فصل في بيان سنن الأذان .
فصل : و أما بيان سنن الأذان فسنن الأذان في الأصل نوعان : نوع يرجع إلى نفس الأذان و نوع يرجع .
إلى صفات المؤذن .
أما الذي يرجع إلى نفس الأذان فأنواع منها : أن يجهر بالأذان فيرفع به صوته لأن المقصود و هو الإعلام يحصل به ألا ترى [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعبد الله بن زيد علمه بلالا فإنه أندى و أمد صوتا منك ] .
و لهذا كان الأفضل أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران كالمئذنة و نحوها و لا ينبغي أن يجهد نفسه لأنه يخاف حدوث بعض العلل كالفتق و أشباه ذلك .
دل عليه ما روي أن عمر Bه قال لأبي محذورة أو لمؤذن بيت المقدس حين رآه يجهد نفسه في الأذان : أما تخشى أن ينقطع مريطاؤك و هو ما بين السرة إلى العانة و كذا يجهر بالإقامة لكن دون الجهر بالأذان لأن المطلوب من الأعلام بها دون المقصود من الأذان .
و منها : أن يفصل بين كلمتي الأذان بسكتة و لا يفصل بين كلمتي الإقامة بل يجعلها كلاما واحدا لأن الإعلام المطلوب من الأول لا يحصل إلا بالفصل و المطلوب من الإقامة يحصل بدونه .
و منها : أن يترسل في الأذان و يحدر في الإقامة لقول النبي صلى الله عليه و سلم لبلال Bه : [ إذا أذنت فترسل و إذا أقمت فاحدر ] و في رواية : [ فاحذم ] و في رواية : [ فاحذف ] و لأن الأذان لإعلام الغائبين بهجوم الوقت و ذا في الترسل أبلغ و الإقامة لإعلام الحاضرين بالشروع في الصلاة و إنه يحصل بالحدر و لو ترسل فيهما أو حدر أجزأه لحصول أصل المقصود و هو الإعلام .
و منها أن يرتب بين كلمات الأذان و الإقامة حتى لو قدم البعض على البعض ترك المقدم ثم يرتب .
و يؤلف و يعيد المقدم لأنه لم يصادف محله فلغا و كذلك إذا ثوب بين الأذان و الإقامة في الفجر فظن أنه في الإقامة فأتمها ثم تذكر قبل الشروع في الصلاة فالأفضل أن يأتي بالإقامة من أولها إلى آخرها مراعاة للترتيب و دليل كون الترتيب سنة أن النازل من السماء رتب و كذا المروي من مؤذني رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهما رتبا و لأن الترتيب في الصلاة فرض و الأذان شبيهة بها فكان الترتيب فيه سنة .
و منها : أن يوالي بين كلمات الأذان و الإقامة لأن النازل من السماء والى و عليه عمل مؤذني رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أنه لو أذن فظن أنه الإقامة ثم علم بعد ما فرغ فالأفضل أن يعيد الأذان و يستقبل الإقامة .
مراعاة للموالاة و كذا إذا أخذ في الإقامة و ظن أنه في الأذان ثم علم فالأفضل أن يبتدىء الإقامة لما قلنا و على هذا إذا غشي عليه في الأذان و الإقامة ساعة أو مات أو ارتد عن الإسلام ثم أسلم أو أحدث فذهب و توضأ ثم جاء فالأفضل هو الاستقبال لما قلنا و الأولى له إذا أحدث في أذانه أو إقامته أن يتمها ثم يذهب و يتوضأ و يصلي لأن ابتداء الأذان و الإقامة مع الحدث جائز فالبناء أولى و لو أذن ثم ارتد عن الإسلام فإن شاؤوا أعادوا لأنه عبادته محضة و الردة محبطة للعبادات فيصير ملحقا بالعدم و إن شاؤوا اعتدوا به لحصول المقصود و هو الإعلام .
و كذا يكره للمؤذن أن يتكلم في أذانه أو إقامته لما فيه من ترك سنة الموالاة و لأنه ذكر معظم كالخطبة فلا يسع ترك حرمته و يكره له رد السلام في الأذان لما قلنا و عن سفيان الثوري أنه لا بأس بذلك لأنه .
