فصل : و أما نصاب الغنم .
فصل : و أما نصاب الغنم فليس في أقل من أربعين من الغنم زكاة فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى مائة و عشرين فإذا كانت مائة و إحدى و عشرين ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أربعمائة فإذا كانت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة : شاة و هذا قول عامة العلماء .
و قال الحسن بن حي : إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه و في أربعمائة خمسة شياه و الصحيح قول العامة لما روي في حديث أنس : أن أبا بكر الصديق Bه كتب له كتاب الصدقات الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيه : و في أربعين من الغنم شاة و في مائة و واحدة و عشرين شاتان و في مائتين و واحدة ثلاث شياه إلى أربعمائة ففيها أربع شياه و طريق معرفة النصب التوقيف دون الرأي و الاجتهاد و الله أعلم .
هذا الذي ذكرنا إذا كانت السوائم لواحد فأما إذا كانت مشتركة بين اثنين فقد اختلف فيه قال أصحابنا : أنه يعتبر في حال الشركة ما يعتبر في حال الإنفراد و هو كمال النصاب في حق كل واحد منهما فإن كان نصيب كل واحد منهما يبلغ نصابا تجب الزكاة و إلا فلا .
و قال الشافعي : إذا كانت أسباب الإسامة متحدة و هو أن يكون الراعي و المرعى و الماء و المراح و الكلب واحدا و الشريكان من أهل وجوب الزكاة عليهما يجعل مالهما كمال واحد و تجب عليهما الزكاة و إن كان كل واحد منهما لو انفرد لا تجب عليه .
و احتج بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يجمع بين متفرق و لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة و ما كان بين خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ] فقد اعتبر النبي صلى الله عليه و سلم الجمع و التفريق حيث نهى عن جمع المتفرق و تفريق المجتمع و في اعتبار حال الجمع بحال الجمع بحال الإنفراد في اشتراط النصاب في حق كل واحد من الشريكين إبطال معنى و تفريق المجتمع .
و لنا ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليس في سائمة المسلم إذا كانت أقل من أربعين صدقة ] نفي وجوب الزكاة في أقل من أربعين مطلقا عن حال الشركة و الانفراد فدل أن كمال النصاب في حق كل واحد منهما شرط الوجوب .
و أما الحديث فقوله صلى الله عليه و سلم : [ لا يجمع بين متفرق ] .
و دليلنا : ان المراد منه التفرق في الملك لا في المكان لإجماعنا على أن النصاب الواحد إذا كان في مكانين تجب الزكاة فيه فكان المراد منه التفرق في الملك و معناه إذاكان الملك متفرقا لا يجمع فيجعل كأنه لواحد لأجل الصدقة كخمس من الإبل بين اثنين أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم حال عنهما الحول و أراد المصدق أن يأخذ منها الصدقة و يجمع بين الملكين و يجعلهما كملك واحد ليس له ذلك وكثمانين من الغنم بين اثنين حال عنهما الحول أنه يجب فيها شاتان على كل واحد منهما شاة و لو أراد أن يجمعا بين الملكين فيجعلاهما ملكا واحدا خشية الصدقة فيعطيا المصدق شاة واحدة ليس لهما ذلك لتفرق ملكيهما فلا يملكان الجمع لأجل الزكاة .
و قوله : و لا يفرق بين مجتمع أي في الملك كرجل له ثمانون من الغنم في مرعتين مختلفتين إنه يجب عليه شاة واحدة و لو أراد المصدق أن يفرق المجتمع فيجعلها كأنها لرجلين فيأخذ منها شاتين ليس له ذلك لأن الملك مجتمع فلا يملك تفريقه و كذا لو كان له من الغنم في مرعتين مختلفتين تجب عليه الزكاة لأن الملك مجتمع فلا يجعل كالمتفرقين في الملك خشية الصدقة أو يحتمل ما قلنا فيحمل عليه عملا بدليلين بقدر الإمكان .
و بيان هذه الجملة : إذا كان خمس من الإبل بين اثنين حال عليهما الحول لا زكاة فيها على أحدهما عندنا لأن نصابه ناقص و عنده يجب عليهما شاه و لو كان الإبل عشرا فعلى كل واحد منهما شاه بلا خلاف لكمال نصاب كل واحد منهما و كذا لو كانت خمسة عشر عندنا و عنده ثلاث شياه و لو كانت عشرين فعلى كل واحد منهما شاتان لأن نصاب كل واحد منهما كامل و لو كانت خمسا و عشرين فكذلك عندنا و عنده يجب عليهما بنت مخاض و لو كان النصاب ثلاثين من البقر فلا زكاة فيه عندنا و عنده يجب فيها تتبع عليهما و لو كانت ستين ففيها تبيعان على كل واحد منهما تبيع بلا خلاف .
