شرط ولاية الآخذ .
فصل : و أما شرط ولاية الآخذ فأنواع : .
منها : وجود الحماية من الإمام حتى لو ظهر أهل البغي على مدينة من مدائن أهل العدل أو قرية من قراهم و غلبوا عليها فأخذوا صدقات سوائمهم و عشور أراضيهم و خراجها ثم ظهر عليهم إمام العدل لا يأخذ منهم ثانيا لأن حق الأخذ للإمام لأجل الحفظ و الحماية و لم يوجد إلا أنهم يفتون فيما بينهم و بين ربهم أن يؤدوا الزكاة و العشور ثانيا و سكت محمد عن ذكر الخراج .
و اختلف مشايخنا قال بعضهم : عليهم أن يعيدوا الخراج كالزكاة و العشور .
و قال بعضهم : ليس عليهم الإعادة لأن الخراج يصرف إلى المقاتلة و أهل البغي يقاتلون العدو و يذبون عن حريم الإسلام .
و منها : وجوب الزكاة لأن المأخوذ زكاة و الزكاة في عرف الشرع اسم للواجب فلا بد من تقويم الوجوب فتراعى له شرائط الوجوب و هي ما ذكرنا من الملك المطلق و كمال النصاب و كونه معدا للنماء و حولان الحول و عدم الدين المطالب به من جهة العباد و أهلية الوجوب و نحو ذلك .
و منها : ظهور المال و حضور المالك و لم يظهر ماله لا يطالب بزكاته لأنه إذا لم يظهر ماله لا يدخل تحت حماية السلطان و كذا إذا ظهر المال و لم يحضر المالك و لا المأذون من جهة المالك كالمستبضع و نحوه لا يطالب بزكاتة .
و بيان هذه الجملة : إذا جاء الساعي إلى صاحب المواشي في أماكنها يريد أخذ الصدقة فقال : ليس هي مالي أو قال : لم يحل عليها الحول أو قال : علي دين يحيط بقيمتها فالقول قوله لأنه ينكر و جوب الزكاة و يستحق لأنه تعلق به حق العبد و هو مطالبه الساعي فيكون القول قوله مع يمينه و لو قال : أديت إلى مصدق آخر فإن لم يكن في تلك السنة مصدق آخر لا يصدق لظهور كذبه بقين و إن كان في تلك السنة مصدق آخر يصدق مع اليمين سواء أتي بخط و براءة أو لم يأت به في ظاهر الرواية .
و روى الحسن عن أبي حنيفة : أنه لا يصدق مالم يأت بالبراءة .
و جه هذه الرواية : أن خبره يحتمل الصدق و الكذب فلا بد من مرجح و البراءة أمارة رجحان الصدق .
و جه ظاهر الرواية : إن الرجحان ثابت بدون البراءة لأنه أمين إذ له أن يدفع إلى المصدق فقد أخبر عن الدفع إلى من جعل له الدفع إليه فكان كالمودع إذا قال : دفعت الوديعة إلى المودع و البراءة ليست بعلامة صادقة لأن الخط يشبه الخط و على هذا إذا أتى بالبراءة على خلاف اسم ذلك المصدق أنه يقبل قوله مع يمينه على جواب ظاهر الرواية لأن البراءة ليست بشرط فكان الإتيان بها و العدم بمنزلة واحدة .
و على رواية الحسن : لا يقبل لأن البراءة شرط فلا تقبل بدونها .
و لو قال : أديت زكاتها إلى الفقراء لا يصدق و تؤخذ منه عندنا .
و عند الشافعي : لا تؤخذ .
وجه قوله : أن المصدق لا يأخذ الصدقة لنفسه بل ليوصلهاإلى مستحقيها و هو الفقير و قد أوصل بنفسه .
و لنا : أن حق الأخذ للسلطان فهو بقوله : أديت بنفسي أراد إبطال حق السلطان فلا يملك ذلك و كذلك العشر على هذا الخلاف و كذا الجواب فيمن مر على العاشر بالسوائم أو بالدراهم أو الدنانير أو بأموال التجارة في جميع ما وصفنا إلا في قوله : أديت زكاتها بنفسي إلى الفقراء فيما سوى السوائم أنه يقبل قوله و لا يؤخذ ثانيا لأن أداء زكاة الأموال الباطنة مفوض إلى أربابها إذا كانوا يتجرون بها في المصر فلم يتضمن الدفع بنفسه إبطال حق أحد .
