فصل : في بيان من يجب عليه سجود السهو و من لا يجب عليه .
و أما بيان من يجب عليه سجود السهو و من لا يجب عليه فسجود السهو يجب على الإمام و على المنفرد مقصودا لتحقق سبب الوجود منهما و هو السهو فأما المقتدي إذا سها في صلاته فلا سهو عليه لأنه لا يمكنه السجود لأنه إن سجد قبل السلام كان مخالفا للإمام و إن أخره إلى ما بعد سلام الإمام يخرج من الصلاة بسلام الإمام لأنه سلام عمد ممن لا سهو عليه فكان سهوه فيما يرجع إلى السجود ملحقا بالعدم .
لتعدد السجود عليه فسقط السجود عنه أصلا .
و كذلك اللاحق و هو المدرك لأول صلاة الإمام إذا فاته بعضها بعد الشروع بسبب النوم أو الحدث السابق بأن نام خلف الإمام ثم انتبه و قد سبقه الإمام بركعة أو فرغ من صلاته أو سبقه الحدث فذهب و توضأ و قد سبقه الإمام بشيء من صلاته أو فرخ عنها فاشتغل بقضاء ما سبق به فسها فيه لا سهو عليه لأنه في حكم المصلي خلف الإمام ألا ترى أنه لا قراءة عليه و أما المسبوق إذا سها فيما يقضي وجب عليه السهو لأنه فيما يقضي بمنزلة المنفرد ألا ترى أنه يفترض عليه القراءة .
و أما المقيم إذا اقتدى بالمسافر ثم قام إلى إتمام صلاته وسها هل يلزمه سجود السهو ذكر في الأصل و قال : إنه يتابع الإمام في سجود السهو و إذا سها فيما يتم فعليه سجود السهو أيضا و ذكر الكرخي في مختصره أنه كاللاحق لا يتابع الإمام في سجود السهو و إذا سها فيما يتم لا يلزمه سجود السهو لأنه مدرك لأول الصلاه فكان في حكم المقتدي فيما يؤديه بتلك التحريمة كاللاحق و لهذا لا يقرأ كاللاحق و الصحيح ما ذكر في الأصل لأنه ما اقتدى بإمامه إلا بقدر صلاة الإمام فإذا انقضت صلاة الإمام صار منفردا فيما وراء ذلك و إنما لا يقرأ فيما يتم لأن القراءة فرض في الأوليين و قد قرأ الإمام فيهما فكانت قراءة .
له و سهو الإمام يوجب السجود عليه و على المقتدي لأن متابعة الإمام واجبة قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ تابع إمامك على أي حال وجدته ] و لأن المقتدي تابع للإمام و الحكم في التبع ثبت بوجود السبب في الأصل فكان .
سهو الإمام سببا لوجوب السهو عليه و على المقتدي و لهذا لو سقط عن الإمام بسبب من الأسباب بأن تكلم أو أحدث متعمدا أو خرج من المسجد يسقط عن المقتدي .
و كذلك اللاحق يسجد لسهو الإمام إذا سها في حال نوم اللاحق أو ذهابه إلى الوضوء لأنه في حكم أو المصلي خلفه و لكن لا يتابع الإمام في سجود السهو إذا انتبه في حال اشتغال الإمام بسجود السهو أو جاء إليه من الوضوء في هذه الحالة بل يبدأ بقضاء ما فاته ثم يسجد في آخر صلاته بخلاف المسبوق أو المقيم خلف المسافر حيث يتابع الإمام في سجود السهو ثم يشتغل بالإتمام .
و الفرق : أن اللاحق التزم متابعة الإمام فيما اقتدى به على نحو ما فصل الإمام و أنه اقتدى به في حق جميع الصلاة فيتابعه في جميعها على نحو ما يؤدي الإمام و الإمام أدى الأول فالأول و سجد لسهوه في آخر صلاته فكذا هو فأما المسبوق فقد التزم بالاقتداء به متابعته بقدر ما هو صلاة الإمام و قد أدرك هذا القدر فيتابعه فيه ثم ينفرد و كذا المقيم المقتدي بالمسافر .