و كذلك أربعون من الغنم بين اثنين لا شيء عليهما عندنا .
و عنده : شاة واحدة عليهما و لو كانت ثمانين فعلى كل واحد منهما شاة عندنا .
و عنده : عليهما شاة واحدة و لو كان بينه و بين رجل شاة و بين رجل آخر تمام ثمانين و ذلك تسعة و سبعون شاة ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي أن على قول أبي يوسف عليه الزكاة .
و على قول زفر : لا زكاة عليه .
و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أن على قول أبي حنيفة و محمد و زفر : لا زكاة عليه بخلاف ما إذا كان الثمانون بينه و بين رجل واحد و في قول أبي يوسف عليه الزكاة كما إذا كان الثمانون بينه و بين رجل واحد .
وجه قول من قال : بالوجوب : إن الزكاة تجب عند كمال النصاب و في ملكه نصاب كامل فتجب فيه الزكاة كما لو كانت مشتركة بينه و بين رجل واحد .
وجه قول من قال : لا يجب : إنه لو قسم لا يصيبه نصاب كامل لأنه لا يملك من شاه واحدة إلا نصفها فلا يكمل النصاب فلا تجب الزكاة و كذلك ستون من البقر أو عشر من الإبل إذا كانت مشتركة على الوجه الذي وصفنا فهو على ما ذكرنا من الاختلاف و كل جواب عرفته في السوائم المشتركة فهو الجواب في الذهب و الفضة و أموال التجارة و قد ذكرنا فيما تقدم و ذكر الطحاوي و كذلك الزروع و هذا محمول على مذهب أبي يوسف و محمد لأن النصاب عندهما شرط لوجوب العشر و ذلك خمسة أوسق .
فأما على مذهب أبي حنيفة لا يستقيم لأن النصاب ليس بشرط لوجوب العشر بل يجب في القليل و الكثير ثم إذا حضر المصدق و بعد تمام الحول على المال المشترك بينهما فإنه يأخذ الصدقة منه إذا وجد فيه واجبا على الاختلاف و لا ينظر القسمة لأن اشتراكهما على عملهما يوجب الزكاة في المال المشترك و أن المصدق لا يتميز له المال فيكون إذن من كل واحد منهما بأخذ الزكاة من ماله دلالة ثم إذا أخذ ينظر إن كان المأخوذ حصة كل واحد منهما لا غير بأن كان المال بينهما على السوية فلا تراجع بينهما لأن ذلك القدر كان واجبا على كل واحد منهما بالسوية و إن كانت الشركة بينهما على التفاوت فأخذ من أحدهما زيادة لأجل صاحبه فإنه يرجع على صاحبه بذلك القدر .
و بيان ذلك : إذا كان ثمانون من الغنم بين رجلين فأخذ المصدق منها شاتين فلا تراجع ههنا لأن الواجب على كل واحد منهما بالسوية و هو شاة فلم يأخذ من كل واحد منهما إلا قدر الواجب فليس له أن يرجع بشيء و لو كانت الثمانون بينهما أثلاثا يجب فيها شاة واحدة على صاحب الثلثين لكمال نصابه و زيادة و لا شيء على صاحب الثلث لنقصان نصابه فإذا حضر المصدق و أخذ من عرضها شاة واحدة يرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بثلث قيمة الشاة لأن كل شاة بينهما أثلاثا فكانت الشاة المأخوذة بينهما أثلاثا فقد أخذ المصدق من نصيب صاحب الثلث شاة لأجل صاحب الثلثين فكان له أن يرجع بقيمة الثلث .
و كذلك إذا كان مائة و عشرون من الغنم بين رجلين لأحدهما ثلثاها و للآخر ثلثها و وجب على كل واحد منهما شاة فجاء المصدق و أخذ من عرضها شاتين كان لصاحب الثلثين أن يرجع على صاحب الثلث بقيمة ثلث شاة لأن كل شاة بينهما أثلاثا ثلثاها لصاحب الثلثين أن يرجع الأربعين فكانت الشاتان المأخوذتان بينهما أثلاثا ثلثاها لصاحب الثمانين و الثلث لصاحب الأربعين فكانت الشاتان المأخوذتان بينهما أثلاثا لصاحب الثلثين شاة و ثلث شاة و لصاحب الثلث ثلثا شاة و الواجب عليه شاة كاملة فأخذ المصدق من نصيب صاحب الثلثين شاة و ثلث شاة من نصيب صاحب الثلث ثلثي شاة فقد صار آخذا من نصيب صاحب الثلثين ثلث شاة لأجل زكاة صاحب الثلث فيرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث بقيمة ثلث شاة و هذا و الله أعلم معنى قوله صلى الله عليه و سلم [ و ما كان بين الخليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ]