القسم الثاني من فصل : حكم الوصية .
ولو كان أوصى بثلث ماله لصاحب الرقاب وبخدمة أحدهم بعينه لصاحب الخدمة ولا مال غيرهم له قسم الثلث بينهما نصفين .
ووجه ذلك : أن العبد الموصى بخدمته اجتمع فيه وصيتان وصية بجميعه ووصية بثلثه لأنه أوصى له بثلث ماله وخدمة العبد مال ألا ترى أن من أوصى لآخر بخدمة عبده اعتبر ذلك من الثلث بخلاف ما ذكرنا في المسألة الأولى أنه إذا أوصى له بثلث الرقاب أن الموصى له بالرقاب لا حق له في العبد الذي أوصى بخدمته ما دام الموصى له باقيا لأنه أوصى له بالرقبة والخدمة ليست من الرقبة في شيء وههنا أوصى له بالمال والخدمة مال فلذلك قلنا : إنه إذا اجتمع في العبد الموصى بخدمته وصيتان وصية بجميعه ووصية بثلثه فالثلثان لصاحب الخدمة بلا منازعة والثلث بينهما نصفان فيجعل العبد على ستة أسهم أربعة أسهم خلت عن دعوى صاحب الثلث وسلمت لصاحب الخدمة بلا منازعة وسهمان استوت منازعتهما فيهما فينقسم بينهما لكل واحد منهما سهم فصار لصاحب الخدمة خمسة أسهم ولصاحب الثلث سهم فإذا صار هذا العبد على ستة أسهم صار العبدان الآخران على اثني عشر فثلثها أربعة ضمت إلى ستة فتصير عشرة فهذه جملة وصاياهم فاجعل هذا ثلث المال وثلثاه مثلاه عشرون وجميع المال ثلاثون فيتبين أن كل عبد صار عشرة فالعبد الموصى بخدمته عشرة يخدم الموصى له بخدمته خمسة أيام وللورثة أربعة أيام ويخدم صاحب الثلث يوما ولصاحب الثلث من العبدين الآخرين أربعة أسهم فتصير الوصية عشرة ستة في العبد الموصى بخدمته وأربعة أسهم في العبدين الباقيين والورثة عشرون في كل عبد من الباقيين ثمانية أسهم وأربعة من الموصى بخدمته فاستقام على الثلث والثلثين وهذا قول أبي حنيفة C .
وأما على قولهما : فإنهما يسلكان مسلك العول فالعبد الذي أوصى بخدمته اجتمع فيه وصيتان : وصية بجميعه ووصية بثلثه ومخرج الثلث ثلاثة فصاحب الجميع يضرب بالجميع ثلاثة وصاحب الثلث يضرب بالثلث سهم وصار هذا العبد على أربعة فلما صار هذا العبد على أربعة صار العبدان الآخران كل واحد منهما على ثلاثة بغير عول لأنه لا حاجة إلى العول في ذلك فالثلث بينهما سهمان ضمه إلى أربعة فيصير ستة فاجعل هذا ثلث المال وثلثاه مثلاه اثنا عشر والجميع ثمانية عشر فتبين أن العبد الموصى بخدمته صار على ستة يخدم لصاحب الخدمة ثلاثة أيام وللآخر يوما وللورثة يومين وللموصى له بالثلث من العبدين الآخرين سهمان فصارت الوصية ستة أربعة أسهم في العبد الموصى له بخدمته وسهمان في العبدين وللورثة اثنا عشر سهما سهمان في العبد الموصى له بخدمته وعشرة أسهم في العبدين فاستقام على الثلث والثلثين .
