تكبيرات العيدين .
وروي عن أبي يوسف أنه يكبر اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية فتكون الزوائد تسعا خمس في الأولى وأربع في الثانية وثلاث أصليات ويبدأ بالتكبير في كل واحدة من الركعتين وقال الشافعي : يكبر اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية سوى الأصليات وهو قول مالك ويبدأ بالتكبيرات قبل القراءة في الركعتين جميعا .
والمسألة مختلفة بين الصحابة روي عن عمر وعبد الله بن مسعود وأبي مسعود الأنصاري وأبي موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان Bهم أنهم قالوا مثل قول أصحابنا .
وروي عن علي Bه أنه فرق بين الفطر والأضحى فقال : في الفطر يكبر إحدى عشرة تكبيرة ثلاث أصليات وثمان زوائد في كل ركع أربعة وفي الأضحى : يكبر خمس تكبيرات ثلاث أصليات وتكبيرتان زائدتان وعنده يقدم القراءة على التكبيرات في الركعتين جميعا .
وعن ابن عباس Bهما : ثلاث روايات روي عنه كقول ابن مسعود وأنه شاذ والمشهور عنه روا يتا ن .
إحداهما : أنه يكبر في العيدين ثلاثة عشرة تكبيرة ثلاث أصليات وعشرة زوائد في كل ركعة خمس تكبيرات .
والثانية : أنه يكبر اثني عشرة تكبيرة كما قال أبو يوسف ومن مذهبه أنه لا يقدم القراءة على التكبيرات في الركعتين جميعا والمختار في المذهب عندنا مذهب ابن مسعود لاجتماع الصحابة عليه فإنه روي أن الوليد بن عقبة أتاهم فقال : غدا العيد فكيف تأمروني أن أفعل فقالوا : لابن مسعود 7 : علمه فعلمه هذه الصفة ووافقوه على ذلك وقيل أنه مختار أبي بكر الصديق ولأن رفع الصوت بالتكبيرات بدعة في الأصل فبقدر ما ثبت بالإجماع لم تبق بدعة بيقين وما دخل تحت الاختلاف كان توهم البدعة و إنما الأخذ بالأقل أولى وأحوط إلا أن برواية ابن عباس ظهر العمل بأكثر بلادنا لأن الخلافة في بني العباس فيأمرون عمالهم بالعمل بمذهب جدهم .
وبيان هذه الفصول في الجامع الكبير ولم يبين في الأصل لما مقدار الفصل بين التكبيرات وقد روي عن أبي حنيفة أنه يسكت بين كل تكبيرتين مقدار ثلاث تسبيحات ويرفع يديه عند تكبيرات الزوائد .
روى أبو عصمة عن أبي يوسف : إنه لا يرفع يديه في شيء منها لما روي [ عن ابن مسعود : عن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يرفع يديه في الصلاة إلا في تكبيرة الافتتاح ولأنها سنة فتلتحق بجنسها : وهو تكبيرتا الركوع ] .
ولنا ما روينا من الحديث المشهور : [ لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن وذكر من جملتها : تكبيرات العيد ولأن المقصود هو إعلام وهو لا يحصل إلا بالرفع فيرفع كتكبيرة الافتتاح وتكبير القنوت بخلاف تكبيرتي الركوع لأنه يؤتى بهما في حال الانتقال فيحصل المقصود بالرؤية فلا حاجة إلى رفع اليد للأعلام وحديث ابن مسعود محمول على الصلاة المعهودة المكتوبة ويقرأ في الركعتين أي سورة شاء .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ] أنه كان يقرأ في صلاة العيد { سبح اسم ربك الأعلى } و { هل أتاك حديث الغاشية } فإن تبرك بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم في قراءة هاتين السورتين في أغلب الأحوال فحسن لكن يكره أن يتخذهما حتما لا يقرأ فيها غيرهما لما ذكرنا في الجمعة ويجهر بالقراءة كذا ورد النقل المستفيض عن النبي صلى الله عليه و سلم بالجهر به وبه جرى التوارث من الصدر الأول إلى يومنا هذا .
ثم المقتدي يتابع الإمام في التكبيرات على رأيه وإن كبر أكثر من تسع ما لم يكبر تكبيرا لم يقل به أحد من الصحابة Bهم لأنه تبع لإمامه فيجب عليه متابعته وترك رأيه برأي الإمام لقول النبي في [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا ] عليه .
