بيان مقدار ما يلزم منه بالشروع .
فصل : و أما بيان مقدار ما يلزم منه بالشروع فنقول : لا يلزمه بالافتتاح أكثر من ركعتين و إن نوى أكثر من ذلك في ظاهر الروايات عن أصحابنا إلا بعارض الاقتداء و روي عن أبي يوسف ثلاث روايات : .
روى بشر بن الوليد عنه أنه قال : فيمن افتتح التطوع ينوي أربع ركعات ثم أفسدها قضى أربعا ثم رجع و قال : يقضي ركعتين .
و روى بشر بن أبي الأزهر عنه : أنه قال فيمن افتتح النافلة ينوي عددا يلزمه بالافتتاح ذلك العدد و إن كان مائة ركعة .
و روى غسان عنه : أنه قال : إن نوى أربع ركعات لزمه و إن نوى أكثر من ذلك لم يلزمه .
و لاخلاف في أنه يلزم بالنذر ماتناوله و إن كثر .
وجه رواية ابن أبي الأزهر عنه : أن الشوع في كونه سببا للزوم كالنذر ثم يلزمه بالنذر جميع ما تناوله كذا بالشروع .
وجه رواية غسان منه : أن ما وجب بإيجاب بالله تعالى بناء على مباشرة سبب الوجوب من العبد دون ما وجب بإيجاب الله تعالى ابتداء و ذا لا يزيد على الأربع فهذا أولى .
وجه ظاهر الرواية : أن الوجوب بسبب الشروع ما ثبت وضعا بل ضرورة صيانة المؤدى عن البطلان و معنى الصيانة يحصل بتمام الركعتين فلا تلزم الزياة من غير ضرورة بخلاف النذر لأنه سبب الوجوب بصيغته وضعا فيتقدر الوجوب بقدر ما تناوله السبب .
و أما قوله : إن الشروع سبب الوجوب كالنذر فنقول : نعم لكنه سبب لوجوب ما وجد الشروع فيه و لم يوجد الشروع في الشفع الثاني فلا يجب و لأنه ما وضع سببا للوجوب بل الوجوب لما ذكرنا من الضرورة و لا ضرورة في حق الشفع الثاني بخلاف النذر فإنه التزم صريحا فيلزمه بقدر ما التزم و كذا الجواب في السنن الراتبة أنه لا يجب بالشروع فيها إلا ركعتين حتى لو قطعها قضى ركعتين في ظاهر الرواية عن أصحابنا لأنه نفل و على رواية أبي يوسف قضى أربعا في كل موضع يقضي في التطوع أربعا و من المتأخرين من مشايخنا اختار قول أبي يوسف فيما يؤدى من الأربع منها بتسليمة واحدة و هو الأربع قبل الظهر و قال : لو قطعها يقضي أربعا و لو أخبر بالبيع فانتقل إلى الشفع الثاني لا تبطل شفعته و يمنع صحة الخلوة و هو الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري و إذا عرف هذا الأصل فنقول : من وجب عليه ركعتان بالشروع ففرغ منهما و قعد على رأس الركعتين و قام إلى الثالثة على قصد الأداء يلزمه إتمام ركعتين أخراوين و يبنيهما على التحريمة الأولى لأن قدر المؤدى صار عبادة فيجب عليه إتمام الركعتين صيانة له عن البطلان و القيام إلى الثالثة على قصد الأداء بناء منه الشفع الثاني على التحريمة الأولى و أمكن البناء عليها لأن التحريمة شرط الصلاة عندنا .
و الشرط الواحد يكفي لأفعال كثيرة كالطهارة الواحدة أنها تكفي لصلوات كثيرة و يلزمه في هاتين الركعتين القراءة كما في الأولين لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة و لهذا قالوا : إن المتنقل إذا قام إلى الثالثة لقصد الأداء ينبغي أن يستفتح فيقول : سبحانك اللهم و بحمدك إلخ كما يستفتح في الابتداء لأن هذا بناء الافتتاح .
