في بيان من له ولاية الصلاة على الميت .
و أما بيان من له ولاية الصلاة على الميت فذكر في الأصل إن إمام الحي أحق بالصلاة على الميت و روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن الإمام الأعظم أحق بالصلاة إن حضر فإن لم يحضر فأمير المصر و إن لم يحضر فإمام الحي فإن لم يحضر فالأقرب من ذوي قراباته و هذا هو حاصل المذهب عندنا و التوفيق بين الروايتين ممكن لأن السلطان إذا حضر فهو أولى لأنه إمام الأئمة فإن لم يحضر فالقاضي لأنه نائبه فإن لم يحضر فإمام الحي لأنه رضي بإمامته في حال حياته فيدل على الرضا به بعد مماته و لهذا لو عين الميت أحدا في حال حياته فهو أولى من القريب لرضاه به إلا أنه بدأ في كتاب الصلاة بإمام الحي لأن السلطان قلما يحضر الجنائز ثم الأقرب فالأقرب من عصبته و ذوي قراباته لأن ولاية القيام بمصالح الميت له و هذا قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى فأما على قول أبي يوسف و هو قول الشافعي : القريب أولى من السلطان لأبي يوسف و الشافعي أن هذا أمر مبني على الولاية .
و القريب في مثل هذا مقدم على السلطان كما في النكاح و غيره من التصرفات و لأن هذه الصلاة شرعت للدعاء و الشفاعة للميت و دعاء القريب أرجى لأنه يبالغ في إخلاص الدعاء و إحضار القلب بسبب زيادة شفقته و توجد منه زيادة رقة و تضرع فكان أقرب إلى الإجابة .
و لأبي حنيفة و محمد : ما روي أن الحسن بن علي Bهما لما مات قدم الحسين بن علي سعيد بن العاص ليصلي عليه و كان واليا بالمدينة و قال : لولا السنة ما قدمتك و في رواية قال : [ لولا أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن التقدم لما قدمتك ] و لأن هذا من الأمور العامة فيكون متعلقا بالسلطان كإقامة الجمعة و العيدين بخلاف النكاح فإنه من الأمور الخاصة و ضرره و نفعه يتصل بالولي لا بالسلطان فكان إثبات الولاية للقريب أنفع للمولى عليه و تلك ولاية نظر ثبتت حقا للمولى عليه قيل الولي بخلاف ما نحن فيه .
أما قوله : إن دعاء القريب و شفاعة أرجى فنقول : بتقدم الغير لا يفوت دعاء القريب و شفاعته مع أن دعاء الإمام أقرب إلى الإجابة على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ثلاث لا يحجب دعاؤهم و ذكر فيهم : الإمام ثم تقدم إمام الحي ليس بواجب و لكنه أفضل لما ذكرنا أنه رضية في حال حياته ] .
و أما تقديم السلطان فواجب لأن تعظيمه مأمور به و لأن ترك تقديمه لا يخلو عن فساد التجاذب و التنازع على ما ذكرنا في صلاة الجمعة و العيدين و لو كان للميت وليان في درجة واحدة فأكبرهما سنا أولى لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بتقديم الأسن في الصلاة .
و لهما : أن يقدما غيرهما و لو قدم كل واحد منهما رجلا على حدة فالذي قدمه الأكبر أولى و ليس لأحدهما أن يقدم إنسانا إلا بإذن الآخر لأن الولاية ثابتة لهما إلا أنا قدمنا الأسن لسنه فإذا أراد أن يستخلف غيره كان الآخر أولى فإن تشاجر الوليان فتقدم أجنبي بغير إذنهما فصلى ينظر إن صلى الأولياء معه جازت الصلاة و لا تعاد و إن لم يصلوا معه فلهم إعادة الصلاة .
و إن كان أحدهما أقرب من الآخر فالولاية إليه و له أن يقدم من شاء لأن الأبعد محجوب به فصار نزلة الأجنبي و لو كان الأقرب غائبا بمكان تفوت الصلاة بحضوره بطلت ولايته و تحولت الولاية إلى الأبعد .
و لو قدم الغائب غيره بكتاب كان للأبعد أن يمنعه و له أن يتقدم بنفسه أو يقدم من شاء لأن ولاية الأقرب قد سقطت لما أن في التوقيف على حضوره ضررا بالميت و الولاية تسقط مع ضرر المولى عليه فتنقل إلى الأبعد و المريض في المصر بمنزلة الصحيح يقدم من شاء و ليس للأبعد منعه و لأن ولايته قائمة .
ألا ترى أن له أن يتقدم مع مرضه فكان له حق التقديم و لا حق للنساء و الصغار و المجانين في التقدم لانعدام ولاية التقدم و لو ماتت امرأة و لها زوج و ابن بالغ عاقل فالولاية للابن دون الزوج لما روي عن عمر Bه أنه ماتت له امرأة فقال لأوليائها : كنا أحق بها حين كانت حية فأما إذا ماتت فإنتم أحق بها و لأن الزوجية تنقطع بالموت و القرابة لا تنقطع لكن يكره للابن أن يتقدم أباه و ينبغي أن يقدمه مراعاة لحرمة الأبوة .
قال أبو يوسف C تعالى و له في حكم الولاية أن يقدم غيره لأن الولاية له و إنما منع من التقدم حتى لا يستخف بأبيه فلم تسقط ولايته في التقديم و إن كان لها ابن من زوج آخر فلا بأس بأن يتقدم على هذا الزوج لأنه هو أولى و تعظيم زوج أمه غير واجب عليه و سائر القرابات أولى من الزوج و كذا مولى العتاقة و ابن المولى الموالاة لما ذكرنا أن السبب قد انقطع فيما بينهما فإن تركت أبا و زوجا و ابنا من هذا الزوج فلا ولاية للزوج لما بينا .
و أما الأب فقد ذكر في كتاب الصلاة أن الأب أحق من غيره و قيل : هو قول محمد C تعالى .
و أما عند أبي يوسف C تعالى : فالابن أحق إلا أنه يقدم الأب تعظيما له و عند محمد C تعالى الولاية للأب و قيل : هو قولهم جميعا في صلاة الجنازة لأن للأب فضيلة على الابن و زيادة سن و الفضيلة تعتبر ترجيحا في استحقاق الإمامة كما في سائر الصلوات بخلاف سائر الولايات و مولى الموالاة أحق من الأجنبي لأنه التحق بالقريب بعقد الموالاة و لو مات الابن و له أب و أب الأب فالولاية لأبيه و لكنه يقدم أباه الذي هو جد الميت تعظيما له كذلك المكاتب إذا مات ابنه أو عبده و مولاه حاضر فالولاية للمكاتب لكنه يقدم مولاه احتراما له ثم إذا صلى على الميت يدفن