بيان اللباس المكروه .
وأما اللبس المكروه : فهو أن يصلي في إزار واحد أو سراويل واحد لما روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء ] ولأن ستر العورة إن حصل فلم تحصل الزينة وقد قال الله تعالى : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } وروي أن رجلا سأل ابن عمر عن الصلاة في ثوب وقال : أرأيت لو أرسلتك في حاجة أكنت منطلقا في ثوب واحد ؟ فقال : لا فقال الله أحق أن تتزين له وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الصلاة في إزار واحد فعل أهل الجفاء وفي ثوب متوشحا به أبعد من الجفاء وفي إزار ورداء من أخلاق الكرام .
هذا الذي ذكرنا في حق الرجل فأما المرأة فالمستحب لها ثلاثة أثواب في الروايات كلها درع وإزار وخمار فإن صلت في ثوب واحد متوشحة به يجزئها إذا سترت به رأسها وسائر جسدها سوى الوجه والكفين وإن كان شيء مما سوى الوجه والكفين منها مكشوفا فإن كان قليلا جاز وإن كان كثيرا لا يجوز وسنذكر الحد الفاصل بينهما إن شاء الله تعالى .
وهذا في حق الحرة فأما الأمة إذا صلت مكشوفة الرأس يجوز لأن رأسها ليس بعورة ولا بأس بأن يمسح جبهته من التراب بعدما فرغ من صلاته قبل أن يسلم بلا خلاف لأنه لو قطع الصلاة في هذه الحالة لا يكره فلأن لا يكره إدخال فعل قليل أولى وأما قبل الفراغ من الأركان فقد ذكر في رواية أبي سليمان فقال : قلت فإن مسح جبهته قبل أن يفرغ قال : لا أكرهه من مشايخنا من فهم من هذه اللفظة نفي الكراهة وجعل كلمة ( لا ) داخلة في قوله : أكره وكذا ذكر في آثار أبي حنيفة وفي اختلاف أبي حنيفة و ابن أبي ليلى ووجهه : ما روي [ عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يمسح العرق عن جبينه في الصلاة ] وإنما كان يفعل ذلك لأنه كان يؤذيه فكذا هذا .
ومنهم من قال : كلمة ( لا ) مقطوعة عن قوله : أكره فكأنه قال : هل يمسح فقال : لا نفيا له ثم ابتدأ الكلام وقال : أكره له ذلك وهو رواية هشام في نوادره عن محمد أنه يكره فعلى هذا يحتاج إلى الفرق بين المسح قبل الفراغ من الأركان وبين المسح بعد الفراغ منها قبل السلام .
والفرق : أن المسح قبل الفراغ لا يفيد لأنه يحتاج إلى أن يسجد ثانيا فيلتزق التراب بجبهته ثانيا والمسح بعد الفراغ من الأركان مفيد ولأن هذا فعل ليس من أفعال الصلاة فيكره تحصيله في وقت لا يباح فيه الخروج عن الصلاة كسائر الأفعال بخلاف المسح بعد الفراغ من الأركان .
وقد روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أربع من الجفاء وعد منها مسح الجبهة في الصلاة ] .
ومنهم من وافق فقال : جواب محمد فيما إذا كان تركه لا يؤذيه وجواب أبي حنيفة مثله في هذه الحالة و الحديث محمول على هذه الحالة أو على المسح باليدين وجواب أبي حنيفة فيما إذا كان ترك المسح يؤذيه ويشغل قلبه عن أداء الصلاة و محمد يساعده في هذه الحالة ولهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يمسح العرق عن جبينه لأن الترك كان يؤذيه ويشغل قلبه وقد بينا ما يستحب للإمام أن يفعله بعد الفراغ من الصلاة وما يكره له في فصل الإمامة والله الموفق