فصل : في قدرها وكيفيتها .
وأما الكلام في قدرها وكيفيتها فيصلي ركعتين كل ركعة بركوع وسجدتين كسائر الصلوات .
وهذا عندنا .
وعند الشافعي : ركعتان كل ركعة بركوعين وقومتين وسجدتين يقرأ ثم يركع ثم يرفع رأسه ثم يقرأ ثم يركع .
واحتج بما روي [ عن ابن عباس وعائشة Bهما أنهما قال : كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ] وهذا نص في الباب .
ولنا : ما [ روى محمد بإسناده عن أبي بكرة أنه قال : كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يجر ثوبه حتى دخل المسجد فصلى ركعتين فأطالهما حتى تجلت الشمس وذلك حين مات ولده إبراهيم ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئا فافزعوا إلى الصلاة والدعاء لينكشف ما بكم ] ومطلق اسم الصلاة ينصرف إلى الصلاة المعهودة وفي رواية [ عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى ركعتين نحو صلاة أحدكم ] .
وروى الجصاص [ عن علي والنعمان بن بشير وعبد الله بن عمر وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة Bهم أن النبي صلى الله عليه و سلم : صلى في الكسوف ركعتين كهيئة صلاتنا ] .
والجواب : عن تعلقه بحديث ابن عباس وعائشة Bهما : أن روايتهما قد تعارضت روى كما قلتم .
وروي [ أنه صلى أربع ركعات في أربع سجدات ] والمتعارض لا يصلح معارضا أو نقول : تعاضد .
ما روينا بالاعتبار بسائر الصلوات فكان العمل به أولى أو نحمل ما رويتم على أن النبي صلى الله عليه و سلم ركع فأطال الركوع كثيرا زيادة على قدر ركوع سائر الصلوات لما روى أنه عرض عليه الجنة والنار في تلك الصلاة فرفع أهل الصف الأول رؤوسهم ظنا منهم أنه صلى الله عليه و سلم رفع رأسه من الركوع فرفع من خلفهم فلما رأى أهل الصف الأول رسول الله صلى الله عليه و سلم راكعا ركعوا وركع من خلفهم فلما رفع رسول الله صلى الله عليه و سلم رأسه من الركوع رفع القوم رؤوسهم فمن كان خلف الصف الأول ظنوا أنه ركع ركوعين فرووا على حسب ما وقع عندهم وعلم الصف الأول حقيقة الأمر فنقلوا على حسب ما علموه ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر الصفوف وعائشة Bها كانت واقفة في خير صفوف النساء و ابن عباس في صف الصبيان في ذلك الوقت فنقلا كما وقع عندهما فيحمل على هذا توفيقا بين الروايتين كذا وفق محمد C في صلاة الأثر .
وذكر الشيخ أبو منصور : أن اختلاف الروايات خرج مخرج التناسخ لا مخرج التخيير لاختلاف الأئمة في ذلك ولو كان على التخيير لما اختلفوا ثم فيظهر أنه قد ظهر انتساخ زيادات كانت في الابتداء في الصلوات واستقرت الصلاة على الصلاة المعهودة اليوم عندنا فكان صرف النسخ إلى ما ظهر انتساخه أولى من صرفه إلى ما لم يظهر أنه نسخه غيره .
وروى الشيخ أبو منصور عن أبي عبد الله البلخي أنه قال : إن الزيادة ثبتت في صلاة الكسوف لا للكسوف بل لأحوال اعترضت حتى روي : [ أنه صلى الله عليه و سلم تقدم في الركوع حتى كان كمن يأخذ شيئا ثم تأخر كمن ينفر عن شيء ] فيجوز أن تكون الزيادة منه باعتراض تلك الأحوال فمن لا يعرفها لا يسعه التكلم فيها .
ويحتمل أن يكون فعل ذلك لأنه سنة فلما أشكل الأمر لم يعدل عن المعتمد عليه إلا بيقين والله أعلم ثم هذه الصلاة تقام بالجماعة لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقامها بالجماعة ولا يقيمها إلا الإمام الذي يصلي بالناس الجمعة والعيدين فأما أن يقيمها كل قوم في مسجدهم فلا وروى عن أبي حنيفة أنه قال : إن كان لكل مسجد إمام يصلي بجماعة لأن هذه الصلاة غير متعلقة بالمصر فلا تكون متعلقة بالسلطان كغيرها من الصلوات والصحيح ظاهر الرواية لأن أداء هذه الصلاة بالجماعة عرف بإقامة رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يقيمها إلا من هو قائم مقامه ولا نسلم عدم تعلقها بالمصر لأن مشايخنا قالوا أنها متعلقة بالمصر فكانت متعلقة بالسلطان فإن لم يقمها الإمام حينئذ صلى الناس فرادى إن شاؤوا ركعتين وإن شاؤا أربعا والأربع أفضل ثم إن شاؤا طولوا القراءة وإن شاؤا قصروا واشتغلو بالدعاء حتى تنجلي الشمس لأن عليهم الاشتغال بالتضرع إلى أن تنجلي الشمس وذلك بالدعاء تارة وبالقراءة أخرى وقد صح في الحديث [ أن قيام رسول الله صلى الله عليه و سلم في الركعة الأولى كان بقدر سورة البقرة وفي الركعة الثانية بقدر سورة آل عمران ] فالأفضل تطويل القراءة فيها ولا يجهر بالقراءة في صلاة الجماعة في كسوف الشمس عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف يجهر بها .