وقوله صلى الله عليه و سلم : [ تابع إمامك على أي حال وجدته ] ما لم يظهر خطاه بيقين كان اتباعه واجبا ولا يظهر .
ذلك في المجتهدات .
فأما إذا خرج عن أقاويل الصحابة فقد ظهر خطأه بيقين فلا يجب اتباعه إذ لا متابعة في الخطأ ولهذا لو اقتدى بمن يرفع يديه عند الركوع ورفع الرأس منه أو بمن يقنت في الفجر أو بمن يرى خمس تكبيرات في صلاة الجنازة لا يتابعه لظهور خطئه بيقين لأن ذلك كله منسوخ .
ثم إلى كم يتابعه ؟ اختلف مشايخنا فيه قال عامتهم : أنه يتابعه إلى ثلاث عشرة تكبيرة ثم يسكت بعد ذلك .
قال بعضهم : يتابعه إلى ستة عشرة تكبيرة لأن فعله إلى هذا الموضع محتمل للتأويل فلعل هذا القائل ذهب إلى أن ابن عباس أراد بقوله ثلاث عشرة تكبيرة الزوائد فإذا ضممت إليها تكبيرة الافتتاح وتكبيرتي الركوع صارت ستة عشر تكبيرة لكن هذا إذا كان يقرب من الإمام يسمع التكبيرات منه فأما إذا كان يبعد منه يسمع من المكبرين يأتي بجميع ما يسمع وإن خرج عن أقاويل الصحابة لجواز أن الغلط من المكبرين فلو ترك شيئا منها ربما كان المتروك ما أتى به الإمام والمأتي به ما أخطأ فيه المكبرون فيتابعهم ليتأدى ما يأتيه الإمام بيقين ولهذا قيل : إذا كان المقتدي يبعد من الإمام يسمع من المكبرين ينبغي أن ينوي بكل تكبيرة الافتتاح لجواز أن ما سمع قبل هذه كان غلطا من المنادي وإنما كثر الإمام للافتتاح الآن ولو شرع الإمام في صلاة العيد ؟ فجاء رجل واقتدى به فإن كان قبل التكبيرات الزوائد يتابع الإمام على مذهبه .
ويترك رأيه لما قلنا وإن أدركه بعدما كبر الإمام الزوائد وشرع في القراءة فانه يكبر تكبيرة الافتتاح ويأتي بالزوائد برأي نفسه لا برأي الإمام لأنه مسبوق وإن أدرك الإمام في الركوع فإن لم يخف فوت الركوع مع الإمام يكبر للافتتاح قائما ويأتي بالزوائد ثم يتابع الإمام في الركوع .
وإن كان الاشتغال بقضاء ما سبق به المصلي قبل الفراغ بما أدركه منسوخا لأن النسخ إنما يثبت فيما يتمكن من قضائه بعد فراغ الإمام .
فأما ما لا يتمكن من قضائه بعد فراغ الإمام فلم يثبت فيه النسخ ولأنه لو تابع الإمام لا يخلو إما أن يأتي بهذه التكبيرات أو لا يأتي بها فإن كان لا يأتي بها فهذا تفويت الواجب وإن كان يأتي بها فقد أدى الواجب فيما هو محل له من وجه دون وجه فكان فيه تفويته عن محله من وجه ولا شك أن أداء الواجب فيما هو محل له من وجه أولى من تفويته رأسا .
وإن خاف إن كبر يرفع الإمام رأسه من الركوع كبر للافتتاح وكبر للركوع وركع لأنه لو لم يركع يفوته الركوع فتفوته الركعة بفوته وتبين أن التكبيرات أيضا فاتته فيصير بتحصيل التكبيرات مفوتا لها ولغيرها من أركان الركعة وهذا لا يجوز ثم إذا ركع يكبر تكبيرات العيد في الركوع عند أبي حنيفة و محمد وقال أبو يوسف : لا يكبر لأنه فات عن محلها وهو القيام فيسقط كالقنوت .
ولهما أن للركوع حكم القيام .
ألا ترى أن مدركه يكون مدركا للركعة فكان محلها قائما فيأتي بها ولا يرفع يديه بخلاف القنوت لأنه بمعنى القراءة فكان محله القيام المحض وقد فات ثم إن أمكنه الجمع بين التكبيرات والتسبيحات جمع بينهما وإن لم يمكنه الجمع بينهما يأتي بالتكبيرات دون التسبيحات لأن التكبيرات واجبة والتسبيحات سنة والاشتغال بالواجب أولى فإن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يتمها رفع رأسه لأن متابعة الإمام واجبة وسقط عنه ما بقي من التكبيرات لأنه فات محلها .