ولو أوصى بخدمة عبده لرجل وبغلته لآخر وهو يكرج من الثلث فإنه يخدم صاحب الخدمة شهرا وعليه طعامه ولصاحب الغلة شهرا وعليه طعامه وكسوته عليهما نصفان وإنما كان كذلك لأنه أوصى لكل واحد منهما بجميع الرقبة لأن الوصية بالخدمة وصية بحبس الرقبة لأنه لا يمكن الاستخدام إلا بعد حبسها والوصية بالغلة أيضا وصية بالرقبة لأنه لا يمكن استغلاله إلا بعد حبس الرقبة فقد أوص لكل واحد منهما بجميع الرقبة وحظهما سواء فيخدم هذا شهرا ويستغله الآخر شهرا لأن العبد مما لا يمكن قسمته بالأجزاء فيقسم بالأيام وطعامه في مدة الخدمة على صاحب الخدمة لأنه هو الذي ينتفع به دون صاحب الغلة والنفقة على من يحصل له المنفعة وفي مدة الغلة على صاحب الغلة لأن منفعته في تلك المدة تحصل له .
وأما الكسوة فعليهما جميعا لأن الكسوة لا تتقدر بهذه المدة لأنها تبقى أكثر من هذه المدة ولا تتجدد الحاجة إليها بانقضاء هذا القدر من المدة كما تتجدد إلى الطعام في كل وقت وهما فيه سواء فكانت الكسوة عليهما لهذا المعنى فإن جنى هذا العبد جناية قيل لهما افدياه لأن منفعته لهما فيخاطبان به كما يخاطب به المرتهن في العبد المرهون فإن فدياه كانا على حالهما وإن أبيا الفداء ففداه الورثة بطلت وصيتهما لأنهما لما أبيا الفداء فقد رضيا بهلاك الرقبة فبطل حقهما والله تعالى أعلم .
ولو أوصى لرجل من غلة عبده كل شهر بدرهم ولآخر بثلث ماله ولا مال له غير العبد فإن ثلث المال بينهما نصفان في قول أبي حنيفة C تعالى لأنه أوصى للموصى له بالغلة بجميع الرقبة إذ لا يمكن استيفاء ذلك من غلته في كل شهر إلا بحبس الرقبة والمذهب عند أبي حنيفة C تعالى أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث فالثلث يكون بينهما لكل واحد منهما السدس ويخرج الحساب من ستة فالثلث وذلك سهمان يكون بينهما سهم لصاحب الثلث يعطى له من الرقبة وسهم لصاحب الغلة يستعمل وحسبت عليه غلته وينفق عليه منها كل شهر درهما لأنه هكذا أوصى وأربعة أسهم من الرقبة للورثة فإذا مات الموصى له بالغلة وقد بقي من الغلة شيء رد ذلك إلى صاحب الرقبة وكذلك ما حبس له من ثمن الرقبة يرد على صاحب الرقبة لأنه بطلت وصيته بموته فيرجع ذلك إلى صاحب الرقبة وعلى قولهما يقسم الثلث بينهما على أربعة : صاحب الغلة يضرب بالجميع ثلاثة وصاحب الثلث يضرب بالثلث سهم .
ولو أوصى لرجل بغلة داره ولآخر بعبد ولآخر بثوب فهذه المسألة على وجهين : إما أن تخرج هذه الأشياء كلها من الثلثه أو لا تخرج من الثلث فإن كانت تخرج من الثلث أخذ كل واحد منهم ما أوصى له به لأنه أوصى بالجميع والوصية بغلة الدار وصية بحبس رقبتها على ما بينا وإن كانت لا تخرج من الثلث لكن الورثة أجازوا فكذلك وإن لم تجز الورثة ضرب كل واحد منهم بقدر حقه إلا أن تكون وصية أحدهم تزيد على الثلث فلا يضرب بالزيادة على قول أبي حنيفة C .
وإذا مات صاحب الغلة بطلت وصيته وقسم الثلث بين ما بقي منهم لما ذكرنا .
ولو أوصى بغلة داره لرجل وبسكناها لآخر وبرقبتها لآخر وهي الثلث فهدمها رجل بعد موت الموصي غرم قيمة ما هدمه من بنائها ثم تبنى مساكن كما كانت فتؤاجر ويأخذ غلتها صاحب الغلة ويسكنها الآخر لأن الوصية بالغلة والسكنى لا تبطل بهدم الدار لقيام القيمة مقام الدار كما قلنا في العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر إذا قتل أن الوصية لا تبطل ويشتري بقيمته عبدا آخر لخدمته .