و لو سجد اللاحق مع الإمام للسهو و تابعه فيه لم يجزه لأنه سجد قبل أوانه في حقه فلم يقع معتدا به فعليه أن يعيد إذا فرغ من قضاء ما عليه و لكن لا تفسد صلاته لأنه ما زاد إلا سجدتين بخلاف المسبوق إذا تابع الإمام في سجود السهو ثم تبين أنه لم يكن على الإمام سهو حيث تفسد صلاة المسبوق إذا تابع الإمام و ما زاد إلا سجدتين لأن من الفقهاء من قال : لا تفسد صلاة المسبوق على ما نذكره .
ثم الفرق أن فساد الصلاة هناك ليس لزيادة السجدتين بل للاقتداء في موضع كان عليه الانفراد في ذلك الموضع ولم يوجد ههنا لأن اللاحق مقتد في جميع ما يؤدي فلهذا لم تفسد صلاته .
و كذلك المسبوق يسجد لسهو الإمام سواء كان سهوه بعد الاقتداء به أو قبله لأن كان مسبوقا بركعة وقد سها الإمام فيها .
و عن إبراهيم النخعي : أنه لا يسجد لسهوه أصلا لأن محل السهو بعد السلام و أنه لا يتابعه في السلام فلا يتصور المتابعة في السهو .
و لنا أن سجود السهو يؤدي في تحريمة الصلاة فكانت الصلاة باقية و إذا بقيت الصلاة بقيت التبعية فيتابعه فيما يؤدي من الأفعال بخلاف التكبير و التلبية حتى لا يلبي المسبوق و لا يكبر مع الإمام في أيام التشريق لأن التكبير والتلبية لا يؤديان في تحريمة الصلاة ألا ترى أنه لو ضحك قهقهة في تلك الحالة لاتنتقض طهارته ولو اقتدى به إنسان لا يصح بخلاف سجدتي السهو فإنهما يؤديان في تحريمة الصلاة بدليل .
انتقاض الطهارة بالقهقهة وصح الاقتداء به في تلك الحالة .
فإن قيل : ينبغي أن لا يسجد المسبوق مع الإمام لأنه ربما يسهو فيما يقضي فيلزمه السجود أيضا فيؤدي إلى التكرار وأنه غير مشروع ! ولأنه لو تابعه في السجود يقع سجوده في وسط الصلاة وذا غير صواب .
فالجواب : أن التكرار في صلاة واحدة غير مشروع وهما صلاتان حكما وإن كانت التحريمة واحدة لأن المسبوق فيما يقضي كالمنفرد ونظيره المقيم إذا اقتدى بالمسافر فسها الإمام يتابعه المقيم في السهو وان كان المقتدي ربما يسهو في إتمام صلاته وعلى تقدير السهو يسجد في أصح الروايتين على ما مر لكن لما كان منفردا في ذلك كانا صلاتين حكما وإن كانت التحريمة واحدة كذا ههنا .
ثم المسبوق إنما يتابع الإمام في السهو دون السلام بل ينتظر الإمام حتى يسلم فيسجد فيتابعه في سجود السهو لا في سلامه وإن سلم فإن كان عامدا تفسد صلاته وإن كان ساهيا لا تفسد ولا سهو عليه لأنه مقتد وسهو المقتدي باطل فإذا سجد الإمام للسهو يتابعه في السجود ويتابعه في التشهد ولا يسلم إذا سلم الإمام لأن السلام للخروج عن الصلاة وقد بقي عليه أركان الصلاة فإذا سلم مع الإمام فإن كان .
ذاكرا لما عليه من القضاء فسدت صلاته لأنه سلام عمد و إن لم يكن ذاكرا له لا تفسد لأنه سلام سهو فلم .
يخرجه عن الصلاة .
وهل يلزمه سجود السهو لأجل سلامه ينظر إن سلم قبل تسليم الإمام أو سلما معا لا يلزمه لأن سهوه سهو المقتدي وسهو المقتدي متعطل و إن سلم بعد تسليم الإمام لزمه لأن سهوه سهو المنفرد فيقضي ما فاته ثم يسجد للسهو في آخر صلاته .
ولو سها الإمام في صلاة الخوف سجد للسهو وتابعه فيهما الطائفة الثانية وأما الطانفة الأولى فإنما .