و كل ركعتين من النفل صلاة على حدة لكن بناء على التحريمة الأولى فيأتي بالثناء المسنون فيه و لو صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما فسجد لسهوه بعد السلام ثم أراد أن يبني عليهما ركعتين أخراوين ليس له ذلك لأنه لو فعل ذلك لوقع ذلك لوقع سجوده للسهو في وسط الصلاة و أنه غير مشروع بخلاف المسافر إذا صلى الظهر ركعتين و سها فيهما فسجد للسهو ثم نوى الإقامة حيث يصح و يقوم لإتمام صلاته و إن كان يقع سهوه في وسط الصلاة .
و الفرق : أن السلام محلل في الشرع إلا أن الشرع منعه عن العمل في هذه الحالة أو حكم بعود التحريمة ضرورة تحصيل السجود لأن سجود السهو لا يؤتى به إلا في تحريمة الصلاة إذ الضرورة في حق تلك الصلاة و فيما يرجع إلى إكمالها فظهر بقاء التحريمة أو عودها في حقها لا في حق صلاة أخرى و لا ضرورة في صلاة التطوع لأن كل شفع صلاة على حدة فيعمل التسليم عمله في التحليل و كان القياس في المتنفل بالأربع إذا ترك القعدة الأولى أن تفسد صلاته و هو قول محمد لأن كل شفع لما كان صلاة على حدة كانت القعدة عقيبه فرضا كالقعدة الأخيرة في ذوات الأربع من الفرائض إلا أن في الاستخسان لا تفسد و هو قول أبي حنفة و أبي يوسف لأنه لما قام إلى الثالثة قبل القعدة فقد جعلها صلاة واحدة شبيهة بالفرض و اعتبار النفل بالفرض مشروع في الجملة لأنه تبع للفرض فصارت القعدة الأولى فاصلة بين الشفعين و الخاتمة هي الفريضة فأما الفاصلة فواجبة و هذا بخلاف ما إذا ترك القراءة في الأوليين في التطوع و قام إلى الأخريين و قرأ فيهما حيث يفسد الشفع الأول بالإجماع و لم نجعل هذه الصلاة صلاة واحدة في حق القراءة بمنزلة ذوات الأربع لأن القعدة إنما صارت فرضا لغيرها و هو الخروج فإذا قام إلى الثالثة و صارت الصلاة من ذوات الأربع لم يأت أوان الخروج فلم تبق القعدة فرضا .
فأما القراءة فهي ركن بنفسها فإذا تركها في الشفع الأول فسد فلم يصح بناء الشفع الثاني عليه .
و على هذا قالوا إذا صلى التطوع ثلاث ركعات بقعدة واحدة ينبغي أن يجوز اعتبارا للتطوع بالفرض و هو صلاة المغرب إذا صلاها بقعدة واحدة و الأصح أنه لا يجوز لأن ما اتصل به القعدة و هي الركعة الأخيرة فسدت لأن التنفل بالركعة الواحدة غير مشروع فيفسد ما قبلها و لو تطوع بست ركعات بقعدة واحدة اختلف المشايخ فيه .
قال بعضهم : يجوز لأنها لما جازت بتحريمة واحدة و تسليمة واحدة فتجوز بقعدة واحدة أيضا و الأصح أنه لا يجوز لأنا إنما استحسنا جواز الأربع بقعدة واحدة اعتبارا بالفريضة و ليس في الفرائض ست ركعات يجوز أداؤها بقعدة واحدة فيعود الأمر إلى أصل القياس و الله أعلم .
ثم إنما يجب بإفساد التطوع قضاء الشفع الذي اتصل به المفسد دون الشفع الذي مضى على الصحة حتى لو صلى أربعا فتكلم في الثالثة أو الرابعة قضى الشفع الثاني دون الأول لأن كل شفع صلاة على حدة ففساد الثاني لا يوجب فساد الأول بخلاف الفرض لأنه كله صلاة واحدة ففساد البعض يوجب فساد الكل و لو اقتدى المتطوع بمصلى الظهر في أول الصلاة ثم قطعها أو اقتدى به في القعدة الأخيرة فعليه قضاء أربع ركعات لأنه بالاقتداء التزم صلاة الإمام و هي أربع ركعات .