و لو مر على العاشر بمائة درهم و أخبر العاشر أن له مائة أخرى قد حال عليها الحول لم يأخذ منه زكاة هذه المائة التي مر بها لأن حق الأخذ لمكان الحماية و ما دون النصاب قليل لا يحتاج إلى الحماية و القدر الذي في بيته لم يدخل تحت الحماية فلا يؤخذ من أحدهما شيء و لو مر عليه بالعروض فقال : هذه ليست للتجارة أو قال هذه بضاعة أو قال أنا أجير فيها فالقول قوله مع اليمين لأنه أمين و لم يوجد ظاهر يكذبه .
و جميع ما ذكرنا أنه يصدق فيه المسلم يصدق فيه الذمي لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين ] .
و لأن الذمي لا يفارق في هذا الباب إلا في قدر المأخوذ و هو أنه يؤخذ منه ضعف ما يؤخذ من المسلم كما في التغلبي لأنه يؤخذ منه بسبب الحماية و باسم الصدقة و إن لم تكن صدقة حقيقة و لا يصدق الحربي في شيء من ذلك و يؤخذ منه العشر إلا في جواز يقول : هن أمهات أولادي أو في غلمان يقول : هم أولادي لأن الأخذ منه لمكان الحماية و العصمة لما في يده و قد وجدت فلا يمنع شيء من ذلك من الأخذ و إنما قبل قوله في الاستيلاء و النسب كما يثبت في دار الإسلام يثبت في دار الحرب .
و علل محمد C فقال : الحربي لا يخلو إما أن يكون صادقا و إما أن يكون كاذبا فإن كان صادقا فقد صدق و إن كان كاذبا فقد صارت بإقراره في الحال أم ولد و لا عشر في أم الولد و لو قال : هم مدبرون لا يلتفت إلى قوله لأن التدبير لا يصح في دار الحرب و لو مر على عاشر بمال و قال : هو عندي بضاعة أو قال : انا أجير فيه فالقول قوله و لا يعشره و لو قال : هو عندي مضاربة فالقول قوله أيضا و هل يعشره كان أبو حنيف أولا يقول : يعشره ثم رجع و قال : لا يعشره و هو قول أبي يوسف و محمد .
و لو مر العبد المأذون بمال من كسبه و تجارته و ليس عليه دين و استجمع شرائط وجوب الزكاة فيه فإن كان منه مولاه عشره بالإجماع و إن لم يكن معه مولاه فكذلك يعشره في قول أبي حنيفة و في قولهما : لا يعشره .
و قال أبو يوسف : لا أعلم أنه رجع في العبد أم لا .
و قيل : إن الصحيح إن رجوعه في المضارب رجوع في العبد المأذون .
وجه قوله الأول في المضارب إن المضارب بمنزلة المالك لأنه يملك التصرف في المال و لهذا يجوز بيعه من رب المال .
وجه قوله الأخير و هو قولهما : إن الملك شرط الوجوب و لا ملك له فيه و رب المال لم يأمره بأداء الزكاة لأنه لم يأذن له بعقد المضاربة إلا بالتصرف في المال و قد خرج الجواب عن قوله إنه بمنزلة المالك لأنا نقول نعم لكن في ولاية التصرف في المال في أداء الزكاة كالمستبضع و العبد المأذون في معنى المضارب في هذا المعنى و لأنه لم يؤمر إلا بالتصرف فكان الصحيح هو الرجوع .
و لا يؤخذ من المسلم إذا مر على العاشر في السنة إلا مرة واحدة لأن الماخوذ منه زكاة و الزكاة لا تجب في السنة إلا مرة واحدة و كذلك الذمي لأنه بقبول عقد الذمة صار له ما للمسلمين و عليه ما على المسلمين و لأن العاشر يأخذ منه باسم الصدقة إن لم تكن صدقة حقيقية كالتغلبي فلا يؤخذ منه في الحول إلا مرة واحدة و كذلك الحربي إلا إذا عشره فرجع إلى دار الحرب ثم خرج أنه يعشره ثانيا و إن خرج من يومه ذلك لأن الأخذ من أهل الحرب لمكان حماية ما في أيديهم من الأموال و ما دام هو في دار الإسلام فالحماية متحدة ما دام الحول باقيا فيتحد حق الأخذ و عند دخوله دار الحرب و رجوعه إلى دار الإسلام تتجدد الحماية فيتجدد حق الأخذ .