يسجدون بعد الفراغ من الإتمام لأن الطائفة الثانية بمنزلة المسبوقين إذا لم يدركوا مع الإمام أول الصلاة والطائفة الأولى بمنزلة اللاحقين لإدراكهم أول صلاة الإمام .
ولو قام المسبوق إلى قضاء ما سبق به ولم يتابع الإمام في السهو سجد في آخر صلاته استحسانا .
والقياس : أن يسقط لأنه منفرد فيما يقضي وصلاة المنفرد غير صلاة المقتدي فصار كمن لزمته السجدة في صلاة فلم يسجد حتى خرج منها ودخل في صلاة أخرى لا يسجد في الثانية بل يسقط كذا هذا .
وجه الاستحسان : أن التحريمة متحدة فإن المسبوق يبني ما يقضي على تلك التحريمة فجعل الكل كأنها صلاة واحدة لاتحاد التحريمة و إذا كان الكل صلاة واحدة وقد تمكن فيها النقصان بسهو الإمام ولم يجبر ذلك بالسجدتين فوجب جبره .
وقد خرج الجواب عن وجه القياس أنه منفرد في القضاء لأنا نقول نعم في الأفعال أما هو مقتد في التحريمة ألا ترى أنه لا يصح اقتداء غير به فجعل كأنه خلف الإمام في حق التحريمة ولو سها فيما يقضي ولم يسجد لسهو الإمام كفاه سجدتان لسهوه ولما عليه من قبل الإمام لأن تكرار السهو في صلاة واحدة غير مشروع ولو سجد لسهو الإمام ثم سها فيما يقضي فعليه السهو لما أمر أن ذلك إذا سهوين في صلاتين حكما فلم يكن تكرارا .
ولو أدرك الإمام بعد ما سلم للسهو فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه : أما إن أدركه فبل السجود أو في حال السجود أو بعد ما فرغ من السجود فإن أدركه قبل السجود أو في حال السجود يتابعه في السجود لأنه بالاقتداء التزم متابعة الإمام فيما أدرك من صلاته وسجود السهو من أفعال صلاة الإمام فيتابعه فيه وليس عليه قضاء السجدة الأولى إذا أدركه في الثانية لأن المسبوق لم يوجد منه السهو و إنما يجب عليه السجود لسهو الإمام لتمكن النقص في تحريمة الإمام وحين دخل في صلاة الإمام كان النقصان بقدر ما يرتفع بسجدة واحدة وهو قد أتى بسجدة واحدة فانجبر النقص فلا يجب عليه شيء آخر .
بخلاف ما إذا اقتدى به قبل أن يسجد شيئا ثم لم يتابع إمامه وقام وأتم صلاته حيث يسجد السجدتين استحسانا لأن هناك اقتدى بالإمام وتحريمته ناقصة نقصانا لا ينجبر إلا بسجدتين وبقي النقصان لانعدام الجابر فيأتي به في آخر الصلاة لاتحاد التحريمة على ما مر وإن أدركه بعد ما فرغ من السجود صح اقتداؤه به وليس عليه السهو بعد فراغه من صلاة نفسه لما ذكرنا إن وجوب السجود على المسبوق بسبب سهو الإمام لتمكن النقص في تحريمة الإمام وحين دخل في صلاة الإمام كان النقص انجبر بالسجدتين ولا يعقل وجود الجابر من غير نقص والله أعلم .
ومن سلم وعليه سهو فسبقه الحدث فهذا لا يخلو إما إن كان منفردا أو إماما فإن كان منفردا توضأ وسجد لأن الحدث السابق لا يقطع التحريمة ولا يمنع بناء بعض الصلاة على البعض فلأن لا يمنع بناء سجدتي السهو أولى وإن كان إماما استخلف لأنه عجز عن سجدتي السهو فيقدم الخليفة ليسجد كما لو بقي عليه ركن أو التسليم .
