فصل في بيان كيفية الصلاة على الجنازة .
و أما بيان كيفية الصلاة على الجنازة فينبغي أن يقوم الإمام عند الصلاة بحذاء الصدر من الرجل و المرأة .
و روى الحسن في كتاب صلاته عن أبي حنيفة C تعالى أنه قال : في الرجل يقوم بحذاء وسطه و من المرأة بحذاء صدرها و هو قول ابن أبي ليلى .
وجه رواية الحسن : أن في القيام بحذاء الوسط تسوية بين الجانبين في الحظ من الصلاة إلا أن في المرأة يقوم بحذاء صدرها ليكون أبعد عن عورتها الغليظة وجه ظاهر الرواية أن الصدر هو وسط البدن لن الرجلين و الرأس من جملة الأطراف فيبقى البدن من العجيزة إلى الرقبة فكان وسط البدن هو الصدر و القيام بحذاء الوسط أولى ليستوي الجانبان في الحظ من الصلاة و لأن القلب معدن العلم و الحكمة فالوقوف بحياله أولى و لا نص عن الشافعي في كيفية القيام و أصحابه يقولون : يقوم بحذا رأس الرجل و بحذاء عجز المرأة و يكون هذا مذهب الشافعي لما روي عن أنس Bه أنه صلى على أمرأة عند عجيزتها و صلى على رجل فقام عند رأسه فقيل له : أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي كذلك قال نعم .
قالوا : و مذهب الشافعي لا يخالف السنة فيكون هذا مذهبه و إن لم يرو عنه و لكنا نقول هذا معارض بما روى سمرة بن جندب أن رسول الله A على أم قلابة ماتت في نفاسها فقام وسطها .
و هذا موافق لمذهبنا لما ذكرنا أنه يقوم بحذاء صدر كل واحد منهما لأن الصدر وسط البدن أو نؤول فنقول : يحتمل أنه وقف بحذاء الوسط إلا أنه مال في أحد الموضعين إلى الرأس و في اآخر إلى العجز فظن الراوي أنه فرق بين الأمرين ثم يكبر أربع تكبيرات و كان ابن أبي ليلى يقول خمس تكبيرات و هو رواية عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى .
و قد اختلفت الروايات في فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم فروي عنه الخمس و السبع و التسع و أكثر من ذلك إلا أن أخر فعله كان أربع تكبيرات لما روي عن عمر Bه أنه جمع الصحابة Bهم حين اختلفوا في عدد التكبيرات و قال لهم : إنكم اختلفتم فمن يأتي بعدكم يكون أشد اختلافا منكم فانظروا آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم على جنازة فخذوا بذلك فوجدوه صلى على امرأة كبر عليها أربعا فاتفقوا على ذلك فكان ذلك دليلاعلى كون التكبيرات في صلاة الجنازة أربعا لأنهم أجمعوا عليها حتى قال عبد الله بن مسعود Bه حين سئل عن التكبيرات الجنازة كل ذلك قد كان و لكني رأيت الناس أجمعوا على أربع تكبيرات و الإجماع حجة و كذا رووا عنه أنه صلى الله عليه و سلم كذا كان يفعل .
ثم أخبروا أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت بأربع تكبيرات و هذا خرج مخرج التناسخ حيث لم تحمل الأمة الأفعال المختلفة على التخيير فدل أن ما تقدم نسخ بهذه التي صلاها آخر صلاته و لأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة و ليس في المكتوبات على أربع ركعات إلا أن ابن أبي ليلى يقول التكبيرة الأولى للافتتاح فينبغي أن يكون بعدها أربع تكبيرات كل تكبيرة قائمة مقام ركعة و الرفضة : زعمت أن عليا كان يكبر على أهل بيته خمس تكبيرات و على سائر الناس أربعا و هذا افتراء منهم عليه فإنه روي عنه أنه كبر على فاطمة أربعا و روي أنه صلى على فاطمة أبو بكر و كبر و عمر صلى على أبي بكر الصديق و كبر أربعا فإذا كبر الأولى أثنى على الله تعالى و هو أن يقول : سبحانك اللهم و يحمدك إلى آخره .
