صفة الواجب في أموال التجارة .
فصل : و أما صفة الواجب في أموال التجارة فالواجب فيها ربع عشر العين و هو النصاب في قول أصحابنا و قال بعض مشايخنا : هذا قول أبي يوسف و محمد .
و أما على قول أبي حنيفة : فالواجب فيها أحد شيئين : إما العين أو القيمة فالمالك بالخيار عند حولان الحول إن شاء أخرج ربع عشر العين و إن شاء أخرج ربع عشر القيمة و بنوا على بعض مسائل الجامع فيمن كانت له مائتا قفيز حنطة للتجارة قيمتها مائتا درهم فحال عليها الحول فلم يؤد زكاتها حتى تغير سعرها إلى النقصان حتى صارت قيمتها مائة درهم أو إلى الزيادة حتى صارت قيمتها أربعمائة درهم إن على قول أبي حنيفة إن أدى من عينها يؤدي خمسة أقفزة في الزيادة و النقصان جميعا لأنه تبين أنه الواجب من الأصل فإن أدى القيمة يؤدي خمسة دراهم في الزيادة و النقصان جميعا لأنه تبين أنها هي الواجبة يوم الحول .
و عند أبي يوسف و محمد : إن أدى من عينها يؤدي خمسة أقفزة في الزيادة و النقصان جميعا كما قال أبو حنيفة و إن أدى من القيمة يؤدي في النقصان درهمين و نصفا و في الزيادة عشرة دراهم لأن الواجب الأصلي عندهما هو ربع عشر العين و إنما له ولاية النقل إلى القيمة يوم الأداء فيعتبر قيمتها يوم الأداء و الصحيح أن هذا مذهب جميع أصحابنا لأن المذهب عندهم أنه إذا هلك النصاب بعد الحول تسقط الزكاة سواء كان من السوائم او من أموال التجارة و لو كان الواجب أحدهما غير عين عند أبي حنيفة لتعينت القيمة عند هلاك العين على ما هو الأصل في التخيير بين شيئين إذا هلك أحدهما أنه يتعين الآخر .
و كذا لو وهب النصاب من الفقير و لم تحضره النية أصلا سقطت عنه الزكاة و لو لم يكن الواجب في النصاب عينا لما سقطت كما إذا وهب منه غير النصاب و كذا إذا باع نصاب الزكاة من السوائم و الساعي حاضر إن شاء أخذ من المشتري و إن شاء أخذ من البائع و لولا أن الواجب ربع عشر العين لما ملك الأخذ من غير المشتري فدل أن مذهب جميع أصحابنا هذا و هو أن الواجب ربع عشر العين إلا عند أبي حنيفة الواجب عند الحول ربع عشر العين من حيث أنه مال لا من حيث أنه عين .
و عندهما : الواجب ربع عشر العين من حيث الصورة و المعنى جميعا لكن لمن عليه حق النقل من العين إلى القيمة وقت الأداء .
و مسائل الجامع مبنية على هذا الأصل على ما نذكره .
و قال الشافعي : الواجب من قدر الزكاة بعد الحول في الذمة لا في النصاب و على هذا ينبني ما إذا هلك مال الزكاة بعد الحول و بعد التمكن من الأداء أنه تسقط عنه الزكاة عندنا و عنده لا تسقط و إذا هلك قبل التمكن من الأداء لا تجب عندنا و للشافعي : قولان في قول لا تجب أصلا و في قول تجب ثم تسقط لا إلى ضمان و لا خلاف في أن صدقة الفطر لا تسقط بهلاك النصاب و على هذا الخلاف العشر و الخراج .
وجه قول الشافعي : أن هذا حق وجب في ذمته و تقرر بالتمكن من الأداء فلا يسقط بهلاك النصاب كما في ديون العباد و صدقة الفطر و كما في الحج فإنه إذا كان موسرا وقت خروج القافلة من بلده ثم هلك ماله لا يسقط الحج عنه و إنما قلنا أنه وجب في ذمته لأن الشرع أضاف الإيجاب إلى مال لا بعينه قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ في مائتي درهم خمسة دراهم و في أربعين شاة شاة ] أوجب خمسة و شاة لا بعينها و الواجب إذا لم يكن عينا كان في الذمة كما في صدقة الفطر و نحوها و لأن غاية الأمر أن قدر الزكاة أمانة في يده لكنه مطالب شرعا بالأداء بعد التمكن منه و من منع الحق عن المستحق بعد طلبه يضمن كما في سائر الأمانات .