وكذا البستان إذا أوصى بغلته لرجل وبرقبته لآخر فقطع رجل نخلة أو شجرة يغرم قيمتها فيشتري بها أشجارا مثلها فتغرس فإذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بغلة داره وقيمة الدار ألف درهم وله ألفا درهم سوى ذلك فلصاحب الغلة نصف غلة الدار ولصاحب الثلث نصف الثلث فيما بقي من المال والدار خمس ذلك في الدار وأربعة أخماسه في المال .
ووجه ذلك أن يقول : إن الوصية بثلث المال وصية بثلث الغلة أيضا لأن الغلة مال الميت يقضى منه ديونه وإذا كان كذلك فالدار تخرج من ثلث ماله لأن قيمة الدار ألف درهم وله ألفا درهم سوى ذلك فقد اجتمع في الدار وصيتان وصية بجميعها ووصية بثلثها فيجعل الدار على ثلاثة ويقسم بينهما على طريق المنازعة وصاحب الثلث لا يدعي أكثر من الثلث وهو سهم واحد والثلثان سهمان لصاحب الغلة وهو صاحب الجميع بلا منازعة لأن الوصية بالغلة وصية بجميع الدار على ما ذكرنا أنه يحبس جميع الدار لأجله واستوت منازعتهما في سهم واحد وكان بينهما فانكسر على سهمين فاضرب سهمين في ثلاثة فيصير ستة فصاحب الثلث لا يدعي أكثر من سهمين وأربعة أسهم خلت عن دعواه وسلمت لصاحب الجميع وهو صاحب الغلة بلا منازعة واستوت منازعتهما في سهمين فيقسم بينهما لكل واحد منهما سهم وإذا صارت الدار وهي الثلث على ستة والألفان اثنا عشر فلصاحب الثلث من ذلك الثلث أربعة أسهم فضمها إلى ستة تصير سهام الوصايا عشرة وجملة ذلك ثلاثون فنقول ثلث المال عشرة فنقسمها بينهم لصاحب الغلة خمسة أسهم كلها في الدار ولصاحب الثلث خمسة أسهم أربعة أسهم في الألفين وسهم في الدار فهذا معنى قوله في الأصل لصاحب الغلة نصف غلة الدار وذلك خمسه لأنا جعلنا الدار على عشرة ولصاحب الثلث نصف الثلث خمسه أربعة أخماسه في المال وخمس ذلك في الدار وهذا قول أبي حنيفة C تعالى وعلى قولهما تقسم الدار على طريق العول فصاحب الجميع يضرب بالجميع وصاحب الثلث يضرب بالثلث ومخرج الثلث ثلاثة فصاحب الجميع يضرب بالجميع ثلاثة وصاحب الثلث يضرب بسهم فاجعل الدار على أربعة أسهم وإذا صارت الدار على أربعة أسهم مع العول صار كل ألف من الألفين على ثلاثة من غير عول فالألفان تصير ستة أسهم فللموصى له بالثلث ثلث ذلك وذلك سهمان ضم ذلك إلى أربعة أسهم فيصير ستة فاجعل هذا ثلث المال والثلثان اثنا عشر والجميع ثمانية عشر فللموصى له بثلث المال ثلث الألفين وذلك أربعة أسهم من اثني عشر وذلك ثلثا الثلث لأنا جعلنا الثلث على ستة أسهم وأربعة أسهم من ستة ثلثاه وهذا معنى قوله في الأصل وإن شئت قلت ثلثا ذلك في ثلث المال وقال أيضا ثلاثة في الدار لأنك جعلت الدار على ثلاثة قبل العول وللموصى له بالثلث سهم من الدار وذلك ثلث الدار فإن مات صاحب الغلة فلصاحب الثلث ثلث الدار والمال لأنه لما مات الموصى له بالغلة بطلت وصيته وصار كأنه لم يوصى له بشيء وإنما أوصى لصاحب الثلث بثلث المال والدار فيكون له ذلك .
