فصل : في الشهيد .
فصل : و أما الشهيد فالكلام فيه في موضعين : .
أحدهما : في بيان من يكون شهيدا في الحكم و من لا يكون .
و الثاني : في بيان حكم الشهادة في الدنيا .
أما الأول : فمبني على شرائط الشهادة و هي أنواع : .
منها ك أن يكون مقتولا حتى لو مات حتف أنفه أو تردى من موضع أو احترق بالنار أو مات تحت هدم أو غرق لا يكون شهيدا لأنه ليس بمقتول فلم يكن في معنى شهداء أحد و بأي شيء قتل في المعركة سلاح أو غيره فهو سواء في حكم الشهادة لأن شهداء أحد ما قتل كلهم بسلاح بل منهم من قتل بغير سلاح و أما في المصر فيختلف الحكم فيه على ما نذكر .
و منها : أن يكون مظلوما حتى لو قتل بحق في قصاص أو رجم لا يكون شهيدا لأن شهداء أحد قتلوا مظلومين و روي أنه لما رجم ماعز جاء عمه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : قتل ماعز كما تقتل الكلاب فماذا تأمرني أن أصنع به فقال النبي صلى الله عليه و سلم [ لا تقل هذا فقد تاب توبة لو قسمت توبته على أهل الأرض لوسعتهم اذهب فاغسله و كفنه و صل عليه ] و كذلك من مات من حد أو تعزير أو عدا على قوم ظلما فقتلوه لا يكون شهيدا لأنه ظلم نفسه و كذا لو قتله سبع لانعدام تحقق الظلم .
و منها : أن لا يخلف عن نفسه بدلا هو مال حتى لو كان مقتولا خطأ أو شبه عمد بأن قتله في المصر نهارا بعصا صغيرة أو سوط أو وكزة باليد أو لكزه بالرجل لا يكون شهيدا لأن الواجب في هذه المواضع هو المال دون القصاص و ذا دليل خفة الجناية فلم يكن في معنى شهداء أحد لأن غير السلاح مما يلبث فكان بحال لو استغاث لحقه الغوث فإذا لم يستغث جعل كأنه أعان على قتل نفسه بخلاف ما إذا قتل في المفازة بغير السلاح لأن ذلك يوجب القتل بحكم قطع الطريق لا المال لأنه لو استغاث لا يلحقه الغوث فلم يصر بترك الاستغاثة معينا على قتل نفسه و كذلك إذا قتله بعصا كبيرة أو بمدقة القصارين أو بحجر كبير أو بخشبة عظيمة أو خنقه أو غرقه في الماء أو ألقاه من شاهق الجبل عند أبي حنيفة C تعالى لأن هذا كله شبه عمد عنده فكان الواجب فيه الدية دون القصاص و عند أبي يوسف و محمد الواجب هو القصاص فكان المقتول شهيدا .
و لو نزل عليه اللصوص ليلا في المصر فقتل بسلاح أو غيره أو قتله قطاع الطريق خارج المصر بسلاح أو غيره فهو شهيد لأن القتيل لم يخلف في هذه المواضع بدلا هو مال .
و لو قتل في المصر نهارا بسلاح ظلما بأن قتل بحديدة أو ما يشبه الحديدة كالنحاس و الصفر و ما أشبه ذلك أو ما يعمل الحديد من جرح أو قطع أو طعن بأن قتله بزجاجة أو بلطية قصب أو طعنه برمح لا زج له أو رماه بنشابة لا نصل لها أو أحرقه بالنار