و الخلاف ثابت فيما إذا طلبه الفقير أو طالبه الساعي بالأداء فلم يؤد حتى هلك النصاب .
و لنا : أن المالك إما أن يؤاخذ بأصل الواجب أو بضمانه لا وجه للأول لأن محله النصاب و الحق لا يبقى بعد فوات محله كالعبد الجاني أو المديون إذا هلك و الشقص الذي فيه الشفعة إذا صار بحرا و الدليل على أن محل أصل الواجب هو النصاب قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } .
و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ خذ من الذهب الذهب و من الفضة الفضة و من الإبل الإبل ] الحديث و كلمة من تبعيض فيقتضي أن يكون الواجب بعض النصاب و قوله صلى الله عليه و سلم : [ في مائتي درهم خمسة دراهم و في أربعين شاة شاة ] جعل الواجب مظروفا في النصاب لأن في للظرف و لأن الزكاة عرف وجوبها على طريق اليسر و طيبة النفس بأدائها و لهذا اختص وجوبها بالمال النامي الفاضل عن الحاجة الأصلية و شرط لها الحول و كمال النصاب و معنى اليسر في كون الواجب في النصاب يبقى ببقائه و يهلك بهلاكه و لا سبيل إلى الثاني لأن وجوب الضمان يستدعي تفويت ملك أو يد كما في سائر الضمانات و هو بالتأخير عن أول أوقات الإمكان لم يفوت على الفقير ملكا و لا يدا فلا يضمن بخلاف صدقة الفطر و الحج لأن محل الواجب هناك ذمته لا ماله و ذمته باقية بعد هلاك المال .
و أما قوله : إنه منع حق الفقير بعد طلبه فنقول إن هذا الفقير ما تعين مستحقا لهذا الحق فإن له أن يصرفه إلى فقير آخر و إن طالبه الساعي فامتنع من الأداء حتى هلك المال قال أهل العراق من أصحابنا : إنه يضمن لأن الساعي متعين للأخذ فيلزمه الأداء عند طلبه فيصير بالامتناع مفوتا فيضمن و مشايخنا بما وراء النهر قالوا : إنه لا يضمن و هو الأصح فإنه ذكر في كتاب الزكاة إذا حبس السائمة بعد ما وجبت الزكاة فيها حتى ثويت لم يضمنها و معلوم أنه لم يرد بهذا الحبس أن يمنعها العلف و الماء لأن ذلك استهلاك لها و لو استهلكها يصير ضامنا لزكاتها و إنما أراد به حبسها بعد طلب الساعي لها و الوجه فيه أنه ما فوت بهذا الحبس ملكا و لا يدا على أحد فلا يصير ضامنا و له رأي في اختيار محل الأداء إن شاء من السائمة و إن شاء من غيرها فإنما حبس السائمة ليؤدي من محل ىخر فلا يصير ضامنا .
هذا إذا هلك كل النصاب فإن هلك بعضه دون بعض فعليه في الباقي حصته من الزكاة إذا لم يكن في المال فضل على النصاب بلا خلاف لأن البعض معتبر بالكل ثم إذا هلك الكل سقط جميع الزكاة فإذا هلك البعض يجب أن يسقط بقدره .
هذا إذا لم يكن في المال عفو فاما إذا اجتمع فيه النصاب و العفو ثم هلك البعض فعلى قول أبي حنيفة و أبي يوسف يصرف الهلاك إلى العفو أولا كأنه لم يكن في ملكه إلا النصاب .
و عند محمد و زفر : يصرف الهلاك إلى الكل شائعا حتى إذا كان له تسعة من الإبل فحال عليها الحول ثم هلك منها أربعة فعلية في الباقي شاة كاملة في قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و عند محمد و زفر : عليه في الباقي خمسة أتساع شاة .
