الأوقات التي يكره التطوع فيها .
و اما الذي يرجع إلى الوقت فيكره التطوع في الأوقات المكروهة و هي اثنا عشر بعضها يكره التطوع فيها لمعنى في الوقت .
و بعضها يكره التطوع فيها لمعنى في غير الوقت أما الذي يكره التطوع فيها لمعنى يرجع إلى الوقت فثلاثة أوقات : .
أحدها : ما بعد طلوع الشمس إلى أن ترتفع و تبيض .
و الثاني : عند استواء الشمس إلى أن تزول .
و الثالث : عند تغير الشمس و هو احمرارها و اصفرارها إلى أن تغرب ففي هذه الأوقات الثلاثة يكره كل تطوع في جميع الأزمان يوم الجمعة و غيره .
و في جميع الأماكن بمكة وغيرها و سواء كان تطوعا مبتدأ لا سبب له أو تطوعا له سبب كركعتي الطواف و ركعتي تحية المسجد و نحوهما .
و روي عن أبي يوسف C تعالى أنه لا بأس بالتطوع وقت الزوال يوم الجمعة و قال الشافعي : لا بأس بالتطوع في هذه الأوقات بمكة .
احتج أبو يوسف C تعالى بما روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة وقت الزوال إلا يوم الجمعة ] و احتج الشافعي C تعالى بما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم [ نهى عن الصلاة في هذه الأوقات إلا بمكة ] .
و لنا : ما روي عن عقبة بن عامر الجهني Bه أنه قال : [ ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهانا أن نصلي فيها و أن نقبر فيها موتانا : إذا طلعت الشمس حتى ترتفع و إذا تضيقت للمغيب و عند الزوال ] .
و روي عن ابن عمر Bهما [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة : وقت الطلوع و الغروب و قال : لأن الشمس تطلع و تغرب بين قرني شيطان ] .
و روى الصالحي أن النبي صلى الله عليه و سلم [ نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس و قال : إنها تطلع بين قرني شيطان يزينها في عين من يعبدها حتى يسجد لها فإذا اترفعت فارقها فإذا كانت عند قائم الظهيرة قارنها فإذا مالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها فلا تصلوا في هذه الأوقات ] .
فالنبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة في هذه الأوقات من غير فصل فهو على العموم و الإطلاق و نبه على معنى النهي و هو طلوع الشمس بين قرني الشيطان و ذلك لأن عبدة الشمس يعبدون الشمس و يسجدون لها عند الطلوع تحية لها وعند الزوال لاستتمام علوها و عند الغروب وداعا لها فيجيء الشيطان فيجعل الشمس بين قرنيه ليقع سجودهم نحو الشمس له فنهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الصلاة في هذه الأوقات لئلا يقع التشبيه بعبدة الشمس و هذا المعنى يعم المصليين اجمع فقد عم النهي بصيغته و معناه فلا معنى للتخصيص و ما روي من النهي إلا بمكة شاذ لا يقبل في معارضة المشهور و كذا رواية استثناء يوم الجمعة غربية فلا يجوز تخصيص المشهور بها .
و أما الأوقات التي يكره فيها التطوع لمعنى في غير الوقت فمنها ما بعد طلوع الفجر إلى صلاة الفجر و ما بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس و ما بعد صلاة العصر إلى مغيب الشمس فلا خاف في أن قضاء الفرائض و الواجبات في هذه الأوقات جائز من غير كراهة و لا خلاف في أن أداء التطوع المبتدأ مكروه فيها و أما التطوع الذي له سبب كركعتي الطواف وركعتي تحية المسجد فمكروه عندنا و عند الشافعي C تعالى لا يكره .
و احتج بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا دخل أحدكم المسجد فليحيه بركعتين ] من غير فصل .
و روي عن عائشة Bها [ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بعد العصر ] .
و عن عمر Bه أنه صلى صلاة الصبح فسمع صوت حدث ممن خلفه فقال : عزمت أحدث أن يتوضأ و يعيد صلاته فلم يقم أحد فقال جرير بن عبد الله البجلي : يا أمير المؤمنين أرأيت لو توضأنا جميعا و أعدنا الصلاة فاستحسن ذلك عمر Bه و قال له : كنت سيدا في الجاهلية فقيها في الإسلام فقاموا و أعادوا الوضوء و الصلاة و لا شك الصلاة ممن لم يحدث كانت نافلة و الدليل عليه أنه لا يكره الفرائض في هذه الأوقات كذا النوافل .
و لنا : ما روي عن ابن عباس Bهما أنه قال : [ شهد عندي رجال مرضيون و أرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تشرق الشمس و لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ] فهو على العموم إلا ما خص بدليل و كذا روي عن أبي سعيد الخدري Bه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ذلك .