ثم لا ينبغي أن يقدم المسبوق ولا للمسبوق أن يتقدم لأن غيره أقدر على إتمام صلاة الإمام بل يقدم رجلا أدرك أول صلاة الإمام فيسلم بهم ويسجد سجدتي السهو ولكن مع هذا لو قدمه أو تقدم جاز لأنه قادر على إتمام الصلاة في الجملة ولا يأتي بسجدتي السهو لأن أوان السجود بعد التسليم وهو عاجز عن التسليم لأن عليه البناء فلو سلم لفسدت صلاته لأنه سلام عمد وعليه ركن وحينئذ يتعذر عليه البناء فيتأخر ويقيم مدركا ليسلم بهم ويسجد سجدتي السهو ويسجد هو معهم كما لو كان الإمام هو الذي يسجد لسهوه ثم يقوم إلى قضاء ما سبق به وحده وإن لم يسجد مع خليفته سجد في آخر صلاته استحسانا على ما ذكرنا في حق الإمام الأول .
فإن لم يجد الإمام المسبوق مدركا وكان الكل مسبوقين قاموا وقضوا ما سبقوا به فرادى لأن تحريمة المسبوق انعقدت للأداء على الانفراد ثم إذا فرغوا لا يسجدون في القياس وفي الاستحسان : يسجدون وقد بينا وجه القياس والاستحسان .
ولو قام المسبوق إلى قضاء ما سبق به بعد ما سلم الإمام ثم تذكر الإمام أن عليه سجود السهو فسجدهما يعود إلى صلاة الإمام ولا يقتدي ولا يعتد بما قرأ وركع .
والجملة في المسبوق : إذا قام إلى قضاء ما عليه فقضاه أنه لا يخلو ما قام إليه وقضاه إما أن يكون قبل أن يقعد الإمام قدر التشهد أو بعد ما قعد قدر التشهد فإن كان ما قام إليه وقضاه قبل أن يقعد الإمام قدر التشهد لم يجزه لأن الإمام ما بقي عليه فرض لم ينفرد المسبوق به عنه لأنه التزم متابعته فيما بقي عليه من الصلاة وهو قد بقي عليه فرض وهو القعدة فلم ينفرد فبقي مقتديا .
وقراءة المقتدي خلف الإمام لا تعتبر قراءة من صلاته و إنما تعتبر من قيامه وقراءته ما كان بعد ذلك فإن كان مسبوقا بركعة أو ركعتين فوجد بعد ما قعد الإمام قدر التشهد قيام وقراءة قدر ما تجوز به الصلاة جازت صلاته لأنه لما قعد الإمام قدر التشهد فقد انفرد لانقطاع التبعية بانفضاء أركان صلاة الإمام فقد أتى بما فرض عليه من القيام والقراءة في أوانه فكان معتدا به و إن لم يوجد مقدار ذلك أو وجد القيام دون القراءة لا تجوز صلاته لانعدام ما فرض عليه في أوانه وإن كان مسبوقا بثلاث ركعات فإن لم يركع حتى فرغ الإمام من التشهد ثم ركع وقرأ في الركعتين بعد هذه الركعة جازت صلاته لأن القيام فرض في كل ركعة وفرض القراءة في الركعتين ولا يعتد بقيامه ما لم يفرغ الإمام من التشهد فإذا فرغ الإمام من التشهد قبل أن يركع هو فقد وجد القيام وإن قل في هذه الركعة ووجدت القراءة في الركعتين بعد هذه الركعة فقد أتى بما فرض عليه فتجوز صلاته وإن كان ركع قبل فراغ الإمام من التشهد لم تجز صلاته لأنه لم يوجد قيام يعتد به في هذه الركعة ؟ لأن ذلك هو القيام بعد تشهد الإمام ولم يوجد فلهذا فسدت صلاته .
وأما إذا قام المسبوق إلى قضاء ما عليه بعد فراغ الإمام من التشهد قبل السلام فقضاه أجزأه وهو مسيء أما الجواز فلأن قيامه حصل بعد فراغ الإمام من أركان الصلاة وأما الإساءة فلتركه انتظار سلام الإمام لأن أوان قيامه للقضاء بعد خروج الإمام من الصلاة فينبغي أن يؤخر القيام عن السلام .
