بيان من له المطالبة بأداء الواجب في السوائم و الأموال الظاهرة .
فصل : و أما بيان من له المطالبة بأداء الواجب في السوائم و الأموال الظاهرة فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان من له ولاية الأخذ و في بيان شرائط ثبوت ولاية الأخذ و في بيان القدر المأخوذ .
أما الأول : فمال الزكاة نوعان : ظاهر و هو المواشي و المال الذي يمر به التاجر على العاشر و باطن : و هو الذهب و الفضة و أموال التجارة في مواضعها أما الظاهر فللإمام و نوابه و هم المصدقون من السعاة و العشار ولاية الأخذ و الساعي هو الذي يسعى في القبائل ليأخذ صدقة المواشي في أماكنها و العاشر هو الذي يأخذ الصدقة من التاجر الذي يمر عليه و المصدق اسم جنس و الدليل على أن للإمام ولاية الأخذ في المواشي و الأموال الظاهرة الكتاب و السنة و الإجماع و إشارة الكتاب .
أما الكتاب فقوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } و الآية نزلت في الزكاة عليه عامة أهل التأويل أمر الله عز و جل نبيه بأخذ الزكاة فدل أن للإمام المطالبة بذلك و الأخذ قال الله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها } فقد بين الله تعالى ذلك بيانا شافيا حيث جعل للعاملين عليها حقا فلو لم يكن للإمام أن يطالب أرباب الأموال بصدقات الأنعام في أماكنها و كان أداؤها إلى أرباب الأموال لم يكن لذكر العاملين وجه .
و أما السنة [ فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبعث المصدقين إلى أحياء العرب و البلدان لأخذ الصدقات من الأنعام و المواشي في أماكنها ] و على ذلك فعل الأئمة من بعده من الخلفاء الراشدين أبي بكر و عمر و عثمان و علي Bهم حتى قال الصديق Bه لما امتنعت العرب عن أداء الزكاة : و الله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لحاربتهم عليه و ظهر العمال بذلك من بعدهم إلى يومنا هذا .
و كذا المال الباطن إذا مر به التاجر على العاشر كان له أن ياخذ في الجملة لأنه لما سافر به و أخرجه من العمران صار ظاهرا و التحق بالسوائم و هذا لأن الإمام إنما كان له المطالبة بزكاة المواشي في أماكنها لمكان الحماية لأن المواشي في البراري لا تصير محفوظة إلا بحفظ السلطان و حمايته و هذا المعنى موجود في مال يمر به التاجر على العاشر فكان كالسوائم و عليه إجماع الصحابة Bهم فإن عمر Bه نصب العشار و قال لهم : خذوا من المسلم ربع العشر و من الذمي نصف العشر و من الحربي العشر و كان ذلك بمحضر من الصحابة Bهم و لم ينقل أنه أنكر عليه واحد منهم فكان إجماعا .
و روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله بذلك و قال : أخبرني بهذا من سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم و أما المال الباطن الذي يكون في المصر فقد قال عامة مشايخنا : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم طالب بزكاته و أبو بكر و عمر طالبا و عثمان طالب زمانا و لما كثرت أموال الناس و رأى أن في تتبعها حرجا على الأمة و في تفتيشها ضررا بأرباب الأموال فوض الأداء إلى أربابها .
و ذكر إمام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي C و قال : لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث في مطالبة المسلمين بزكاة الورق و أموال التجارة و لكن الناس كانوا يعطون ذلك و منهم من كان يحمل إلى الأئمة فيقبلون منه ذلك و لا يسألون أحدا عن مبلغ ماله و لا يطالبونه بذلك إلا ما كان من توجيه عمر Bه المشار إلى الأطراف و كان ذلك منه عندنا و الله أعلم عمن بعد داره و شق عليه أن يحمل صدقته إليه و قد جعل في كل طرف من الأطراف عاشر التجار أهل الحرب و الذمة و أمر أن يأخذوا من تجار المسلمين ما يدفعونه إليه و كان ذلك من عمر تخفيفا على المسلمين إلا أن على الإمام مطالبة أرباب الأموال العين و أموال التجارة بأداء الزكاة إليهم سوى المواشي و الأنعام و أن مطالبة ذلك إلى الأئمة إلا أن يأتي أحدهم إلى الإمام بشيء من ذلك فيقبله و لا يتعدى عما جرت به العادة و السنة إلى غيره .
و أما سلاطين زماننا الذين إذا أخذوا الصدقات و العشور و الخراج لا يضعونها مواضعها فهل تسقط هذه الحقوق عن أربابها ؟ اختلف المشايخ فيه : ذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني : أنه يسقط ذلك كله و إن كانوا لا يضعونها في أهلها لأن حق الأخذ لهم فيسقط عنا بأخذهم ثم إنهم إن لم يضعوها مواضعها فالوبال عليهم .
و قال الشيخ أبو بكر بن سعيد : إن الخراج يسقط و لا تسقط الصدقات لأن الخراج يصرف إلى المقاتلة و هم يصرفون إلى المقاتلة و يقاتلون العدو ألا ترى أنه لو ظهر العدو فإنهم يقاتلون و يذبون عن حريم المسلمين فأما الزكوات و الصدقات فإنهم لا يضعونها في أهلها .
و قال أبو بكر الإسكاف : إن جميع ذلك يسقط و يعطي ثانيا لأنهم لا يضعونها مواضعها و لو نوى صاحب المال وقت الدفع أنه يدفع إليهم ذلك عن زكاة ماله قيل : يجوز لأنهم فقراء في الحقيقة ألا ترى أنهم لو أدوا ما عليهم من التبعات و المظالم صاروا فقراء .
و روي عن أبي مطيع البلخي : أنه قال : تجوز الصدقة لمعلي بن عيسى بن هامان و كان والى خراسان و إنما قال ذلك لما ذكرناه .
و حكي أن أميرا ببلخ سأل واحدا من الفقهاء عن كفارة يمين لزمته فأمره بالصيام فبكى الأمير و عرف أنه يقول : لو أديت ما عليك من التبعات و المظلمة لم يبق لك سيء .
و قيل : إن السلطان لو أخذ مالا من رجل بغير حق مصادرة فنوى صاحب المال وقت الدفع أن يكون ذلك عن زكاة ماله و عشر أرضه يجوز ذلك و الله أعلم