صفات المؤذن .
و أما الذي يرجع إلى صفات المؤذن فأنواع أيضا : .
منها : أن يكون رجلا فيكره أذان المرأة باتفاق الروايات لأنها إن رفعت صوتها فقد ارتكيت معصية و إن خفضت فقد تركت سنة الجهر و لأن أذان النساء لم يكن في السلف فكان من المحدثات و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ كل محدثة بدعة ] و لو أذنت للقوم أجزأهم حتى لا تعاد لحصول المقصود و هو الإعلام .
و روي عن أبي حنيفة أنه يستحب الإعادة و كذا أذان الصبي العاقل و إن كان جائزا حتى لا يعاد ذكره في ظاهر الرواية لحصول المقصود و هو الإعلام لكن أذان البالغ أفضل لأنه في مراعاة الحرمة أبلغ و روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال : أكره أن يؤذن من لم يحتلم لأن الناس لا يعتدون بأذانه .
و أما أذان الصبي الذي لا يعقل فلا يجزىء و يعاد لأن ما يصدر لا عن عقل لا يعتد به كصوت ا لطيور .
و منها : أن يكون عاقلا فيكره أذان المجنون و السكران الذي لا يعقل لأن الأذان ذكر معظم و تأذينهما ترك لتعظيمه و هل يعاد ذكر في ظاهر الرواية أحب إلن أن يعاد لأن عامة كلام المجنون و السكران هذيان فربما يشتبه على الناس فلا يقع به الإعلام .
و منها أن يكون تقيا لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ الإمام ضامن و المؤذن مؤتمن ] و الأمانة لا يؤديها إلا التقي .
و منها : أن يكون عالما بالسنة لقوله صلى الله عليه و سلم : [ يؤمكم أقرؤكم و يؤذن لكم خياركم ] و خيار الناس العلماء و لأن مراعاة سنن الأذان لا يتأتى إلا من العالم بها و لهذا إن أذان العبد و الأعرابي و ولد الزنا و إن كان جائزا لحصول المقصود و هو الإعلام لكن غيرهم أفضل لأن العبد لا يتفرغ لمراعاة الأوقات لاشتغاله بخدمة المولى و لأن الغالب عليه الجهل و كذا الأعرابي و ولد الزنا الغالب عليهما الجهل .
و منها : أن يكون عالما بأوقات الصلاة حتى كان البصير أفضل من الضرير لأن الضرير لا علم له بدخول الوقت و الإعلام بدخول الوقت ممن لا علم له بالدخول متعذر لكن مع هذا لو أذن يجوز لحصول الإعلام بصوته و إمكان الوقوف على المواقيت من قبل غيره في الجملة و ابن أم مكتوم كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان أعمى .
و منها : أن يكون مواظبا على الأذان لأن حصول الإعلام لأهل المسجد بصوت المواظب أبلغ من حصوله بصوت من لا عهد لهم بصوته فكان أفضل و إن أذن السوقي لمسجد المحلة في صلاة الليل و غيره في صلاة النهار يجوز لأن السوقي يحرج في الرجوع إلى المحلة في وقت كل صلاة لحاجته إلى الكسب .
و منها : أن يجعل أصبعيه في أذنيه لقول النبي صلى الله عليه و سلم لبلال : [ إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه .
أندى لصوتك و أمد ] بين الحكم و نبه على الحكمة و هي المبالغة في تحصيل المقصود و إن لم يفعل أجزأه لحصول أصل الإعلام بدونه .
و روى الحسن عن أبي حنيفة : أن الأحسن أن يجعل أصبعيه في أذنيه في الأذان و الإقامة و إن جعل .
يديه على أذنيه فحسن .
و روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه إن جعل إحدى يديه على أذنه فحسن .
و منها : أن يكون المؤذن على الطهارة لأنه ذكر معظم فإتيانه مع الطهارة أقرب إلى التعظيم و إن كان على غير طهارة بأن كان محدثا يجوز و لا يكره حتى لا يعاد في ظاهر الرواية .
و روى الحسن عن أبي حنيفة : أنه يعاد و وجهه أن للأذان شبها بالصلاة و لهذا يستقبل به القبلة كما في الصلاة ثم الصلاة لا تجوز مع الحدث فما هو شبيه بها يكره معه .
وجه ظاهر الرواية ما روي أن بلالا ربما أذن و هو على غير وضوء و لأن الحدث لا يمنع من قراءة القرآن فأولى أن لا يمنع من الأذان و إن أقام و هو محدث ذكر في الأصل و سوى بين الأذان و الإقامة فقال : و يجوز الأذان و الإقامة على غير وضوء .
و روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه قال أكره إقامة المحدث .
