذلك الوصية بما في البطن والضرع ربما على الظهر من الصوف واللبن والولد حتى لو مات الموصي بطلت الوصية إذا لم يكن ذلك موجودا وقت موته .
وأما في الوصية بالثمرة فليس بشرط استحسانا والقياس أن يكون شرطا ولا يشترط ذلك في الوصية بغلة الدار والعبد والحاصل أن جنى هذه الوصايا على أقسام بعضها يقع على الموجود وقت موت الموصي والذي يوجد بعد موته سواء ذكر الموصي في وصيته الأبد أو لم يذكر وهو الوصية بالغلة وسكنى الدار وخدمة العبد وبعضها يقع على الموجود قبل الموت ولا يقع على ما يحدث بعد موته سواء ذكر الأبد أو لم يذكر وهو الوصية بما في البطن والضرع وبما على الظهر فإن كان في بطنها ولد وفي ضرعها لبن وعلى ظهرها صوف وقت موت الموصي فالوصية جائزة وإلا فلا وفي بعضها إن ذكر لفظ الأبد يقع على الموجود والحادث وإن لم يذكر فإن كان موجودا وقت موت الموصي يقع على الموجود ولا يقع على الحادث وإن لم يكن موجودا فالقياس أن تبطل الوصية كما في الصوت والولد واللبن .
وفي الاستحسان : لا تبطل وتقع على ما يحدث كما لو ذكر الأبد وهذه الوصية بثمرة البستان والشجر إنما كان كذلك لأن الوصية إنما تجوز فيما يجري فيه الإرث أو فيما يدخل تحت عقد من العقود في حالة الحياة والحادث من الولد وأخواته لا يجري فيه الإرث ولا يدخل تحت عقد من العقود فلا يدخل تحت الوصية بخلاف الغلة فإن له نظيرا في العقود وهو عقد المعاملة والإجارة وكذلك سكنى الدار وخدمة العبد يدخلان تحت عقد الإجارة والإعارة فكان لها نظير في العقود .
وأما الوصية بثمرة البستان والشجر فلا شك أنها تقع عن الموجود وقت موت الموصي والحادث بعد موته إن ذكر الأبد لأن اسم الثمرة يقع على الموجود والحادث والحادث منها يحتمل الدخول تحت بعض .
العقود وهو عقد المعاملة والوقف فإذا ذكر الأبد يتناوله وإن لم يذكر الأبد فإن كان وقت موت الموصي ثمرة موجودة دخلت تحت الوصية ولا يدخل ما يحدث بعد الموت وإن لم يكن فالقياس أن لا يتناول ما يحدث وتبطل الوصية وفي الاستحسان يتناوله ولا تبطل الوصية .
وجه القياس : أن الثمرة بمنزلة الولد والصوف واللبن والوصية بشيء من ذلك لا يتناول الحادث كذا الثمرة .
وجه الاستحسان : أن الاسم يحتمل الحادث وفي حمل الوصية عليه تصحيح العقد ويمكن تصحيحه لأن له نظيرا من العقود وهو الوقف والمعاملة ولهذا لو نص على الأبد يتناوله بخلاف الولد والصوف واللبن لأنه عقد مالا يحتمله فلم يكن ممكن التصحيح ولهذا لو نص على الأبد لا يتناول الحادث وههنا بخلافه .
ولو أوصى لرجل ببستانه يوم يموت ولير له يوم أوصى بستان ثم اشترى بستانا ثم مات فالوصية جائزة لأن الوصية بالمال إيجاب الملك عند الموت فيراعى وجود الموصى به وقت الموت ألا ترى أنه لو أوصى له بعين البستان وليس في ملكه البستان يوم الوصية ثم ملكه ثم مات صحت الوصية ولو قال : أوصيت لفلان بغلة بستاني ولا بستان له فاشترى بعد ذلك ومات ذكر الكرخي عليه الرحمة أن الوصية جائزة وذكر في الأصل أنها غير جائزة .
وجه رواية الأصل : أن قوله بستاني يقتضي وجود البستان للحال فإذا لم يوجد لم يصح والصحيح ما ذكره الكرخي لأن الوصية إيجاب الملك بعد الموت فيستدعي وجود الموصى به عند الموت لا وقت كلام الوصية .
ولو أوصى لرجل بثلث غنمه فهلكت الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم من الأصل فمات ولا غنم له فالوصية باطلة وكذلك العروض كلها لأن الوصية تمليك عند الموت ولا غنم له عند الموت فإن لم يكن له غنم وقت كلام الوصية ثم استفاد بعد ذلك ذكر في الأصل أن الوصية باطلة لأن قوله غنمي يقتضي غنما موجودة وقت الوصية كما قلنا في البستان وعلى رواية الكرخي C ينبغي أن يجوز لما ذكرنا في البستان .
