فصل : وأما الذي هو عند الخروج من الصلاة .
وأما الذي هو عند الخروج من الصلاة فلفظ السلام عندنا وعند مالك و الشافعي فرض والكلام في التسليم يقع في مواضع : في بيان صفته أنه فرض أم لا وفي بيان قدره وفي بيان كيفيته وفي بيان سننه وفي بيان حكمه .
أما صفته : فأصابة لفظة السلام ليست بفرض عندنا ولكنها واجبة ومن المشايخ من أطلق اسم السنة عليها وأنها لا تنافي الوجوب لما عرف وعند مالك و الشافعي فرض حتى لو تركها عامدا كان مسيئا ولو تركها ساهيا يلزمه سجود السهو عندنا وعندهما : لو تركها تفسد صلاته احتجا بقوله : صلى الله عليه و سلم [ وتحليلها التسليم ] ( خص التسليم بكونه محللا فدل أن التحليل بالتسليم ) على التعيين فلا يتحلل بدونه ولأن الصلاة عبادة لها تحليل وتحريم فيكون التحليل فيها ركنا قياسا على الطواف في الحج .
ولنا : ما روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لابن مسعود Bه حين علمه التشهد : إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت ما عليك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد ] والاستدلال به من وجهين : أحدهما : أنه جعله قاضيا ما عليه عند هذا الفعل أو القول وما : للعموم فيما لا يعلم فيقتضي أن يكون قاضيا جميع ما عليه ولو كان التسليم فرضا لم يكن قاضيا جميع ما عليه بدونه لأن التسليم يبقى عليه .
والثاني : أنه خيره بين القيام والقعود من غير شرط لفظ التسليم ولو كان فرضا ما خيره ولأن ركن الصلاة ما تتأدى به الصلاة والسلام خروج عن الصلاة وترك لها لأنه كلام وخطاب لغيره فكان منافيا للصلاة فكيف يكون ركنا لها .
وأما الحديث فليس فيه نفي التحليل بغير التسليم إلا أنه خص التسليم لكونه واجبا والاعتبار بالطواف غير سديد لأن الطواف ليس بمحلل إنما المحلل هو الحلق إلا أنه توقف بالإحلال على الطواف فإذا طاف حل بالحلق لا بالطواف والحلق ليس بركن فنزل السلام في باب الصلاة منزلة الحلق في باب الحج وينبني على هذا أن السلام ليس من الصلاة عندنا وعند الشافعي التسليمة الأولى من الصلاة والصحيح قولنا لما بينا .
وأما الكلام في قدره : فهو أنه يسلم تسليمتين إحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره عند عامة العلماء وقال بعضهم : يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه وهو قول مالك وقيل : هو قول الشافعي .
وقال بعضهم : يسلم تسليمة واحدة عن يمينه وقال مالك في قول : لم يسلم المقتدي تسليمتين ثم يسلم تسليمة ثالثة ينوي بها رد السلام على الإمام واحتجوا بما روي [ عن عائشة Bها : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسلم تسليمة تلقاء وجهه ] .
وروي [ عن سهل بن سعد Bه : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسلم تسليمة عن يمينه ] ولأن التسليم .
شرع للتحليل وأنه يقع بالواحدة فلا معنى للثانية .
ولنا : ما روي [ عن عبد الله بن مسعود أنه قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلف أبي بكر وعمر Bهما وكانوا يسلمون تسليمتين عن أيمانهم ومن شمائلهم ] .
وروي [ عن علي Bه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسلم تسليمتين أولهما أرفعهما ] ولأن .
إحدى التسليمتين للخروج عن الصلاة والثانية للتسوية بين القوم في التحية .
وأما الأحاديث فالأخذ بما روينا أولى لأن عليا و ابن مسعود Bهما كانا من كبار الصحابة وكانا يقومان بقربه صلى الله عليه و سلم كما قال : [ ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ] فكانا أعرف بحال النبي صلى الله عليه و سلم وعائشة Bها كانت تقوم في حيز صفوف النساء وهو آخر الصفوف وسهل بن سعد .
كان من الصغار وكان في أخريات الصفوف فكانا يسمعان التسليمة الأولى لرفعه صلى الله عليه و سلم بها صوته ولا يسمعان الثانية لخفضه بها صوته .
وقولهم : التحليل يحصل بالأولى فكذلك ولكن الثانية ليست للتحليل بل للتسوية بين القوم في التسليم عليهم والتحية وبه تبين أنه لا حاجة إلى التسليمة الثالثة لأنه لا يحصل بها التحليل ولا التسوية بين القوم في التحية ورد السلام على الإمام يحصل بالتسليمتين إليه أشار أبو حنيفة حين سأله أبو يوسف : هل يرد على الإمام السلام من خلفه فيقول : وعليك ؟ .
قال : لا وتسليمهم رد عليه ولأن التسليمة الثالثة لو كانت ثابتة لفعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم ولعلمها الأمة .
فعلا كما فعلوا التسليمتين .
وأما كيفية التسليم فهو أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله وهذا قول عامة العلماء وقال مالك يقول السلام عليكم ولا يزيد عليه والصحيح قول العامة لما روي عن ابن مسعود وعمار وعتبة Bهم وغيرهم عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول هكذا .
وأما سنن التسليم فنذكرها في باب سنن هذه الصلوات .
وأما حكمه : فهو الخروج من الصلاة ثم الخروج يتعلق بإحدى التسليمتين عند عامة العلماء .
وقد روي عن محمد أنه قال : التسليمة الأولى للخروج والتحية والتسليمة الثانية للتحية خاصة وقال بعضهم : لا يخرج ما لم يوجد التسليمتين جميعا وهو خلاف إجماع السلف ولأن التسليم تكليم القوم لأنه خطاب لهم فكان منافيا للصلاة ألا ترى أنه لو وجد في وسط الصلاة يخرجه عن الصلاة والله أعلم