و الأصل عند أبي حنيفة و أبي يوسف : أن الوجوب يتعلق بالنصاب دون العفو و عند محمد و زفر رحمهما الله يتعلق بهما جميعا و احتجا بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ في خمس من الإبل شاة إلى تسع ] أخبر أن الوجوب يتعلق بالكل و لأن سبب الوجوب هو المال النامي و العفو مال نام و مع هذا لا تجب بسببه زيادة على أن الوجوب في الكل نظيره إذا قضى القاضي بحق بشهادة ثلاثة نفر كان قضاؤه بشهادة الكل و إن كان لا حاجة إلى القضاء إلى الثالث و إذا ثبت أن الوجوب في الكل فما هلك يهلك بزكاته و ما بقي يبقى بزكاته كالمال المشترك .
و احتج أبو حنيفة و أبو يوسف بقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عمرو بن حزم : [ في خمس من الإبل السائمة شاة و ليس في الزيادة شيء حتى تكون عشر ] .
و قال في حديثه أيضا : [ في خمس و عشرين من الإبل بنت مخاض و ليس في الزيادة شيء إلى خمس و ثلاثين ] و هذا نص على أن الواجب في النصاب دون الوقص و لأن الوقص و العفو تبع للنصاب لأن النصاب باسمه و حكمه يستغني عن الوقص و الوقص باسمه و حكمه لا يستغني عن النصاب و المال إذا اشتمل على أصل و تبع فإذا هلك منه شيء يصرف الهلاك إلى التبع دون الأصل كمال المضاربة إذا كان فيه ربح فهلك شيء منه يصرف الهلاك إلى الربح دون رأس المال كذا هذا .
و على هذا إذا حال الحول على ثمانين شاة ثم هلك أربعون منها و بقي أربعون فعليه في الأربعين الباقية شاة كاملة في قول أبي يوسف رحمهما الله لأن الهلاك يصرف إلى العفو أولا عندهما فجعل كأن الغنم أربعون من الإبتداء و في قول محمد و زفر : عليه في الباقي نصف شاة لأن الواجب في الكل عندهما و قد هلك النصف فيسقط الواجب بقدره و لو هلك منها عشرون و بقي ستون فعليه في الباقي شاة عند أبي حنيفة و أبي يوسف .
و عند محمد و زفر : ثلاثة أرباع شاة لما قلنا و على هذا مسائل في الجامع .
ثم اختلف أصحابنا فيما بينهم فعند أبي حنيفة الواجب في الدراهم و الدنانير و أموال التجارة جزء من النصاب من حيث المعنى لا من حيث الصورة .
و عند أبي يوسف و محمد رحمهما الله : الواجب هو الجزء منه صورة و معنى لكن يجوز إقامة غيره مقامه من حيث المعنى و يبطل اعتباره الصورة بإذن صاحب الحق و هو الله تعالى .
و أما في زكاة السوائم فقد اختلف مشايخنا على قول أبي حنيفة .
قال بعضهم : الواجب هناك أيضا جزء من النصاب من حيث المعنى و ذكر المنصوص عليه من خلال جنس النصاب للتقدير .
و قال بعضهم : الواجب هو المنصوص عليه لا جزء من النصاب لكن من حيث المعنى .
و عندهما : الواجب هو المنصوص عليه صورة و معنى لكن يجوز إقامة غيره مقامة من حيث المعنى دون الصورة على ما ذكرنا .
و ينبني عى هذا الأصل مسائل الجامع إذا كان لرجل مائتا قفيز حنطة للتجارة تساوي مائتي درهم و لا مال له غير ذلك و حال عليها الحول فإن أدى من عينها يؤدي خمسة أقفزة بلا خلاف لأنها هي ربع عشر النصاب و هو الواجب على ما مر و لو أراد أن يؤدي القيمة جاز عندنا خلافا للشافعي .
لكن عند أبي حنيفة في الزيادة و النقصان جميعا يؤدي قيمتها يوم الحول و هي خمسة دراهم .
و عندهما : في الفصلين جميعا يؤدي قيمتها يوم الأداء في النقصان درهمين و نصفا