فرض و لكنا نقول أنه يحتمل التأخير إلى الفراغ من الأذان .
و منها : أن يأتي بالأذان و الإقامة مستقبل القبلة لأن النازل من السماء هكذا فعل و عليه إجماع الأمة و لو ترك الاستقبال يجزيه لحصول المقصود و هو الإعلام لكنه يكره لتركه السنة المتواترة إلا أنه إذا انتهى إلى الصلاة و الفلاح حول وجهه يمينا و شمالا كذا فعل النازل من السماء و لأن هذا خطاب للقوم فيقبل بوجهه إليهم إعلاما لهم كالسلام في الصلاة و قدماه مكانهما ليبقى مستقبل القبلة بالقدر الممكن كما في السلام في الصلاة و يحول وجهه مع بقاء البدن مستقبل القبلة كذا ههنا .
و إن كان في الصومعة فإن كانت ضيقة لزم مكانه لانعدام الحاجة إلى الاستدارة و إن كانت واسعة فاستدار فيها ليخرج رأسه من نواحيها فحسن لأنا الصومعة إذا كانت متسعة فالإعلام لا يحصل بدون الاستدارة .
و منها : أن يكون التكبير جزما و هو قوله الله أكبر لقوله صلى الله عليه و سلم [ الأذان جزم ] .
و منها : ترك التلحين في الأذان لما روي أن رجلا جاء إلى ابن عمر Bهما فقال : إني أحبك في الله تعالى فقال ابن عمر Bهما إني أبغضك في الله تعالى .
فقال : لم ؟ قال : لأنه بلغني أنك تغني في أذانك يعني التلحين .
أما التفخيم فلا بأس به لأنه إحدى اللغتين .
و منها : الفصل فيما سوى المغرب بين الأذان و الإقامة لأن الإعلام المطلوب من كل واحد منهما لا يحصل إلا بالفصل و الفصل فيما سوى المغرب بالصلاة أو بالجلوس مسنون و الوصل مكروه و أصله ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لبلال [ إذا أذنت فترسل و إذا أقمت فاحدر ] و في رواية [ فاحذف ] و في رواية [ فاحذم ] و ليكن بين أذانك و إقامتك مقدار ما يفرغ الأكل من أكله و الشارب من شربه و المعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ولا تقوموا في الصف حتى تروني و لأن الآذان لاستحضار الغائبين فلا بد من الإمهال ليحضروا .
ثم لم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الفصل و روى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية و في الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة نحوا من عشر آيات و في العصر مقدار ما يصلي ركعتين يقرأ في كل ركعة نحوا من عشر آيات و في المغرب يقوم مقدار ما يقرأ ثلاث آيات و في العشاء كما في الظهر و هذا ليس بتقدير لازم فينبغي أن يفعل مقدار ما يحضر القوم مع مراعاة الوقت المستحب و أما المغرب فلا يفصل فيها بالصلاة عندنا .
و قال الشافعي : يفصل بركعتين خفيفتين اعتبارا بسائر الصلوات .
و لنا : ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ بين كل أذانين صلاة لمن شاء إلا المغرب ] و هذا نص و لأن مبنى المغرب على التعجيل لما روى أبو أيوب الأنصاري Bه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لن تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم ] و الفصل بالصلاة تأخير لها فلا يفصل بالصلاة و هل يفصل بالجلوس ؟ قال أبو حنيفة : لا يفصل و قال أبو يوسف و محمد : يفصل بجلسة خفيفة كالجلسة التي بين الخطبتين .
وجه قولهما : أن الفصل مسنون و لا يمكن بالصلاة فيفصل بالجلسة لإقامة السنة و لأبي حنيفة أن الفصل بالجلسة تأخير للمغرب و أنه مكروه و لهذا لم يفصل بالصلاة فبغيرها أولى و لأن الوصل مكروه و تآخير المغرب أيضا مكروه و التحرز عن الكراهتين يحصل بسكتة قليلة و بالهيئة من الترسل و الحدر و الجلسة لا تخلو عن أحدهما و هي كراهة التأخير فكانت مكروهة