و من نوى أن يصلي الظهر ستا لم يلزمه ركعتان لأن الشروع لم يوجد في الركعتين و إنما وجد في الظهر و هي أربع و لم يوجد في حق الركعتين إلا مجرد النية لا يلزم شيئا و كذا المسافر إذا نوى أن يصلي الظهر أربعا فصلى ركعتين فصلاته تامة لأن الظهر في حق المسافر ركعتان فكانت نية الزيادة لغوا هذا إذا أفسد التطوع بشيء من أضداد الصلاة في الوضع من الحدث العمد و الكلام و القهقهة و عمل كثير ليس من أعمال الصلاة فأما إذا أفسده بترك القراءة بأن صلى للتطوع أربعا و لم يقرأ فيهن شيئا فعليه قضاء ركعتين في قول أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف عليه قضاء الأربع و هي من مسائل المعروفة بثمان مسائل .
و الأصل فيها : أن الشفع الأول متى فسد بترك القراءة تبقى التحريمة عند أبي يوسف فيصح الشروع في الشفع الثاني و عند محمد : متى فسد الشفع الأول لا تبقى التحريمة فلا يصح الشروع في الشفع الثاني و عند أبي حنيفة : إن فسد الشفع الأول بترك القراءة فيهما بطلت التحريمة فلا يصح الشروع في الشفع الثاني و إن فسد بترك القراءة في إحداهما بقيت التحريمة فيصح الشروع في الشفع الثاني .
وجه قول محمد : أن القراءة فرض في كل شفع من النفل في الركعتين جميعا فكما يفسد الشفع بترك القراءة فيهما يفسد بترك القراءة في إحداهما لفوات ما هو ركن كما لو ترك الركوع أو السجود إنه لا يفترق الحال بين الترك في الركعتين أو في إحداهما كذا هذا و صار ترك القراءة في الإفساد و الحدث العمد و الكلام سواء فإذا فسدت الأفعال لم تبق التحريمة لأنها تبقى لتوحيد الأفعال المختلفة فإذا فسدت الأفعال لا تبقى هي فلم يصح الشروع في الشفع الثاني لعدم التحريمة فلا يتصور الفساد .
و لأبي يوسف : أن الأفعال و إن بطلت بترك القراءة ركنا لكن بقيت التحريمة لأنها ما عقدت لهذا الشفع خاصة بل له و الشفع الثاني ألا ترى أنه لو قرأ يصح بناء الشفع الثاني عليه فإذا لم تبطل التحريمة صح الشروع في الشفع الثاني ثم يفسد هو أيضا بترك القراءة فيه .
و لأبي حنيفة : أنه لا بقاء للتحريمة مع بطلان الأفعال كما إذا ترك ركنا آخر أو تكلم أو أحدث عمدا لأنها للجمع بين الأفعال المختلفة لتجعلها كلها عبادة فتبطل ببطلان الأفعال كما قال محمد غير أنه إذا ترك القراءة في الشفع الأول في الركعتين جميعا علم فساد الشفع بيقين لترك بيقين .
و أما إذا قرأ في إحدى الأوليين لم يعلم يقينا بفساد هذا الشفع لأن الحسن البصري كان يقول بجواز الصلاة بوجود القراءة في ركعة واحدة .
و قوله : و إن كان فاسدا لكن إنما عرفنا فساده بدليل اجتهادي غير موجب علم اليقين بل يجوز أن يكون الصحيح قوله غير أنا عرفنا صحة ما ذهبنا إليه و فساد ما ذهب إليه بغالب الرأي فلم يحكم ببطلان التحريمة الثانية بيقين بالشك و لأن الشفع الأول متى دار بين الجواز و الفساد كان الاحتياط في الحكم بفساده ليجب عليه القضاء و ببقاء التحريمة ليصح الشروع في الشفع الثاني ليجب عليه القضاء بوجود مفسد في هذا الشفع أيضا .
إذا عرفت هذا الأصل فنقول : إذا ترك القراءة في الأربع كلها يلزمه قضاء ركعتين في قول أبي حنيفة و محمد و زفر رحمهم الله تعالى لأن التحريمة قد بطلت بفاسد الشفع الأول بيقين فلم يصح الشروع في الشفع الثاني فلا يلزمه القضاء بالإفساد لعدم الإفساد و عند أبي يوسف عليه قضاء الأربع لأن التحريمة بقيت و إن فسد الشفع الأول فيصح الشروع في الشفع الثاني ثم يفسد بترك القراءة أيضا فيجب قضاء الشفعين جميعا .