وإن استحقت الدار بطلت وصية صاحب الغلة وأخذ صاحب الثلث ثلث المال لأنه لا يملك استغلالها بعد استحقاقها .
ولو لم يستحق ولكنها انهدمت قيل لصاحب الغلة أين نصيبك فيها ويبني صاحب الثلث نصيبه والورثة نصيبهم لأن ذلك مشترك بينهم فيبني كل واحد نصيبه وأيهم أبى أن يبني لم يجبر على ذلك لأن الإنسان لا يجبر على إصلاح حقه ولم يمنع الآخر أن يبني نصيبه من ذلك ويؤاجره ويسكنه لأن الذي امتنع من البناء رضي ببطلان حقه فلا يوجب ذلك بطلان حق صاحبه وليس هذا كالسفل إذا كان لرجل وعلوه لآخر فانهدما وأبى صاحب السفل أن يبني سفله أنه يقال لصاحب العلو ابن سفله من مالك ثم ابن عليه العلو فإذا أراد صاحب السفل أن ينتفع بالسفل فامنعه حتى يدفع إليك قيمة السفل لأن هناك لا يمكن بناء العلو إلا بعد بناء السفل فكان لصاحب العلو أن يبني سفله حتى يمكنه بناء العلو عليه فأما ههنا فيمكن أن يقسم عرصة الدار فيبني كل واحد منهم في نصيبه .
ولو أوصى لرجل بسكنى داره أو بغلتها فادعاها رجل وأقام البينة أنها له فشهد الموصى له بالغلة أو السكنى أنه أقر بها للميت لم تجز شهادته لأنه يجر بشهادته إلى نفسه مغنما لأنه لو قبلت شهادته لسلمت له الوصية [ ولا شهادة لجار المغنم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم ] .
وكذا إذا شهد للميت بمال أو بقتل خطأ لا تقبل شهادته لأنه مهما كثر مال الميت كثرت وصيته وكان بشهادته جار المغنم إلى نفسه فلا تقبل .
ولو أوصى لرجل بثلث غلة بستانه أبدا ولا مال له غيره فقاسم الورثة البستان فأغل أحد النصيبين ولم يغل الآخر فإنهم يشتركون فيما خرج من الغلة لأن قسمته وقعت باطلة لأن الموصى له بالغلة لا يملك رقبة البستان والقسمة فيما ليس بملك له باطلة والثمرة غير موجودة وإنما حدثت بعد ذلك وقسمة المعدوم باطلة وللورثة أن يبيعوا ثلثي البستان فيكون المشتري شريك صاحب الغلة أراد به أنه يبيع ثلثي البستان مشاعا لأن الثلث مشغول بحق صاحب الغلة والورثة ممنوعون عن ذلك الثلث ما دام الموصى له حيا فإذا كان هكذا فلا يجوز البيع إلا في مقدار نصيبهم .
وروي عن أبي حنيفة C تعالى أنه قال : لا يجوز بيع نصيبهم لأن ذلك ضرر بالموصى له لأنه تنقص الغلة وتعيب .
ولو أوصى بغلة بستانه الذي فيه لرجل وأوصى له بغلته أيضا أبدا ثم مات الموصي ولا مال له غيره والغلة القائمة للحال تساوي مائة درهم والبستان يساوي ثلثمائة درهم فللموصى له ثلث الغلة التي فيه وثلث ما يخرج من الغلة فيما يستقبل أبدا لأنه أوصى له هكذا فإنه أوصى له بالغلة القائمة للحال وبالغلة التي تحدث أبدا فيعتبر في كل واحد منهما ثلثه ولا يسلم إليه كل الغلة القائمة في الحال وإن كان يخرج من ثلث المال لأنه أوصى له أيضا بثلث ما يخرج من بستانه فيما يستقبل وإذا ضمت تلك الوصية إلى هذه الوصية زادت الوصية على الثلث .