ولو ركع الإمام بعد فراغه من القراءة في الركعة الأولى فتذكر إنه لم يكبر فإنه يعود ويكبر وقد انتقض ركوعه ولا يعيد القراءة .
فزق بين الإمام والمقتدي حيث أمر الإمام بالعود إلى القيام ولم يأمره بأداء التكبيرات في حالة الركوع .
وفي المسألة المتقدمة أمر المقتدي بالتكبيرات في حالة الركوع .
والفرق : أن محل التكبيرات في الأصل القيام المحض وإنما ألحقنا حالة الركوع بالقيام في حق المقتدي ضرورة وجوب المتابعة وهذه الضرورة لم تتحقق في حق الإمام فبقي محلها القيام المحض فأمر بالعود إليه .
ثم من ضرورة العود إلى القيام ارتفاض الركوع كما لو تذكر الفاتحة في الركوع أنه يعود ويقرأ ويرتفض ركوعه كذا ههنا ولا يعيد القراءة لأنها تمت بالفراغ عنها والركن بعد تمامه والانتقال عنه غير قابل للنقض والإبطال فبقيت على ما تمت .
هذا إذا تذكر بعد الفراغ من القراءة فأما إن تذكر قبل الفراغ عنها بأن قرأ الفاتحة دون السورة ترك القراءة ويأتي بالتكبيرات لأنه اشتغل بالقراءة قبل أوانها فيتركها ويأتي بما هو الأهم ليكون المحل محلا له ثم يعيد القراءة لأن الركن متى ترك قبل تمامه ينتقض من الأصل لأنه لا يتجزأ في نفسه وما لا يتجزأ في الحكم فوجوده معتبر بوجود الجزء الذي به تمامه في الحكم ونظيره من تذكر سجدة في الركوع خر لها ويعيد الركوع لما مر والله سبحانه وتعالى أعلم .
هذا إذا أدرك الإمام في الركعة الأولى فإن أدركه في الركعة الثانية كبر للافتتاح وتابع إمامه في الركعة الثانية يتبع فيها رأي إمامه لما قلنا فإذا فرغ الإمام من صلاته يقوم إلى قضاء ما سبق به ثم إن كان رأيه يخالف رأي الإمام يتبع رأي نفسه لأنه منفرد فيما يقضي بخلاف اللاحق لأنه في الحكم كأنه خلف الإمام وإن كان رأيه موافقا لرأي إمامه بأن كان إمامه يرى رأي ابن مسعود وهو كذلك بدأ بالقراءة ثم بالتكبيرات كذا ذكر في الأصل و الجامع و الزيادات وفي نوادر أبي سليمان في أحد الموضعين وقال في الموضع الآخر يبدأ بالتكبير ثم بالقراءة ورمن مشايخنا من قال : ما ذكر في الأصل قول محمد لأن عنده ما يقضي المسبوق آخر صلاته وعندنا في الركعة الثانية يقرأ ثم يكبر وما ذكر في النوادر قول أبي حنيفة و أبي يوسف لأن عندهما ما يقضيه المسبوق أول صلاته وعندنا في الركعة الأولى يكبر ثم يقرأ ومنهم من قال لا خلاف في المسألة بين أصحابنا بل فيها اختلاف الروايتين .
وجه رواية النوادر : ما ذكرنا أن ما يقضيه المسبوق أول صلاته لأنه يقضي ما فاته فيقضيه كما فاته وقد فاته على وجه يقدم التكبير فيه على القراءة فيقضيه كذلك ووجه رواية الأصل إن المقضي وإن كان أول صلاته حقيقة ولكنه الركعة الثانية صورة وفيما أدرك مع الإمام قرأ ثم كبر لأنها ثانية الإمام فلو قدم ههنا ما يقضى أدى ذلك إلى الموالاة بين التكبيرات ولم يقل به أحد من الصحابة فلا يفعل كذلك احترازا عن مخالفة الإجماع بصورة هذا الفعل ولو بدأ بالقراءة لكان فيه تقديم القراءة في الركعتين لكن هذا مذهب علي Bه ولا شك أن العمل بما قاله أحد من الصحابة أولى من العمل بما لم يقل به أحد إذ هو باطل بيقين