و إذا مر الحربي على العاشر فلم يعلم حتى عاد إلى دار الحرب ثم رجع ثانيا فعلم به لم يعشره لما مضى لأنه ما مضى سقط لانقطاع حق الولاية عنه بدخوله دار الحرب و لو اجتاز المسلم و الحربي و لم يعلم بهما العاشر ثم علم بهما في الحول الثاني أخذ منهما لأن الوجوب قد ثبت و لم يوجد ما يسقطه و لو مر على العاشر بالخضروات و بما لا يبقى حولا كالفاكهة و نحوها لا يعشره في قول أبي حنيفة و إن كانت قيمته مائتي درهم و قال أبو يوسف و محمد : يعشره .
وجه قولهما : أن هذا مال التجارة و المعتبر في مال التجارة معناه و هو ماليته و قيمته لا عينه فإذا بلغت قيمته نصابا تجب فيه الزكاة و لهذا وجبت الزكاة فيه إذا كان يتجر فيه في المصر .
و لأبي حنيفة ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال [ ليس في الخضروات صدقة ] و الصداقة إذا أطلقت يراد بها الزكاة إلا أن ما يتجر بها في المصر صار مخصوصا بدليل أو يحمل على أنه ليس فيها صدقة تؤخذ أي ليس للإمام أن يأخذها بل صاحبها يؤديها بنفسه و لأن الحول شرط وجوب الزكاة و أنها لا تبقى حولا و العاشر إنما يأخذ منها بطريق الزكاة : و لأن ولاية الأخذ بسبب الحماية و هذه الأشياء لا تفتقر إلى الحماية لأن أحدا لا يقصدها و لأنها تهلك في يد العاشر في المفازة فلا يكون أخذها مفيدا .
و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه تجب الزكاة على صاحبها بالإجماع و إنما الخلاف في أنه هل للعاشر حق الأخذ و ذكر الكرخي أنه لا شيء فيه في قول أبي حنيفة و هذا الإطلاق يدل على أن الوجوب مختلف فيه و الله أعلم .
و لا يعشر مال الصبي و المجنون لنهما ليسا من اهل وجوب الزكاة عليهما عندهما و لو مر صبي و امرأة من بني تغلب على العاشر فليس على الصبي شيء و على المرأة ما على الرجل لأن المأخوذ من بني تغلب يسلك به مسلك الصدقات لا يفارقها إلا في التضعيف و الصدقة لا تؤخذ من الصبي و تؤخذ من المرأة و لو مر على عاشر الخوارج في أرض غلبوا عليها فعشره ثم مر على عاشر أهل العدل يعشره ثانيا لأنه بالمرور على عاشرهم ضيع حق سلطان أهل العدل و حق فقراء و أهل العدل بعد دخوله تحت حماية سلطان أهل العدل فيضمن .
و لو مر ذمي على العاشر بخمر للتجارة أو خنازير يأخذ عشر ثمن الخمر و لا يعشر الخنازير في ظاهر الرواية .
و روي عن أبي يوسف أنه يعشرهما و هو قول زفر .
و عند الشافعي : لا يعشرهما .
وجه قول الشافعي : أن الخمر و الخنازير ليسا بمال أصلا و العشر إنما يؤخذ من المال .
وجه قول زفر : أنهما مالان متقومان في حق أهل الذمة فالخمر عندهم كالخل عندنا و الخنزير عندهم كالشاة عندنا و لهذا كانا مضمونين على المسلم بالاتلاف .
وجه ظاهر الرواية و هو الفرق بين الخمر و الخنزير من وجهين : .
أحدهما : أن الخمر من ذوات الأمثال و القيمة فيما له مثل من جنسه لا يقوم مقامه فلا يكون أخذ قيمة الخمر كأخذ عين الخمر من ذوات القيم لا من ذوات الأمثال و القيمة فيما لا مثل له يقوم مقامه فكان أخذ قيمته كأخذ عينه و ذا لا يجوز للمسلم .
و الثاني : إن الأخذ حق للعاشر بسبب الحماية و للمسلم ولاية حماية الخمر في الجملة ألا ترى أنه إذا ورث الخمر فله ولاية حمايتها عن غيره بالغضب و لو غصبها غاصب له أن يخاصمه و يستردها منه للتخليل فله ولاية حماية خمر غيره عند وجود سبب ثبوت الولاية و هو ولاية السلطنة و ليس للمسلم ولاية حماية الخنزير راسا حتى لو أسلم و له خنازير ليس له أن يحميها بل يسيبها فلا يكون له ولاية حماية خنزير غيره