ولو أوصى بعشرين درهما من غلته كل سنة لرجل فأغل سنة قليلا وسنة كثيرا فله ثلث الغلة تحبس وينفق عليه كل سنة من ذلك عشرون درهما لأن الوصية بعشرين درهما من غلته وصية بجميع الغلة لجواز أن يطول عمره فيستوفي ذلك كله فلذلك جاز في ثلثه وتحبس غلته حتى ينفق عليه كل سنة عشرون درهما إلى أن يموت .
ولو أوصى أن ينفق عليه أربعة كل شهر من عرض ماله وعلى آخر خمسة كل شهر من غلة بستانه ولا مال له غير البستان فثلث غلة البستان بينهما نصفين يباع سدس غلة البستان لكل واحد منهما فيوقف ثمنه على يد الموصي أو على يد ثقة إن لم يكن هناك وصي ويتفق على كل واحد منهما كما سمي وكذلك الوصية بإنفاق درهم ولا عبرة بالأقل والأكثر لجواز أن يعيش صاحب الأقل أكثر مما يعيش صاحب الأكثر فيباع سدس الغلة لكل واحد منهما ويوقف ثمنه وينفق على كل واحد منهما ما سمى له لأنه أوصى لأحدهما أن ينفق عليه من عرض ماله والبستان ماله ولا يسلم المال إليهما بل يوضع على يد الموصي فإن لم يكن له وصي فالقاضي يضعه على يد ثقة عدل لأنه أمر بالإنفاق عليهما ولم يوص بدفع المال إليهما فإن ماتا وقد بقي شيء من المال رد على ورثة الموصي لأن الوصية قد بطلت بموته فيعود إلى الورثة .
وكذلك لو قال : ينفق على فلان أربعة وعلى فلان وفلان خمسة حبس السدس على المنفرد والسدس الآخر على المجموعين في النفقة لأنه أضاف الأربعة إلى شخص واحد وأضاف الخمسة إلى شخصين لأنه جمعهما في الوصية فصار كأنه أوصى بأن ينفق على فلان أربعة وعلى فلان خمسة لذلك يقسم الثلث بينهم : سدس يوقف للمنفرد وسدس للمجموعين .
ولو أوصى بغلة بستانه لرجل وبنصف غلته لآخر وهو ثلث ماله قسم ثلث الغلة بينهما نصفين كل سنة لأن الوصية بالزيادة على الثلث لا تجوز فيصير كأنه أوصى لكل واحد منهما بالثلث فيكون الثلث بينهما لاستوائهما ولو كان البستان يخرج من ثلث ماله فإنه يقسم غلة البستان بينهما على طريق المنازعة على قول أبي حنيفة Bه لأن صاحب النصف لا يدعي إلا النصف فالنصف خلا عن دعواه فسلم لصاحب الجميع بلا منازعة والنصف الآخر استوت منازعتهما فيه فيقسم بينهما نصفين فيحتاج إلى حساب له نصف ولنصفه نصف وذلك أربعة فصاحب النصف لا يدعي أكثر من سهمين فسهمان خليا عن دعواه سلما لصاحب الجميع بلا منازعة وسهمان آخران استوت منازعتهما فيهما فيقسم بينهما لكل واحد منهما سهم فصار لصاحب الجميع ثلاثة أسهم ولصاحب النصف سهم .