وقول محمد مضطرب : ذكر في عامة الروايات قوله مع قول أبي حنيفة وجه قول من خالف أبا حنيفة .
ما روي [ عن عائشة Bها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى صلاة الكسوف وجهر فيها بالقراءة لأنها صلاة تقام بجمع عظيم فيجهر بالقراءة فيها كالجمعة والعيدين ] .
و لأبي حنيفة C تعالى [ حديث سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام قياما طويلا لم يسمع له صوت ] .
وروى [ عكرمة عن ابن عباس Bهما قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الكسوف وكنت إلى جنبه فلم أسمع منه حرفا ] .
وقال صلى الله عليه و سلم : [ صلاة النهار عجماء ] أي ليس فيها قراءة مسموعة ولأن القوم لا يقدرون على التأمل في القراءة لتصير ثمرة القراءة مشتركة لاشتغال قلوبهم بهذا الفزع كما لا يقدرون على التأمل في سائر الأيام في صلوات النهار لاشتغال قلوبهم بالمكاسب .
وحديث عائشة تعارض بحديث ابن عباس فبقي لنا الاعتبار الذي ذكرنا مع ظواهر الأحاديث الأخر ونحمل ذلك على أنه جهر ببعضها اتفاقا كما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم [ كان يسمع الآية والآيتين في صلاة الظهر أحيانا ] والله أعلم وليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة لأنهما من خواص المكتوبات ولا خطبة فيها عندنا وقال الشافعي : يخطب خطبتين [ لحديث عائشة Bها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى في كسوف الشمس ثم خطب فحمد الله D وأثنى عليه ] .
ولنا : أن الخطبة لم تنقل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعنى قولها خطب أي دعا أو لأنه احتاج إلى الخطبة ردا لقول الناس إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم لا للصلاة والله أعلم .
وأما خسوف القمر فالصلاة فيها حسنة لما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا رأيتم من هذه الأفزاع .
شيئا فافزعوا إلى الصلاة ] وهي لا تصلي بجماعة عندنا .
وعند الشافعي : تصلي بجماعة .
واحتج بما روي عن ابن عباس Bهما أنه صلى بالناس في خسوف القمر وقال : صليت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم .
ولنا : أن الصلاة بجماعة في خسوف القمر لم تنقل عن النبي صلى الله عليه و سلم أن خسوفه كان أكثر من كسوف الشمس ولأن الأصل أن غير المكتوبة لا تؤدى بجماعة قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة ] إلا إذا ثبت بالدليل كما في العيدين وقيام رمضان وكسوف الشمس ولأن الاجتماع بالليل متعذرا وسبب الوقوع في الفتنة .
وحديث ابن عباس غير مأخوذ به لكونه خبر آحاد في محل الشهرة وكذا تستحب الصلاة في كل فزع .
كالريح الشديدة والزلزلة والظلمة والمطر الدائم لكونها من الأفزاع والأهوال .
وقد روي عن ابن عباس Bهما أنه صلى للزلزلة بالبصرة وأما موضع الصلاة أما في خسوف القمر فيصلون في منازلهم لأن السنة فيها أن يصلوا وحدانا على ما بينا وأما في كسوف الشمس فقد ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه يصلي في الموضع الذي يصلى فيه العيد أو المسجد الجامع ولأنها من شعائر الإسلام فتؤدى في المكان المعد لإظهار الشعائر ولو اجتمعوا في موضع آخر وصلوا بجماعة أجزأهم والأول أفضل لما مر .
وأما وقتها فهو الوقت الذي يستحب فيه أداء سائر الصلوات دون الأوقات المكروهة ولأن هذه الصلاة إن كانت نافلة فالنوافل في هذه الأوقات مكروهة وإن كانت لها أسباب عندنا كركعتي التحية وركعتي الطواف لما نذكر في موضعه وإن كانت واجبة فأداء الواجبات في هذه الأوقات مكروهة كسجدة التلاوة وغيرها والله الموفق