و ذكر الطحاوي أنه لا استفتاح فيه و لكن النقل و العادة أنهم يستفتحون بعد تكبيرة الافتتاح كما يستفتحون في سائر الصلوات و إذا كبر الثانية يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و هي الصلاة المعروفة و هي أن يقول : اللهم صل على محمد و على آل محمد إلى قوله إنك حميد مجيد و إذا كبر الثالثة يستغفرون للميت و يشفعون و هذا لأن صلاة الجنازة دعاء للميت و السنة في الدعاء أن يقدم الحمد ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ثم الدعاء بعد ذلك ليكون أرجى ان يستجاب و الدعاء أن يقول : اللهم اغفر لحينا و ميتنا إنه كان يحسنه يذكر ما يدعو به في التشهد : اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات إلى آخره هذا إذا كان بالغا فأما إذا كان صبيا فإنه يقول : اللهم اجعله لنا فرطا و ذخرا و شفعه فينا كذا روي عن أبي حنيفة C تعالى و هو المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم يكبر التكبيرة الرابعة و يسلم تسليمتين لأنه جاء أوان التحلل و ذلك بالسلام و هل يرفع صوته بالتسليم لم يتعرض في ظاهر الرواية .
و ذكر الحسن بن زاد أنه لا يرفع صوته بالتسليم في صلاة الجنازة لأن رفع الصوت مشروع للإعلام و لا حاجة إلى الإعلام بالتسليم في صلاة الجنازة لأنه مشروع عقب التكبيرة الرابعة بلا فصل و لكن العمل في زماننا هذا يخالف ما يقوله الحسن و ليس في ظاهر المذهب بعد التكبيرة الرابعة دعاء سوى السلام و قد اختار بعض مشايخنا ما يختم به سائر الصلوات اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة إلى آخره فإن كبر الإمام خمسا يتابعه المقتدي في الخامسة .
و عند زفر : يتابعه .
وجه قوله : إن هذا مجتهد فيه فيتابع المقتدي إمامه كما في تكبيرات العيد .
و لنا : أن هذا عمل بالمنسوخ لأن ما زاد على أربع تكبيرات ثبت انتساخه بما روينا فظهر خطأه بيقين فيه فلا يتابعه في الخطأ بخلاف تكبيرات العيدين لأنه لم يظهر خطأه بيقين حتى لو ظهر لا يتابعه على ما ذكرنا في صلاة العيدين ثم اختلفت الروايات عن أبي حنيفة C تعالى أن المقتدي ماذا يفعل إذا لم يتابعه في التكبيرة الزائدة في رواية قال ينتظر الإمام حتى يتابعه في التسليم لأن البقاء في حرمة الصلاة ليس بخطأ إنما الخطأ متابعته في التكبير فينتظره و لا يتابع و في رواية قال : يسلم و لا ينتظر لأن البقاء في التحريمة بعد التكبيرة الرابعة خطأ لأن التحليل عقيبها هو المشروع بلا فصل يتابعه في البقاء كما لا يتابعه في التكبيرة الزائدة و لا يقرأ في الصلاة على الجنازة بشيء من القرآن .
و قال الشافعي C تعالى : يفترض قراءة الفاتحة فيها و ذلك عقب التكبيرة الأولى بعد الثناء و عندنا لو قرأ الفاتحة على سبيل الدعاء و الثناء لم يكره .
و احتج الشافعي بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ] .
و قوله : لا صلاة إلا بقراءة و هذه صلاة بدليل شرط الطهارة و استقبال القبلة فيها .
و عن جابر [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كبر على ميت أربعا و قرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ] .
و عن [ ابن عباس Bهما أنه صلى على جنازة فقرأ فيها بفاتحة الكتاب و جهر بها و قال : إنما جهرت لتعلموا أنها سنة ] .
و لنا : ما روي عن ابن مسعود Bه أنه سئل عن صلاة الجنازة هل يقرأ فيها ؟ فقال : [ لم يؤقت لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قولا و لا قراءة ] و في رواية [ دعاء و لا قراءة كبر ما كبر الإمام و اختر من أطيب الكلام ما شئت ] و في رواية [ و اختر من الدعاء أطيبه ] .
و روى عن عبد الرحمن بن عوف و ابن عمر Bهم أنهم قالا : ليس فيها قراءة شيء من القرآن و لأنها شرعت للدعاء و مقدمة الدعاء الحمد و الثناء و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم لا القراءة و قوله صلى الله عليه و سلم : [ لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ] و [ لا صلاة إلا بقراءة ] لا يتناول صلاة الجنازة لأنها ليست بصلاة على الحقيقة إنما هي دعاء و استغفار للميت .
ألا ترى أنه ليس فيها الأركان التي تتركب منها الصلاة من الركوع و السجود إلا أنها تسمى صلاة لما فيها من الدعاء و اشتراط الطهارة و استقبال القبلة فيها لا تدل على كونها حقيقية كسجدة التلاوة و لأنها ليست بصلاة مطلقة فلا يتناولها مطلق الاسم .