وعلى قولهما : يقسم على طريق العول فصاحب الجميع يضرب بالجميع وصاحب النصف يضرب بالنصف والحساب الذي له نصف سهمان فصاحب الجميع يضرب بسهمين وصاحب النصف يضرب بسهم واحد فيقسم بينهما أثلاثا سهمان لصاحب الجميع وسهم لصاحب النصف ولو أوصى لرجل بغلة بستانه وقيمته ألف درهم ولآخر بقيمة عبده وقيمته خمسمائة وله سوى ذلك ثلثمائة فالثلث بينهما على أحد عشر سهما في قول أبي حنيفة Bه لصاحب العبد خمسة أسهم في العبد ولصاحب البستان ستة أسهم في غلته لأن جميع ماله ألف درهم وثمانمائة درهم والثلث من ذلك ستمائة ووصية صاحب البستان ألف درهم وذلك أكثر من الثلث ومن مذهب أبي حنيفة C أن الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث فاطرح ما زاد على ستمائة لأن ذلك زيادة على الثلث فصاحب البستان يضرب بستمائة وصاحب العبد يضرب بخمسمائة فاجعل ثلث المال وهو ستمائة على أحد عشر سهما لصاحب البستان ستة أسهم ولصاحب العبد خمسة أسهم فما أصاب صاحب البستان كان في البستان في غلته وما أصاب صاحب العبد كان في العبد وهذا قول أبي حنيفة Bه وعلى قولهما صاحب البستان يضرب بجميع البستان وهو ألف وصاحب العبد بخمسمائة فيقسم ثلث المال بينهما أثلاثا على طريق العول .
ولو أوصى لرجل بغلة أرضه وليس فيها نخل ولا شجر ولا مال له غيرها فإنها تؤاجر فتكون تلك الغلة له ولو كان فيها شجر أعطى ثلث ما يخرج منها لأن اسم الغلة يقع على الثمرة وعلى الأجرة فإن كان فيها ثمر انصرفت الوصية إلى ما يخرج منها لأن الغلة في الحقيقة اسم لما يخرج إذا كان في الأرض أشجار وإن لم يكن فيها شجر فالوصية بالغلة وصية بالدراهم والدنانير وذلك هي الأجرة .
فإن قيل : إذا لم يكن في الأرض شجر فينبغي أن يزرعها فيستوفي زرعها .
فالجواب : أنه لو زرع لحصل له ملك الخارج ببذره والموصى به غلة أرضه لا غلة بذره .
ولو أوصى لرجل بغلة أرضه ولآخر برقبتها وهي تخرج من الثلث فباعها صاحب الرقبة وسلم صاحب الغلة المبيع جاز وبطلت وصية صاحب الغلة ولا حق له في الثمن أما جواز الوصية بالغلة فلما ذكرنا فيما تقدم وأما جواز بيع الرقبة من صاحبها إذا سلم صاحب الغلة المبيع فلأن ملك الرقبة لصاحب الرقبة وأنه يقتضي النفاذ إلا أن حق صاحب الغلة متعلق به فإذا أجاز فقد رضي بإبطال حقه فزال المانع فنفذ وبطلت وصية صاحب الغلة لأنه إنما أوصى له بالغلة في ملك الموصى له بالرقبة وقد زال ملكه عن الرقبة ولا حق له في الثمن لأن الثمن بدل الرقبة ولا ملك له في الرقبة .
ولو أوصى له بغلة بستانه فأغل البستان سنتين قبل موت الموصي ثم مات الموصي لم يكن للموصى له من تلك الغلة شيء إنما له الغلة التي فيه يوم يموت لما ذكرنا أن الوصية إيجاب الملك عند الموت فتكون له الثمرة التي فيها يوم الموت وما يحدث بعد الموت لا ما كان قبل الموت فإن اشترى الموصى له البستان من الورثة بعد موته جاز الشراء وبطلت الوصية لأنه ملك العين بالشراء فاستغنى بملكها عن الوصية كمن استعار شيئا ثم اشتراه أنه تبطل الإعارة وكمن تزوج أمة إنسان ثم اشتراها يبطل النكاح لما قلنا كذا هذا .
وكذلك لو أعطوه شيئا على أن يبرأ من الغلة وكذلك سكنى الدار وخدمة العبد إذا صالحوه منه على شيء جاز وتبطل الوصية لأن له حقا وقد أسقط حقه بعوض فجاز كالخلع والطلاق على مال والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما الوصية بأمر متعلق بالمال فالوصية بالعتق والوصية بالإنفقاق والوصية بالإنفاق والوصية بالقرب من الفرائض والواجبات والنوافل .
