فصل : بيان ما تبطل به الوصية .
وأما بيان ما تبطل به الوصية فالوصية تبطل بالنص على الإبطال وبدلالة الإبطال وبالضرورة .
أما النص فنحو أن يقول أبطلت الوصية التي أوصيتها لفلان أو فسختها أو نقضتها فتبطل إلا التدبير خاصة فإنه لا يبطل بالتنصيص على الإبطال مطلقا كان التدبير أو مقيدا إلا أن المقيد منه يبطل منه بدلالة الإبطال بالتمليك على ما ذكرنا وكذا إذا قال رجعت لأن الرجوع عن الوصية إبطال لها في الحقيقة وأما الدلالة والضرورة فعلى نحو ما ذكرنا في الرجوع وقد ذكرنا ما يكون رجوعا عن الوصية وما لا يكون فيما تقدم وتبطل بجنون الموصي جنونا مطبقا لأن الوصية عقد جائز كالوكالة فيكون لبقائه حكم الإنشاء كالوكالة فتعتبر أهلية العقد إلى وقت الموت كما تعتبر أهلية الأمر في باب الوكالة والجنون المطبق هو أن يمتد شهرا عند أبي يوسف وعند محمد سنة وقد ذكرنا ذلك في كتاب الوكالة ولو أغمي عليه لا تبطل لأن الإغماء لا يزيل العقل ولهذا لم تبطل الوكالة بالإغماء وتبطل بموت الموصى له قبل موت الموصي لأن العقد وقع له لا لغيره فلا يمكن إبقاؤه على غيره وتبطل بهلاك الموصى به إذا كان عينا مشارا إليها لبطلان محل الوصية أعني محل حكمه ويستحيل ثبوت حكم التصرف أو بقاؤه بدون وجود محله أو بقائه كما لو أوصى بهذه الجارية أو بهذه الشاة فهلكت الجارية والشاة .
وهل تبطل الوصية باستثناء كل الموصى به في كلام متصل ؟ .
اختلف فيه قال أبو حنيفة و أبو يوسف رحمهما الله : لا تبطل ويبطل الاستثناء وللموصى له جميع ما أوصى له به .
وقال محمد C يصح الاستثناء وتبطل الوصية ولا خلاف في أن استثناء الكل من الكل في باب الإقرار باطل ويلزم المقر جميع ما أقر به .
وجه قوله : أن الاستثناء ههنا رجوع عما أوصى به والوصية محتملة للرجوع فيحمل على الرجوع وبهذا فارقت الإقرار لأن الإقرار بالمال بما لا يحتمل الرجوع فيبطل الاستثناء ويبقى المقر به على حاله .
ولهما : أن هذا ليس باستثناء ولا رجوع فيبطل الاستثناء رأسا وتبقى الوصية صحيحة .
وبيان ذلك : أن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا واستخراج بعض الجملة الملفوظة ولا يوجد ذلك في استثناء الكل من الكل والرجوع فسخ الوصية وإبطالها ولا يتصور ذلك في الكلام المتصل ولهذا شرطنا لجواز النسخ في الأحكام الشرعية أن يكون النص الناسخ متراخيا عن المنسوخ والله سبحانه وتعالى أعلم