و روي عن ابن عمر Bهما أنه طاف بعد طلوع الفجر سبعة أشواط و لم يصل حتى خرج إلى ذي طوى و صلى ثمة بعد ما طلعت الشمس و قال : ركعتان مكان ركعتين و لو كان أداء ركعتي الطواف بعد طلوع الفجر جائزا من غير كراهة لما أخر لأن أداء الصلاة بمكة أفضل خصوصا ركعتا الطواف .
و أما حديث عائشة فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم مخصوصا بذلك دل عليه ما روي أنه قيل لأبي سعيد الخدري أن عائشة تروي أن النبي A صلى بعد العصر فقال إنه فعل ما أمر و نحن نفعل ما أمرنا أشار إلى أنه كان مخصوصا بذلك و لا شركة في موضع الخصوص .
ألا ترى إلى ماروي عن أم سلمة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى ركعتين بعد العصر فسألته عن ذلك فقال شغلني وفد عن ركعتي الظهر فقضيتهما فقالت : و نحن نفعل كذلك فقال : لا ] أشار إلى الخصوصية لأنه كتبت عليه السنن الراتبة .
و مذهبنا : مذهب عمر و ابن عمر و ابن مسعود و ابن عباس و عائشة و أبي سعيد الخدري Bهم و ما روى عن عمر فغريب لا يقبل على أن عمر إنما فعل ذلك لإخراج المحدث عن عهدة الفرض و لا بأس بمباشرة المكروه لمثله و الاعتبار بالفرائض غير سديد لأن الكراهة في هذه الأوقات ليست لمعنى في الوقت بل لمعنى في غيره و هو إخراج ما بقي من الوقت عن كونه تبعا لفرض الوقت لشغله بعبادة مقصودة و معنى الاستتباع لا يمكن تحقيقه في حق الفرض فبطل الاعتبار .
و كذا أداء الواجب الذي وجب يصنع العبد بصنع العبد من النذر و قضاء التطوع الذي أفسده في هذه الأوقات مكروه في ظاهر الرواية .
و عن أبي يوسف C تعالى : أنه لا يكره لأنه واجب فصار كسجدة التلاوة و صلاة الجنازة .
وجه ظاهر الرواية : أن المنذور عينه ليس بواجب بل هو نقل في نفسه و كذا عين الصلاة لا تجب بالشروع و إنما الواجب صيانة المؤداة عن البطلان فبقيت الصلاة نفلا في نفسها فتكره في هذه الأوقات .
و منها : ما بعد الغروب يكره فيه النفل و غيره لأن فيه تأخير المغرب و أنه مكروه و منها ما بعد شروع الإمام في الصلاة و قبل شروعه بعد ما أخذ المؤذن في الإقامة يكره التطوع في ذلك الوقت قضاء لحق الجماعة كما تكره السنة إلا في سنة الفجر على التفصيل الذي ذكرنا في السنن .
و منها : وقت الخطبة يوم الجمعة يكره فيه الصلاة لأنها سبب لترك استماع الخطبة .
و عند الشافعي : يصلي ركعتين خفيفتين تحية المسجد و المسألة قد مرت في صلاة الجمعة .
و منها : ما بعد خروج الإمام للخطبة يوم الجمعة قبل أن يشتغل بها و ما بعد فراغه منها قبل أن يشرع في الصلاة يكره التطوع فيه و الكلام و جميع ما يكره في حالة الخطبة عند أبي حنيفة C تعالى .
و عندهما : لا يكره الكلام و تكره الصلاة و قد مر الكلام فيها في صلاة الجمعة .
و منها : ما قبل صلاة العيد يكره التطوع فيه لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يتطوع قبل العيدين مع شدة حرصه على الصلاة و عن علي Bه أنه خرج إلى صلاة العيد فوجد الناس يصلون فقال : إنه لم يكن قبل العيد صلاة فقيل له ألا تنهاهم فقال : لا فإني أخشى ان أدخل تحت قوله تعالى : { أرأيت الذي ينهى } { عبدا إذا صلى } .
و عن عبد الله بن مسعود و حذيفة Bهما أنهما : كانا ينهيان الناس عن الصلاة قبل العيد و لأن المبادرة إلى صلاة العيد مسنونة و في الاشتغال بالتطوع تأخيرها ولو اشتغل بأداء التطوع في بيته يقع في وقت طلوع الشمس و كلاهما مكروهان و قال محمد بن مقاتل الرازي من أصحابنا : إنما يكره ذلك في المصلى كيلا يشتبه على الناس أنهم يصلون العيد قبل صلاة فأما في بيته فلا بأس بأن يتطوع بعد طلوع الشمس .
و عامة أصحابنا : على أنه لا يتطوع قبل صلاة العيد لا في المصلى و لا في بيته فأول الصلاة في هذا اليوم صلاة العيد و الله أعلم