أما الوصية بالعتق فحكمها ثبوت العتق بعد موت الموصي بلا فصل كما إذا قال وهو مريض أو صحيح : أنت حر بعد موتي أو قال : دبرتك أو أنت مدبر أو إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا فأنت حر فمات من مرضه ذلك أو سفره ذلك يعتق من غير الحاجة إلى إعتاق أحد لأن معنى ذلك أنت حر بعد موتي أو بعد موتي من هذا المرض أو في هذا السفر ويعتبر في ذلك كله الثلث فإن كان العبد يخرج كله من ثلث ماله يعتق كله لأن لم يخرج كله يعتق منه بقدر ما يخرج من الثلث وإن لم يكن له مال سواه يعتق ثلثه ويسعى في الثلثين للورثة لأن هذا كله وصية فلا تنفذ فيما زاد على الثلث إلا بإجازة الورثة على ما بينا فيما تقدم وأما الوصية بالإعتاق فحكمها وجوب الاعتاق بعد موت الموصي ولا يعتق من غير إعتاق من الوارث أو الوصي أو القاضي والأصل فيه أن كل عتق تأخر عن موت الموصي ولو بساعة لا يثبت ولا يعتق من غير إعتاق كما إذا قال : هو حر بعد موتي بساعة أو بأقل أو بأكثر لأن غرض الموصي هو عتق العبد بعد الموت والعتق لا بد له من الإعتاق ولا يمكن جعل الموصي معتقا بعد الموت فكان أمرا بالإعتاق دلالة فيعتق الوارث أو الوصي أو القاضي .
وأما الوصية بإعتاق نسمة وهي أن يوصي بأن يشتري رقبة فتعتق عنه والنسمة اسم لرقبة تشتري للعتق فحكمها حكم وجوب الشراء والإعتاق يعتبر من الثلث ولو أوصى أن يعتق عنه نسمة بمائة درهم فلم يبلغ ثلث ماله مائة درهم لم يعتق عنه عند أبي حنيفة وعندهما يعتق عنه بالثلث ولو أوصى بأن يحج بمائة وثلث ماله لا يبلغ مائة فإنه يحج عنه من حيث يبلغ بالإجماع .
وجه قولهما : أن تنفيذ الوصية واجب ما أمكن والتقدير بالمائة لا يقتضي التنفيذ لأنه يحتمل أنه إنما قدر ظنا منه أن ثلث ماله يبلغ ذلك أو رجاء إجازة الورثة فإذا لم يبلغ ذلك أو لم تجز الورثة يجب تنفيذها فيما دون ذلك كما في الوصية بالحج و لأبي حنيفة Bه أنه أوصى بعتق عبد يشتري بمائة درهم فلو نفذنا الوصية في عبد يشتري بخمسين كان ذلك تنفيذ الوصية لغير من أوصى له وهذا لأن الوصية للعبد في الحقيقة فهو الموصى له وقد جعل الوصية بعبد موصوف بأنه يشتري بمائة والمشتري بدون المائة غير المشتري بمائة فلا يمكن تنفيذ الوصية له بخلاف الوصية بالحج فإنها وصية بالوصول إلى البيت وإنه يحصل بالحج عنه من حيث يبلغ الثلث .
وعلى هذا إذا أوصى أن يعتق عنه نسمة بجميع ماله فلم تجز ذلك الورثة لم يشتر به شيء والوصية باطلة في قول أبي حنيفة C .
وعندهما : يشتري بالثلث وهذا بناء على المسألة الأولى وقد ذكرنا وجه القولين والله الموفق .
وأما الوصية بالإنفاق على فلان وأوصى بالقرب فحكمها وجوب فعل ما دخل تحتها الوصية لأنه هكذا أوصى ويعتبر ذلك كله من الثلث والله سبحانه وتعالى أعلم