فصل : شرائط الجواز .
وأما شرائط الجواز : فمنها : أن لا يقاتل في الصلاة فإن قاتل في صلاته فسدت صلاته عندنا .
وقال مالك : لا تفسد وهو قول الشافعي في القديم واحتجا بقوله تعالى : { وليأخذوا أسلحتهم } أباح .
لهم أخذ السلاح فيباح القتال ولأن أخذ السلاح لا يكون إلا للقتال به ولأنه سقط اعتبار المشي في الصلاة فيسقط اعتبار القتال .
ولنا : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن بعد هوي من الليل وقال : شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم وبطونهم نارا ] فلو جازت الصلاة مع القتال لما أخرها رسول الله صلى الله عليه و سلم ولأن إدخال عمل كثير ليس من أعمال الصلاة في الصلاة مفسد في الأصل فلا يترك هذا الأصل إلا في مورد النص والنص ورد في المشي لا في القتال مع أن مورد النص بقاء الصلاة مع المشي لا الأداء والأداء فوق البقاء فأنى يصح الاستدلال بخلاف أخذ السلاح لأنه عمل قليل ولأن النص ورد بالجواز معه والله أعلم .
ومنها : أن ينصرف ماشيا ولا يركب عند انصرافه إلى وجه العدو ولو ركب فسدت صلاته عندنا سواء كان انصرافه من القبلة إلى العدو أو من العدو إلى القبلة لأن الركوب عمل كثير وهو مما لا يحتاج إليه بخلاف المشي فإنه أمر لا بد منه حتى يصطفوا بإزاء العدو وكذا أخذ السلاح أمر لا بد منه لإرهاب العدو والاستعداد للدفع ولأنهم لو غفلوا عن أسلحتهم يميلون عليهم على ما نطق به الكتاب .
والأصل أن الإتيان بعمل كثير ليس من أعمال الصلاة فيها لأجل الضرورة فيختص بمحل الضرورة ولو كان الخوف أشد ولا يمكنهم النزول عن دوابهم صلوا ركبانا بالإيماء لقوله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ثم إن قدروا على استقبال القبلة يلزمهم الاستقبال وإلا فلا بخلاف التطوع إذا صلاها على الدابة حيث لا يلزمه الاستقبال وإن قدر عليه لأن حالة الفرض أضيق ألا ترى أنه يجوز الإيماء في التطوع مع القدرة على النزول ولا يجوز ذلك في الفرض ويصلون وحدانا ولا يصلون جماعة ركبانا في ظاهر الرواية .
وقد روي عن محمد أنه جوز لهم في الخوف أن يصلوا ركبانا بجماعة وقال أستحسن ذلك لينالوا فضيلة الصلاة بالجماعة وقد جوزنا لهم ما هو أعظم من ذلك وهو الذهاب والمجيء لإحراز فضيلة الجماعة .
وجه ظاهر الرواية : أن بينهم وبين الإمام طريق فيمنع ذلك صحة الاقتداء على ما بينا فيما تقدم إلا أن يكون الرجل مع الإمام على دابة واحدة فيصح اقتداؤه به لعدم المانع والاعتبار بالمشي غير سديد لأن ذلك أمر لا بد منه فسقط اعتباره للضرورة ولا ضرورة ههنا ولو صلى راكبا والدابة سائرة فإن كان مطلوبا فلا بأس به لأن السير فعل الدابة في الحقيقة وإنما يضاف إليه من حيث المعنى لتسييره فإذا جاء العذر انقطعت الإضافة إليه بخلاف ما إذا صلى ماشيا أو سابحا حيث لا يجوز لأن ذلك فعله حقيقة فلا يتحمل .
إلا إذا كان في معنى مورد النص وليس ذلك في معناه على ما مر وإن كان الراكب طالبا فلا يجوز لأنه لا خوف في حقه فيمكنه النزول وكذلك الراجل إذا لم يقدر على الركوع والسجود يومئ إيماء لمكان العذر كالمريض والله أعلم .
ومنها : أن يكون في حال معاينة العدو حتى لو صلوا صلاة الخوف ولم يعاينوا العدو جاز للإمام ولم يجز للقوم إذا صلوا بصفة الذهاب والمجيء وكذا لو رأوا سوادا ظنوه عدوا فإذا هو إبل لا يجوز عندنا .
وعند الشافعي : تجوز صلاة الكل وجه قوله أن صلاة الخوف شرعت عند الخوف وقد صلوا عند الخوف فتجزئهم .
ولنا : أن شرط الجواز الخوف من العدو قال الله تعالى : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ولم يوجد الشرط إلا أن صلاة الإمام مقضية بالجواز لانعدام الذهاب والمجيء منه بخلاف القوم فلا يتحمل ذلك إلا لضرورة الخوف من العدو ولم تتحقق ثم الخوف من سبع يعاينوه كالخوف من العدو لأن الجواز بحكم العذر وقد تحقق والله أعلم