وكذلك لو قال : أوصيت له بشاة من غنمي أو بقفيز من حنطتي ثم مات وليس له غنم ولا حنطة فالوصية باطلة لما قلنا ولو لم يكن له غنم ولا حنطة ثم استفاد بعد ذلك ثم مات فهو على الروايتين اللتين ذكرناهما وبمثله لو قال : شاة من مالي أو قفيز حنطة من مالي وليس له غنم ولا حنطة فالوصية جائزة ويعطى قيمة الشاة لأنه لما أضاف إلى المال وعين الشاة لا توجد في المال علم أنه أراد به قدر مالية الشاة وهي قيمتها .
ولو أوصى بشاة ولم يقل من غنمي ولا من مالي فمات وليس له غنم لم يذكر هذا الفصل في الكتاب واختلف المشايخ فيه قال بعضهم : لا تصح الوصية لأن الشاة اسم للصورة والمعنى جميعا إلا أنا حملنا هذا الاسم على المعنى في الفصل الأول بقرينة الإضافة إلى المال ولم توجد ههنا .
وقال بعضهم : يصح لأن الشاة إذا لم تكن موجودة في ماله فالظاهر أنه أراد به مالية الشاة تصحيحا لتصرفه فيعطى قيمة شاة وقد ذكر في السير الكبير مسألة تؤيد هذا القول وهي أن الإمام إذا نفل سرية فقال : من قتل قتيلا فله جارية من السبايا فإن كان في السبي جارية يعطى من قتل قتيلا وإن لم يكن في السبي جارية لا يعطى شيئا .
ولو قال : من قتل قتيلا فله جارية ولم يقل من السبي فإنه يعطى من قتل قتيلا قدر مالية الجارية كذا ههنا ولا تجوز الوصية بسكنى داره أو خدمة عبده أو ظهر فرسه للمساكين في قول أبي حنيفة عليه الرحمة ولا بد من أن يكون ذلك لإنسان معلوم وعندهما رحمهما تجوز الوصية بذلك كله للمساكين كذا ذكر الكرخي في مختصره وذكر في الأصل والوصية بسكنى الدار وخدمة العبد أنها لا تجوز ولم يذكر فيها الخلاف وإنما ذكره في الوصية بظهر الفرس .
وجه قولهما : أن الوصية للمساكين وصية بطريق الصدقة والصدقة إخراج المال إلى الله سبحانه وتعالى والله D واحد معلوم ولهذا جازت الوصية بسائر الأعيان للمساكين فكذا بالمنافع .
و لأبي حنيفة Bه : أن الموصى له بالخدمة والركوب والسكنى تلزمه النفقة على العبد والفرس والدار لأنه لا يمكنه الانتفاع إلا بعد بقاء الدين ولا يبقى عادة بدون النفقة فبعد ذلك لا يخلو إما أن تلزمه النفقة أو لا فإن لم تلزمه النفقة لا يمكن تنفيذ هذه الوصية لأنه لا يمكن إيجابها على الورثة لأن المؤنة لا تجب إلا على من له المنفعة والمنفعة للموصى له لا للورثة ولا يمكن الاستغلال بأن يستغل فينفق عليه من الغلة لأن الوصية لم تقع بالغلة ولأن الاستغلال يقع تبديلا للوصية وأنه لا يجوز فتعذر تنفيذ هذه الوصية وإن لزمه النفقة فكان هذا معاوضة معنى لا وصية ولا صدقة والجهالة تمنع صحة المعاوضة وهذا المعنى لا يوجد في الأعيان وفي الوصية لرجل بعينه وقيل إن الوصية بظهر فرسه للمساكين أو في سبيل الله تبارك وتعالى فريعة مسألة الوقف أن عند أبي حنيفة Bه لو جعل فرسه للمساكين وقفا في حال الحياة لا يجوز ولا تجوز الوصية به بعد الرفاة وعندهما لو جعله وقفا في حال حياته جاز فكذا إذا أوصى بعد وفاته وسواء كان الموصى به معلوما أو مجهولا فالوصية جائزة لأن هذه جهالة تمكن إزالتها من جهة الموصي ما دام حيا ومن جهة ورثته بعد موته فأشبهت جهالة المقر به في حال الإقرار وإنها لا تمنع صحة الإقرار بخلاف جهالة المقر له تمنع صحة الإقرار كذا جهالة الموصى له تمنع صحة الوصية أيضا