ولو قام بعد ما سلم ثم تذكر الإمام سجدتي السهو فخر لهما فهذا على وجهين إما إن كان المسبوق قيد ركعته بالسجدة أو لم يقيد فإن لم يقيد ركعته بالسجدة رفض ذلك ويسجد مع الإمام لأن ما أتى به ليس بفعل كامل وكان محتملا للرفض ويكون تركه قبل التمام منعا له عن النبوت حقيقة فجعل كأن لم يوجد فيعود ويتابع إمامه لأن متابعة الإمام في الواجبات واجبة وبطل ما أتى به من القيام والقراءة والركوع لما بينا .
فإن لم يعد إلى متابعة الإمام ومضى على قضائه جازت صلاته لأن عود الإمام إلى سجود السهو لا يرفع التشهد والباقي على الإمام سجود السهو وهو واجب والمتابعة في الواجب واجبة فترك الواجب لا يوجب فساد الصلاة ألا ترى لو تركه الإمام لا تفسد صلاته فكذا المسبوق ويسجد سجدتي السهو بعد الفراغ من قضائه استحسانا .
و إن كان المسبوق قيد ركعته بالسجدة لا يعود إلى متابعة الإمام لأن الانفراد قد تم وليس على الإمام ركن ولو عاد فسدت صلاته لأنه اقتدى بغيره بعد وجود الانفراد ووجوبه فتفسد صلاته .
ولو ذكر الإمام سجدة تلاوة فسجدها فإن كان المسبوق لم يقيد ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الإمام لما مر فيسجد معه للتلاوة ويسجد للسهو ثم يسلم الإمام ويقوم المسبوق إلى قضاء ما عليه ولا يعتد بما أتى به من قبل لما مر ولو لم يعد فسدت صلاته لأن عود الإمام إلى سجدة التلاوة يرفض القعدة في حق وهو بعد لم يصر منفردا لأن ما أتى به دون فعل صلاة فترتفض القعدة في حقه أيضا فإذا ارتفضت في حقه لا يجوز له الانفراد لأن هذا أوان وجوب المتابعة والانفراد في هذه الحالة مفسد للصلاة .
و إن كان قد قيد ركعته بالسجدة فإن عاد إلى متابعة الإمام فسدت صلاته رواية واحدة وإن لم يعد ومضى عليها ففيه روايتان ذكر في الأصل أن صلاته فاسدة وذكر في نوادرا أبي سليمان أنه لا تفسد صلاته .
وجه رواية الأصل : أن العود إلى سجدة التلاوة يرفض القعدة فتبين أن المسبوق انفرد قبل أن يقعد الإمام والانفراد في موضع يجب فيه الاقتداء مفسد للصلاة .
وجه : نوادر أبي سليمان أن ارتفاض القعدة في حق الإمام لا يظهر في حق المسبوق لأن ذلك بالعود إلى التلاوة والعود حصل بعد ما تم انفراده عن الإمام وخرج عن متابعته فلا يتعدى حكمه إليه ألا ترى أن جميع الصلاة لو ارتفضت بعد انقطاع المتابعة لا يظهر في حق المؤتم بأن ارتد الإمام بعد الفراغ من الصلاة والعياذ بالله بطلت صلاته ولا تبطل صلاة القوم ففي حق القعدة أولى ولذا لو صلى الظهر بقوم يوم الجمعة ثم راح إلى الجمعة فأدركها ارتفض ظهره ولم يظهر الرفض في حق القوم بخلاف ما إذا لم يقيد ركعته بالسجدة لأن هناك الانفراد لم يتم على ما قررنا .
ونظير هذه المسألة مقيم اقتدى بمسافر وقام إلى إتمام صلاته بعد ما تشهد الإمام قبل أن يسلم ثم نوى .
الإمام الإقامة حتى تحول فرضه أربعا فان لم يقيد ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الإمام و إن لم يعد فسدت صلاته و إن كان قيد ركعته بالسجدة فإن عاد فسدت صلاته وإن لم يعد ومضى عليهما وأتم صلاته لا تفسد .