و لو ترك القراءة في إحدى الأوليين و إحدى الأخريين أو أقرأ في إحدى ا ؟ لأوليين فحسب عند محمد يلزمه قضاء الشفع الأول و لا غير لأن الشفع الأول فسد بترك القراءة في إحدى الركعتين من هذا الشفع فبطلت التحريمة فلم يصح الشروع في الشفع الثاني .
و عند أبي حنيفة و أبي يوسف : يلزمه قضاء الأربع أما عند أبي يوسف فلعدم بطلان التحريمة بفساد الصلاة و عند أبي حنيفة لكون الفساد غير ثابت بدليل مقطوع به فبقيت التحريمة فصح الشروع في الشفع الثاني ثم فسد الشفع الثاني بترك القراءة في الركعتين أو في إحداهما .
و لو ترك القراءة في الأوليين و قرأ في الأخريين يلزمه قضاء ركعتين و هو الشفع بالإجماع لأنه فسد بترك القراءة في الركعتين فليزمه قضاؤه فأما الشفع الثاني فعند أبي يوسف C تعالى صلاة كاملة لأن الشروع فيه قد صح لبقاء التحرمية و قد وجدت القراءة في الركعتين جميعا فصح .
و عند أبي حنيفة و محمد و زفر : لما بطلت التحريمة لم يصح الشروع في الشفع الثاين فلم تكن صلاة فلم يجب إلا قضاء الشفع الأول و الأخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين بالإجماع أما عند أبي حنيفة و محمد و زفر رحمهم الله تعالى فلأن الشفع الثاني ليس بصلاة لانعدام التحريمة و عند أبي يوسف و إن كان صلاة لكنه بناه على تلك التحريمة و إنها انعقدت للأداء و التحريمة الواحدة لا يتسع فيها الأداء و القضاء .
و لو قرأ في إحدى الأوليين لا غير عند محمد يلزمه قضاء ركعتين و عند أبي حنيفة و أبي يوسف قضاء الأربع و ذكر في بعض نسخ الجامع الصغير قول أبي حنيفة مع محمد و الصحيح ما ذكرنا من الدلائل .
و لو قرأ في إحدى الأخريين لا غير عند أبي يوسف يلزمه قضاء الأربع و عند أبي حنيفة و محمد و زفر : يلزمه قضاء الشفع الأول لا غير و لو قرأ في الأوليين لا غير يلزمه قضاء الشفع الأخير عند الكل و كذا لو ترك القراءة في إحدى الأخريين و هذا كله إذا قعد بين الشفعين قدر التشهد فأما إذا لم يقعد تفسد صلاته عند محمد بترك القعدة و لا تتأتى هذه التفريعات عنده و لو كان خلفه رجل اقتدى به فحكمه حكم إمامه يقضي ما يقضي إمامه لأن صلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإمام صحة و فسادا و لو تكلم المقتدي و مضى الإمام في صلاته حتى صلى أربع ركعات و قرأ في الأربع كلها و قعد بين الشفعين فإن تكلم قبل أن يقعد الإمام قدر التشهد فعليه قضاء الأوليين فقط لأنه لم يلتزم الشفع الأخير لأن الالتزام بالشروع و لم يشرع فيه و إنما وجد منه الشروع في الشفع الأول فقط فيلزمه قضاؤه بالإفساد لا غير و إن تكلم بعد ما قعد قدر التشهد قبل أن يقوم إلى الثالثة لا شيء عليه لأنه أدى ما التزم بوصف الصحة و أما إذا قام إلى الثالثة ثم تكلم المقتدي لم يذكر هذه المسألة في الأصل .
و ذكر عصام بن يوسف في مختصره أن عليه قضاء أربع ركعات .
قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد صدر الدين صدر الدين أبو المعين : ينبغي أن يكون هذا الجواب على قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى لأنهما يجعلان هذا كله صلاة واحدة بدليل أنهما لم يحكما بفسادها بترك القعدة الأولى .
و أما عند محمد : فقد بقي كل شفع صلاة على حدة حتى حكم بافتراض القعدة الأولى فكان هذا المقتدي مفسدا للشفع الأخير لا غير فيلزمه قضاؤه لا غير