فصل : بيان من يصلح للإمامة في الجملة .
و أما بيان من يصلح للإمامة في الجملة فهو كل عاقل مسلم حتى تجوز إمامة العبد و الأعرابي و الأعمى و ولد الزنا و الفاسق و هذا قول العامة و قال مالك : لا تجوز الصلاة خلف الفاسق و وجه قوله إن الإمامة من باب الأمانة و الفاسق خائن و لهذا لا شهادة له لكون الشهادة من باب الأمانة .
و لنا : ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ صلوا خلف من قال : لا إله إلا الله ] و قوله صلى الله عليه و سلم : [ صلوا خلف كل بر و فاجر ] و الحديث و الله أعلم و إن ورد في الجمع و الأعياد لتعلقهما بالأمراء و أكثرهم فساق لكنه بظاهره حجة فيما نحن فيه إذ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب و كذا الصحابة رضوان الله عنهم كابن عمر و غيره و التابعون اقتدوا بالحجاج في صلاة الجمعة و غيرها مع أنه كان أفسق أهل زمانه حتى كان عمر بن العزيز يقول : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بأبي محمد لغلبناهم و أبو محمد كنية الحجاج .
و روي عن أبي سعيد مولى بني أسيد أنه قال : عرست فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم أبو ذر و حذيفة و أبو سعيد الخدري فحضرت الصلاة فقدموني فصليت بهم و أنا يومئذ عبد .
و في رواية قال : فتقدم أبو ذر ليصلي بهم فقيل له : أتتقدم وأنت في بيت غيرك فقدموني فصليت بهم و أنا يومئذ عبد و هذا حديث معروف أورده محمد في كتاب المأذون و روي [ أن رسول الله في صلى الله عليه و سلم استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة بالمدينة حين خرج إلى بعض الغزوات و كان أعمى ] و لأن جواز الصلاة متعلق بأداء الأركان و هؤلاء قادرون عليها ؟ لا أن غيرهم أولى لأن مبنى الإمامة على الفضيلة و لهذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤم غيره و لا يؤمه غيره و كذا كل واحد من الخلفاء الراشدين Bهم في عصره و لأن الناس لا يرغبون في الصلاة خلف هؤلاء فتؤدي إمامتهم إلى تقليل الجماعة و ذلك مكروه و لأن مبنى أداء الصلاة على العلم و الغالب على العبد و الأعرابي و ولد الزنا الجهل أما العبد فلأنه لا يتفرغ عن خدمة مولاه ليتعلم العلم .
و قال الشافعي : إذا ساوى العبد غيره في العلم و الورع كان هو و غيره سواء و لا تكون الصلاة خلف غيره أحب إلي .
و احتج بحديث أبي سعيد مولى بني أسيد و ذا يدل على الجواز و لا كلام فيه و تقليل الجماعة و انتقاص فضيلته عن فضيلة الأحرار يوجبان الكراهة و كذا الغالب على الأعرابي الجهل قال الله تعالى : { الأعراب أشد كفرا و نفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } و الأعرابي هو البدوي و أنه اسم ذم و العربي اسم مدح و كذا ولد الزنا الغالب من حاله الجهل لفقده من يؤدبه و يعلمه معالم الشريعة .
و لأن الإمامة أمانة عظيمة فلا يتحملها الفاسق لأنه لا يؤدي الأمانة على وجهها و الأعمى يوجهه غيره إلى القبلة فيصير في أمر القبلة مقتديا بغيره و ربما يميل في خلال الصلاة عن القبلة .
ألا ترى إلى ما روي عن ابن عباس Bهما أنه كان يمتنع عن الإمامة بعدما كف بصره و يقول : كيف أؤمكم و أنتم تعدلونني و لأنه لا يمكنه التوقي عن النجاسات فكان البصير أولى إلا إذا كان في الفضل لا يوازيه في مسجده غيره فحينئذ يكون أولى و لهذا استخلف النبي صلى الله عليه و سلم ابن أم مكتوم Bه .
و إمامة صاحب الهوى و البدعة مكروهة نص عليه أبو يوسف في الأمالي فقال : أكره أن يكون الإمام صاحب هوى و بدعة لأن الناس لا يرغبون في الصلاة خلفه .
و هل تجوز الصلاة خلفه ؟ .
قال بعض مشايخنا : إن الصلاة خلف المبتدع لا تجوز .
و ذكر في المنتقى رواية عن أبي حنيفة أنه كان لا يرى الصلاة خلف المبتدع و الصحيح أنه إن كان هوى يكفره لا تجوز و إن كان لا يكفره تجوز مع الكراهة و كذا المرأة تصلح للإمامة في الجملة حتى لو أمت النساء جاز و ينبغي أن تقوم وسطهن لما روي عن عائشة Bها : أنها أمت نسوة في صلاة العصر و قامت وسطهن .
و أمت أم سلمة نساء و قامت وسطهن و لأن مبنى حالهن على الستر و هذا أستر لها إلا أن جماعتهن مكروهة عندنا .
و عند الشافعي : مستحبة كجماعة الرجال و يروى في ذلك أحاديث لكن تلك كانت في ابتداء الإسلام ثم نسخت بعد ذلك .
و لا يباح للشواب منهن الخروج إلى الجماعات بدليل ما روي عن عمر Bه أنه نهى الشواب عن الخروج و لأن خروجهن إلى الجماعة سبب الفتنة و الفتنة حرام و ما أدى إلى الحرام فهو حرام .
و أما العجائز فهل يباح لهن الخروج إلى الجماعات فنذكر الكلام فيه في موضع آخر .
و كذا الصبي العاقل يصلح إماما في الجملة بأن يؤم الصبيان في التراويح و في إمامته البالغين فيها اختلاف المشايخ على ما مر فأما المجنون و الصبي الذي لا يعقل فليسا من أهل الإمامة أصلا لأنهما ليسا من أهل الصلاة