ولو ذكر الإمام أن عليه سجدة صلبية فإن كان المسبوق لم يقيد ركعته بالسجدة لا شك أنه يجب عليه العود ولو لم يعد فسدت صلاته لما مر في سجدة التلاوة وإن قيد ركعته بالسجدة فصلاته فاسدة عاد إلى المتابعة أو لم يعد في الروايات كلها لأنه انتقل عن صلاة الإمام وعلى الإمام ركنان السجدة والقعدة وهو عاجز عن متابعته بعد إكمال الركعة ولو انتقل وعليه ركن واحد وعجز عن متابعته تفسد صلاته فههنا أولى .
رجل صلى الظهر خمسا ثم تذكر فهذا لا يخلو إما أن يكون قعد في الرابعة قدر التشهد أو لم يقعد وكل وجه على وجهين : إما أن قيد الخامسة بالسجدة أو لم يقيد فإن قعد في الرابعة قدر التشهد وقام إلى الخامسة فإن لم يقيدها بالسجدة حتى تذكر يعود إلى القعدة ويتمها ويسلم لما مر و إن قيدها بالسجدة لا يعود عندنا خلافا للشافعي على ما مر .
ثم عندنا إذا كان ذلك في الظهر أو في العشاء فالأولى أن يضيف إليها ركعة أخرى ليصيرا له نفلا إذ التنفل بعدهما جائز وما دون الركعتين لا يكون صلاة تامة كما قال ابن مسعود Bه : والله ما أجزأت ركعة قط وإن كان في العصر لا يضيف إليها ركعة أخرى بل يقطع لأن التنفل بعد العصر غير مشروع وروى هشام عن محمد أنه يضيف إليها أخرى أيضا لأن التنفل بعد العصر إنما يكره إذا شرع فيه قصدا فأما إذا وقع فيه بغير قصده فلا يكره ولو لم يضف إليها ركعة أخرى في الظهر بل قطعها لا قضاء عليه عندنا وعند زفر : يقضي ركعتين وهي مسألة الشروع في الصلاة المظنونة والصوم الظنون لأن .
الشروع ههنا في الخامسة على ظن أنها عليه .
ولو أضاف إليها أخرى في الظهر هل تجزىء هاتان الركعتان عن السنة التي بعد الظهر .
قال بعضهم : يجزيان لأن السنة بعد الظهر ليست إلا ركعتين يؤديان نفلا وقد وجد والصحيح : أنهما لا يجزيان عنها لأن السنة أن يتنفل بركعتين بتحريمة على حدة لا بناء على تحريمة غيرها فلم يوجد هيئة السنة فلا تنوب عنها وبه كان يفتي الشيخ أبو عبد الله الجرجاني C تعالى .
ثم إذا أضاف إليها ركعة أخرى فعليه السهو استحسانا والقياس أن لا سهو عليه لان السهو تمكن في .
الفرض وقد أدى بعدها صلاة أخرى .
وجه الاستحسان : أنه إنما بنى النفل على تلك التحريمة وقد تمكن فيها النقص بالسهو فيجبر بالسجدتين على ما ذكرنا في المسبوق .
ثم اختلف أصحابنا أن هاتين السجدتين للنقص المتمكن في الفرض أو للنقص المتمكن في النفل فعند أبي يوسف للنقص المتمكن في النفل لدخوله فيه لا على وجه السنة .
وعند محمد للنقص الذي تمكن في الفرض .
فالحاصل : أن عند أبي يوسف انقطعت تحريمة الفرض بالانتقال إلى النفل فلا وجه إلى جبر نقصان .
الفرض بعد الخروج منه وانقطاع تحريمته .
وعند محمد : التحريمة باقية لأنها اشتملت على أصل الصلاة ووصفها وبالانتقال إلى النفل انقطع الوصف لا غير فبقيت التحريمة .
ألا ترى أن بناء النفل على تحريمة الفرض جائز في حق الاقتداء حتى جاز اقتداء المتنفل بالمفترض فكذا بناء فعل نفسه على تحريمة فرضه يكون جائزا والأصل في البناء هو البناء في إحرام واحد .
وفائدة هذا الخلاف : أنه لو جاء إنسان واقتدى به في هاتين الركعتين يصلي ركعتين عند أبي يوسف ولو أفسده يلزمه قضاء ركعتين وإن كان الإمام لو أفسده لا قضاء عليه عند أصحابنا الثلاثة .