و الفرق أن السنة وصل الإقامة بالشروع في الصلاة فكان الفصل مكروها بخلاف الأذان و لا تعاد لأن تكرارها ليس بمشروع بخلاف الأذان .
و أما الأذان مع الجنابة فيكره في ظاهر الرواية حتى يعاد و عن أبي يوسف أنه لا يعاد لحصول المقصود و هو الإعلام و الصحيح جواب ظاهر الرواية لأن أثر الجنابة ظهر في الفم فيمنع من الذكر المعظم كما يمنع من قراءة القرآن بخلاف الحدث و كذا الإقامة مع الجنابة تكره لكنها لا تعاد لما مر .
ومنها : أن يؤذن قائما إذا أذن للجماعة و يكره قاعدا لأن النازل من السماء أذن قائما حيث وقف على حذم حائط و كذا الناس توارثوا ذلك فعلا فكان تاركه مسيئا لمخالفته النازل من السماء و إجماع الخلق و لأن تمام الإعلام بالقيام و يجزله لحصول أصل المقصود و إن أذن لنفسه قاعدا فلا بأس به لأن المقصود مراعاة سنة الصلاة لا الإعلام .
و أما المسافر فلا بأس أن يؤذن راكبا لما روي أن بلالا Bه ربما أذن في السفر راكبا و لأن له أن يترك الأذان أصلا في السفر فكان له أن يأتي به راكبا بطريق الأولى وينزل للإقامة لما روي أن بلالا أذن و هو راكب ثم نزل و أقام على الأرض و لأنه لو لم ينزل لوقع الفصل بين الإقامة و الشروع في الصلاة بالنزول و إنه مكروه .
و أما في الحضر فيكره الأذان راكبا في ظاهر الرواية و عن أبي يوسف أنه قال : لا بأس به .
ثم المؤذن يختم الإقامة على مكانه أو يتمها ماشيا .
اختلف المشايخ فيه : .
قال بعضهم : يتمها على مكانه سواء كان المؤذن إماما أو غيره و كذا روي عن أبي يوسف : و قال .
بعضهم : يتمها ماشيا .
و عن الفقيه أبي جعفر الهندواني : أنه إذا بلغ قوله : قد قامت الصلاة فهو بالخيار إن شاء مشى و إن شاء وقف إماما كان أو غيره و به أخذ الشافعي و الفقيه أبو الليث و ما روي عن أبي يوسف أصح .
و منها أن يؤذن في مسجد واحد و يكره أن يؤذن في مسجدين و يصلي في أحدهما لأنه إذا صلى في المسجد الأول يكون متنفلا بالأذان في المسجد الثاني و التنفل بالأذان غير مشروع و لأن الأذان يختص بالمكتوبات و هو في المسجد الثاني يصلي النافلة فلا ينبغي أن يدعو الناس إلى المكتوبة و هو لا يساعدهم فيها .
و منها : أن من أذن فهو الذي يقيم و إن أقام غيره فإن كان يتأذى بذلك يكره لأن اكتساب أذى المسلم مكروه و إن كان لا يتأذى به لا يكره .
و قال الشافعي : يكره تأذى به أو لم يتأذ .
و احتج بما روي [ عن أخي صداي أنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالا إلى حاجة له فأمر في أن أؤذن فأذنت فجاء بلال و أراد أن يقيم فنهاه عن ذلك و قال : إن أخا صداي هو الذي أذن و من أذن فهو الذي يقيم ] .
و لنا : ما روي [ أن عبد الله بن زيد لما قص الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له لقنها بلالا فأذن بلال ثم أمر النبي في عبد الله بن زيد فأقام ] و روي أن ابن أم مكتوم كان بؤذن و بلال يقيم و ربما أذن بلال و أقام ابن أم مكتوم و تأويل ما رواه أن ذلك كان يشق عليه لأنه روي أنه كان حديث عهد بالإسلام وكان يحب الأذان و الإقامة .
و منها : أن يؤذن محتسبا و لا يأخذ على الأذان و الإقامة أجرا و لا يحل له أخذ الأجرة على ذلك لأنه استئجار على الطاعة وذا لا يجوز لأن الإنسان في تحصيل الطاعة عامل لنفسه فلا يجوز له أخذ الأجرة عليه .
و عند الشافعي : يحل له أن يأخذ على ذلك أجرا و هي من مسائل كتاب الإجارات و في الباب حديث خاص و هو ما روي [ عن عثمان بن أبي العاص Bه أنه قال : آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أصلي بالقوم صلاة أضعفهم وأن اتخذ مؤذنا لا يأخذ عليه أجرأ ] و إن علم القوم حاجته فأعطوه شيئا من غير شرط فهو حسن لأنه من باب البر و الصدقة و المجازاة على إحسانه بمكانهم و كل ذلك حسن و الله أعلم