فصل : في شرائط وجوبها وجوازها .
وأما شرائط وجوبها وجوازها فكل ما هو شرط وجوب الجمعة وجوازها فهو شرط وجوب صلاة العيدين وجوازها من الإمام والمصر والجماعة والوقت إلا الخطبة فإنها سنة بعد الصلاة ولو تركها جازت صلاة العيد .
أما الإمام فشرط عندنا لما ذكرنا في صلاة الجمعة وكذا المصر لما روينا عن علي Bه أنه قال : لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع ولم يرد بذلك نفس الفطر ونفس الأضحى ونفس التشريق لأن ذلك مما يوجد في كل موضع بل المراد من لفظ الفطر والأضحى صلاة العيدين ولأنها ما ثبتت بالتوارث من الصدر الأول إلا في الأمصار ويجوز أداؤها في موضعين لما ذكرنا في الجمعة والجماعة شرط لأنها ما أديت إلا بجماعة .
والوقت شرط : فإنها لا تؤدى إلا في وقت مخصوص به جرى التوارث وكذا الذكورة والعقل والبلوغ والحرية وصحة البدن والإقامة من شرائط وجوبها كما هي من شرائط وجوب الجمعة حتى لا تجب على النسوان والصبيان والمجانين والعبيد بدون إذن مواليهم والزمنى والمرضى والمسافرين كما لا تجب عليهم لما ذكرنا في صلاة الجمعة ولأن هذه الأعذار لما أثرت في إسقاط الفرض فلأن تؤثر في إسقاط .
الواجب أولى وللمولى أن يمنع عبده عن حضور العيدين كما له منعه عن حضور الجمعة لما ذكرنا هناك .
وأما النساء فهل يرخص لهن أن يخرجن في العيدين ؟ .
أجمعوا على أنه لا يرخص للشواب منهن الخروج في الجمعة والعيدين وشيء من الصلاة لقوله تعالى : .
{ وقرن في بيوتكن } والأمر بالقرار نهي عن الانتقال ولأن خروجهن سبب الفتنة بلا شك والفتنة حرام وما أدى إلى الحرام فهو حرام .
وأما العجائز فلا خلاف في أنه يرخص لهن الخروج في الفجر والمغرب والعشاء والعيدين واختلفوا في الظهر والعصر والجمعة .
قال أبو حنيفة : لا يرخص لهن في ذلك .
وقال أبو يوسف و محمد : يرخص لهن في ذلك وجه قولهما أن المنع لخوف الفتنة بسبب خروجهن وذا لا يتحقق في العجائز ولهذا أباح أبو حنيفة خروجهن في غيرهما من الصلوات .
و لأبي حنيفة : أن وقت الظهر والعصر وقت انتشار الفساق في المحال والطرقات فربما يقع من صدقت رغبته في النساء في الفتنة بسببهن أو يقعن هن في الفتنة لبقاء رغبتهن في الرجال وإن كبرن فأما في الفجر والمغرب والعشاء فالهواء مظلم والظلمة تحول بينهن وبين نظر الرجال وكذا الفساق لا يكونون في الطرقات في هذه الأوقات فلا يؤدي إلى الوقوع في الفتنة .
وفي الأعياد : وإن كان تكثر الفساق تكثر الصلحاء أيضا فتمنع هيبة الصلحاء أو العلماء إياهما عن الوقوع في المأثم والجمعة في المصر فربما تصدم أو تصدم لكثرة الزحام وفي ذلك فتنة وأما صلاة العيد فإنها تؤدي في الجبانة فيمكنها أن تعتزل ناحية عن الرجال كيلا تصدم فرخص لهن الخروج والله أعلم .
ثم هذا الخلاف في الرخصة والإباحة فأما لا خلاف في أن الأفضل أن لا يخرجن في صلاة لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ صلاة المرأة في دارها أفضل من صلاتها في مسجدها وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في دارها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ] ثم إذا رخص في صلاة العيد هل يصلين ؟ روى الحسن عن أبي حنيفة يصلين لأن المقصود بالخروج هو الصلاة .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن إذا خرجن تفلات ] أي غير متطيبات .
وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لا يصلين العيد مع الإمام لأن خروجهن لتكثير سواد المسلمين لحديث أم عطية Bها : كن النساء يخرجن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ذوات الخدور والحيض ومعلوم أن الحائض لا تصلي فعلم أن خروجهن كان لتكثير سواد المسلمين فكذلك في زماننا .
وأما العبد : إذا حضر مع مولاه العيدين والجمعة ليحفظ دابته هل له أن يصلي بغير رضاه ؟ اختلف المشايخ فيه .
قال بعضهم : ليس له ذلك إلا إذا كان لا يخل بحق مولاه في إمساك دابته .
وأما الخطبة فليست بشرط لأنها تؤدى بعد الصلاة وشرط الشيء يكون سابقا عليه أو مقارنا له والدليل على أنها تؤدى بعد الصلاة ما روي [ عن ابن عمر أنه قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلف أبي بكر وعمر Bهما وكانوا يبدؤون بالصلاة قبل الخطبة ] .
وكذا روي [ عن ابن عباس Bهما أنه قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فبدؤوا بالصلاة قبل الخطبة ولم يؤذنوا ولم يقيموا ] ولأنها وجبت لتعليم ما يجب إقامته يوم العيد والوعظ والتكبير فكان التأخير أولى ليكون الامتثال أقرب إلى زمان التعليم .
والدليل على أنها بعد صلاة العيد ما [ روي أن مروان لما خطب العيد قبل الصلاة قام رجل فقال : أخرجت المنبر يا مروان ولم يخرجه رسول الله صلى الله عليه و سلم وخطبت قبل الصلاة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب بعد الصلاة فقال مروان : ذاك شيء قد ترك فقال أبو سعيد الخدري أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ] أي أقل شرائع الإيمان .
وإنما أحدث بنو أمية الخطبة قبل الصلاة لأنهم كانوا يتكلمون في خطبتهم بما لا يحل وكان الناس لا يجلسون بعد الصلاة لسماعها فأحدثوها قبل الصلاة ليسمعها الناس فإن خطب أولا ثم صلى أجزأهم لأنه لو ترك الخطبة أصلا أجزأهم فهذا أولى .
وكيفية الخطبة في العيدين كهي في الجمعة فيخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة ويقرأ فيها سورة من القرآن ويستمع لها القوم وينصتوا لأنه يعلمهم الشرائع ويعظهم وإنما ينفعهم ذلك إذا استمعوا وليس في العيدين أذان ولا إقامة لما روينا من حديث ابن عباس وروى [ عن جابر بن سمرة أنه قال : صليت العيد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة ] وهكذا جرى التوارث من لدن رسول الله إلى يومنا هذا ولأنهما شرعا علما على المكتوبة وهذه ليست بمكتوبة والله أعلم