ومن هذا صحح مشايخ بلخ اقتداء البالغين بالصبيان في التطوعات فقالوا : يجوز أن تكون الصلاة مضمونة في حق المقتدي وإن لم تكن مضمونة في حق الامام استدلالا بهذه المسألة ومشايخنا بما وراء النهر لم يجوزوا ذلك وعند محمد يصلي ستا ولو أفسدها لا يجب عليه القضاء كما لا يجب على الإمام .
وذكر الشيخ أبو منصور الماتريدي أن الأصح أن تجعل السجدتان جبرا للنفص المتمكن في الإحرام وهو إحرام واحد فينجبر بهما النقص المتمكن في الفرض والنفل جميعا وإليه ذهب الشيخ أبو بكر بن أبي سعيد C تعالى .
هذا الذي ذكرنا إذا قعد في الرابعة قدر التشهد .
فأما إذا لم يقعد وقام إلى الخامسة فإن لم يقيدها بالسجدة يعود لما مر وإن قيد فسد فرضه وعند الشافعي لا يفسد ويعود إلى القعدة ويخرج عن الفرض بلفظ السلام بعد ذلك وصلاته تامة بناء على أصله الذي ذكرنا أن الركعة الكاملة في احتمال النقص وما دونها سواء فكان كما لو تذكر قبل أن يقيد الخامسة بسجدة وروي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر خمسا ] ولم ينقل أنه كان قعد في الرابعة ولا أنه أعاد صلاته .
ولنا : ما ذكرنا أنه وجد فعل كامل من أفعال الصلاة وقد انعقد نفلا فصار خارجا من الفرض ضرورة حصوله في النفل لاستحالة كونه فيهما وقد بقي عليه فرض وهو القعدة الأخيرة والخروج عن الصلاة مع بقاء فرض من فرائضها يوجب فساد الصلاة .
وأما الحديث فتأويله أنه كان قعد في الرابعة ألا ترى أن الراوي قال صلى الظهر والظهر اسم لجميع أركانها .
ومنها : القعدة وهذا هو الظاهر أنه قام إلى الخامسة على تقدير أن هذه القعدة هي القعدة الأولى لأن هذا أقرب إلى الصواب فيحمل فعله عليه والله أعلم .
ثم الفساد عند أبي يوسف بوضع رأسه بالسجدة وعند محمد : برفع رأسه عنها حتى لو سبقه الحدث .
في هذه الحالة لا تفسد صلاته عند محمد وعليه أن ينصرف ويتوضأ ويعود ويشهد ويسلم ويسجد سجدتي .
السهو لأن السجدة لا تصح مع الحدث فكأنه لم يسجد .
وعند أبي حنيفة و أبي يوسف : فسدت صلاته بنفس الوضع فلا يعود .
ثم الذي يفسد عند أبي حنيفة و أبي يوسف الفرضية لا أصل الصلاة حتى كان الأولى أن يضيف إليها ركعة أخرى فتصير الست له نفلا ثم يسلم ثم يستقبل الظهر .
وعند محمد : يفسد أصل الصلاة بناء على أن أصل الفرضية متى بطلت بطلت التحريمة عنده وعندهما : لا تبطل .
وهذا الخلاف غير منصوص عليه و إنما استخرج من مسألة ذكرها في الأصل في باب الجمعة وهو أن مصلي الجمعة إذا خرج وقتها وهو وقت الظهر قبل إتمام الجمعة ثم قهقه تنتقض طهارته عندهما وعنده : لا تنتقض وهذا يدل على أنه بقي نفلا عندهما خلافا له وكذا ترك القعدة في كل شفع من التطوع عنده مفسد وعندهما غير مفسد وهذه مسألة عظيمة لها شعب كثيرة أعرضنا عن ذكر تفاصيلها وجملها ومعاني الفصول وعللها إحالة إلى الجامع الصغير وإنما أفردنا هذه المسألة بالذكر وإن كان بعض فروعها دخل في بعض ما ذكرنا من الأقسام لما أن لها فروعا أخرى لا تناسب مسائل الفصل وكرهنا قطع الفرع عن الأصل فرأينا الصواب في إيرادها بفروعها في آخر الفصل تتميما للفائدة والله الموفق