فصل : في بيان وقت التكبير .
وأما وقت التكبير : فقد اختلف الصحابة Bهم في ابتداء وقت التكبير وانتهائه اتفق شيوخ الصحابة نحو عمر وعلي و عبد الله بن مسعود وعائشة Bهم على البداية بصلاة الفجر من يوم عرفة وبه أخذ علماؤنا في ظاهر الرواية واختلفوا في الختم .
قال ابن مسعود يختم عند العصر من يوم النحر يكبر ثم يقطع وذلك ثمان صلوات وبه أخذ أبو حنيفة C وقال علي : يختم عند العصر من آخر أيام التشريق فيكبر لثلاث وعشرين صلاة وهو إحدى الروايتين عن عمر Bه وبه أخذ أبو يوسف و محمد وفي رواية عن عمر Bه : يختم عند الظهر من آخر أيام التشريق .
وأما الشبان من الصحابة منهم : ابن عباس و ابن عمر Bهم فقد اتفقوا على البداية بالظهر من يوم النحر وروي عن أبي يوسف أنه أخذ به غير أنهما اختلفا في الختم فقال ابن عباس : يختم عند الظهر من آخر أيام التشريق وقال ابن عمر : يختم عند الفجر من آخر أيام التشريق وبه أخذ الشافعي .
أما الكلام في البداية فوجه رواية أبي يوسف قول الله تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله } أمر بالذكر عقب قضاء المناسك وقضاء المناسك إنما يقع في وقت الضحوة من يوم النحر فاقتضى وجوب التكبير في الصلاة التي تليه وهي الظهر وجه ظاهر الرواية قوله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } وهي أيام العشر فكان ينبغي أن يكون التكبير في جميعها واجبا إلا أن ما قبل يوم عرفة خص بإجماع الصحابة ولا إجماع في يوم عرفة والأضحى فوجب التكبير فيهما عملا بعموم النص ولأن التكبير لتعظيم الوقت الذي شرع فيه المناسك وأوله يوم عرفة إذ فيه يقام معظم أركان الحج وهو الوقوف ولهذا قال مكحول : يبدأ بالتكبير من صلاة الظهر من يوم عرفة لأن وقت الوقوف بعد الزوال ولا حجة له في الآية لأنها ساكتة عن الذكر قبل قضاء المناسك فلا يصح التعلق بها .
وأما الكلام في الختم : فالشافعي مر على أصله من الأخذ بقول الأحداث من الصحابة Bهم لوقوفهم على ما استقر من الشرائع دون ما نسخ خصوصا في موضع الاحتياط لكون رفع الصوت بالتكبير بدعة إلا في موضع ثبت بالشرع و أبو يوسف و محمد احتجا بقوله تعالى : { واذكروا الله في أيام معدودات } وهي أيام التشريق فكان التكبير فيها واجبا ولأن التكبير شرع لتعظيم أمر المناسك وأمر المناسك إنما ينتهي بالرمي فيمتد التكبير إلى آخر وقت الرمي ولأن الأخذ بالأكثر من باب الاحتياط لأن الصحابة Bهم اختلفوا في هذا ولأن يأتي بما ليس عليه أولى من أن يترك ما عليه بخلاف تكبيرات العيد حيث لم نأخذها هناك بالأكثر لأن الأخذ بالاحتياط عند تعارض الأدلة وهناك ترجح قول ابن مسعود لما نذكر في موضعه والأخذ بالراجح أولى وههنا لا رجحان بل استوت مذاهب الصحابة Bهم في الثبوت وفي الرواية عن النبي صلى الله عليه و سلم فيجب الأخذ بالاحتياط .
وجه قول أبي حنيفة : أن رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل لأنه ذكر والسنة في الأذكار المخافتة لقوله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } ولقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ خير الدعاء الخفي ] ولذا هو أقرب إلى التضرع والأدب وأبعد عن الرياء فلا يترك هذا الأصل إلا عند قيام الدليل المخصص جاء المخصص للتكبير من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر وهو قوله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } وهي عشر ذي الحجة والعمل بالكتاب واجب إلا فيما خص بالإجماع وانعقد الإجماع فيما قبل يوم عرفة أنه ليس بمراد ولا إجماع في يوم عرفة ويوم النحر فوجب العمل بظاهر الكتاب عند وقوع الشك في الخصوص .
وأما فيما وراء العصر من يوم النحر فلا تخصيص لاختلاف الصحابة وتردد التكبير بين السنة والبدعة فوقع الشك في دليل التخصيص فلا يترك العمل بدليل عموم قوله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } وبه تبين أن الاحتياط في الترك لا في الإتيان لأن ترك السنة أولى من إتيان البدعة .
وأما قولهم : إن أمر المناسك إنما ينتهي بالرمي فنقول : ركن الحج الوقوف بعرفة وطواف الزيارة .
وإنما يحصلان في هذين الوقتين فأما الرمي فمن توابع الحج فيعتبر في التكبير وقت الركن لا وقت التوابع وأما الآية فقد اختلف أهل التأويل فيها قال بعضهم : المراد من الآية الذكر على الأضاحي وقال بعضهم : المراد منها الذكر عند رمي الجمار دليله قوله تعالى في آخر الآية : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } والتعجل والتأخير إنما يقعان في رمي الجمار لا في التكبير