و حديث ابن عباس Bهما : معارض بحديث ابن عمر و ابن عوف و تأويل حديث جابر أنه كان قرأ على سبيل الثناء لا على سبيل قراءة القرآن و ذلك ليس بمكروه عندنا و لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى و كثير من الأئمة بلخ اختاروا رفع اليد في كل تكبيرة من صلاة الجنازة و كان نصير بن يحيى برفع تارة و لا يرفع تارة وجه قوله من اختار الرفع أن هذه تكبيرات يؤتى بها في قيام مستوي فيرفع اليد عندها كتكبيرات العيد و تكبير القنوت و الجامع الحاجة إلى إعلام من خلفه من الأصم .
وجه ظاهر الرواية قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن ] و ليس فيها صلاة الجنازة .
و عن علي و ابن عمر Bهم أنهما قالا : لا ترفع الأيدي فيها إلا عند تكبيرة الافتتاح لأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة ثم لا ركعة ثم لا ترفع الأيدي في سائر الصلوات إلا عند تكبيرة الافتتاح عندنا فكذا في صلاة الجنازة و لا يجهز بما يقرأ عقيب كل تكبيرة لأنه ذكروا السنة في المخافتة و إذا صلين النساء جماعة على جنازة قامت الإمامة و سطهن كما في الصلاة المفروضة المعهودة و لو كبر الإمام تكبيرة أو تكبيرتين أو ثلاث تكبيرات ثم جاء رجل لا يكبر و لكنه ينتظر حتى يكبر الإمام فيكبر معه ثم إذا سلم الإمام قضى ما عليه قبل أن ترفع الجنازة و هذا قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و قال أبو يوسف C تعالى : يكبر واحدة حين يحضر ثم إن كان الإمام كبر واحدة لم يقض شيئا و إن كان كبر ثنتين قضى واحدة و لا يقتضي تكبيرة الافتتاح هو يقول : أنه مسبوق فلا بد من أن يأتي بتكبيرة الائتام حين انتهى إلى الإمام كما في سائر الصلوات و كما لو كان حاضرا مع الإمام و وقع تكبير الافتتاح سابقا عليه أنه يأتي بالتكبير و لا ينتظر أن يكبر الإمام الثانية بالإجماع كذا هذا .
و لهما : ما روي عن ابن عباس Bهما أنه قال : في الذي انتهى إلى الإمام و هو في صلاة الجنازة و قد سبقه الإمام بتكبيرة أنه لا يشتغل بقضاء ما سبقه الإمام بل يتابعه و هذا قول روي عنه و لم يرو عن غيره خلافه فحل محل الإجماع و لأن كل تكبيرة من هذه الصلاة قائمة مقام ركعة بدليل أنه لو ترك تكبيرة منها تفسد صلاته كما لو ترك ركعة من ذوات الأربع و المسبوق بركعة يتابع الإمام في الحالة التي أدركها و لا يشتغل بقضاء ما فاته أولا لأن من كان خلف الإمام فهو في حكم المدرك لتكبيرة الافتتاح .
ألا ترى أن في تكبيرة الافتتاح يكبرون بعد الإمام و يقع ذلك أداء لا قضاء فيأتي بها حين حضرته النية بخلاف المسبوق فإنه غير مدرك للتكبيرة الأولى و هي قائمة مقام ركعة فلا يشتغل بقضائها قبل سلام الإمام كسائر االتكبيرات ثم عندهما يقضي ما فاته لأن المسبوق يقضي الفائت لا محالة و لكن قبل أن ترفع الجنازة لأن صلاة الجنازة لا تتصور .
و عند أبي يوسف C تعالى : إن كان الإمام كبر واحدة لم يقض شيئا و إن كبر ثنتين قضى واحدة لما ذكرنا و لو جاء بعدما كبر الإمام الرابعة قبل السلام لم يدخل معه و قد فاتته الصلاة عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى .
و عند أبي يوسف C تعالى : يكبر واحدة و إذا سلم الإمام قضى ثلاث تكبيرات كما لو كان حاضرا خلف الإمام و لو يكبر شيئا حتى كبر الإمام الرابعة و الصحيح قولهما لأنه لا وجه إلى أن يكبر وحده لما قلنا و الإمام لا يكبر بعد هذا لتتابعه و الأصل في الباب عندهما أن المقتدي يدخل بتكبيرة الإمام فإذا فرغ الإمام من الرابعة تعذر عليه الدخول .
و عند أبي يوسف C تعالى : يدخل إذا بقيت التحريمة و ذكر عصام بن يوسف : أن عند محمد ههنا يكبر أيضا بخلاف ما إذا جاء و قد كبر الإمام ثلاث تكبيرات حيث لا يكبر بل ينتظر الإمام حتى يكبر الرابعة عند محمد C تعالى لأن الاشتغال بقضاء ما سبق قبل فراغ الإمام إن كان لا يجوز لكن جوزنا ههنا لمكان الضرورة لأنه لو انتظر الإمام ههنا فاتته الصلاة بخلاف تلك الصورة و الله تعالى أعلم