ركن الزكاة .
و أما ركن الزكاة فركن الزكاة : هو إخراج جزء من النصاب إلى الله تعالى و تسليم ذلك إليه يقطع المالك يده عنه بتمليكه من الفقير و تسليمه إليه أو إلى يد من هو نائب عنه و هو المصدق و الملك للفقير يثبت من الله تعالى و صاحب المال نائب عن الله تعالى في التمليك و التسليم إلى الفقير و الدليل على ذلك قوله تعالى { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده و يأخذ الصدقات } و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في كف الفقير ] و قد أمر الله تعالى الملاك بإيتاء الزكاة لقوله عز و جل : { و آتوا الزكاة } و الإيتاء هو التمليك و لذا سمى الله تعالى الزكاة صدقة بقوله عز و جل : { إنما الصدقات للفقراء } و التصدق تمليك فيصير المالك مخرجا قدر الزكاة إلى الله تعالى بمقتضى التمليك سابقا عليه و لأن الزكاة عبادة على أصلنا و العبادة إخلاص العمل بكليته لله تعالى .
و ذلك فيما قلنا إن عند التسليم إلى الفقير تنقطع نسبة قدر الزكاة عنه بالكلية و تصير خالصة لله تعالى و يكون معنى القربة في الإخراج إلى الله تعالى بإبطال ملكه عنه لا في التمليك من الفقير بل التمليك من الله تعالى في الحقيقة و صاحب المال نائب عن الله تعالى غير أن عند أبي حنيفة الركن هو إخراج جزء من النصاب من حيث المعنى دون الصورة .
و عندهما : صورة و معنى لكن يجوز إقامة الغير مقامة من حيث المعنى و يبطل اعتبار الصورة بإذن صاحب الحق و هو الله تعالى على ما بينا فيما تقدم و بينا اختلاف المشايخ في السوائم على قول أبي حنيفة .
و على هذا يخرج صرف الزكاة إلى وجوه البر من بناء المساجد و الرباطات و السقايات و إصلاح القناطر و تكفين الموتى و دفنهم أنه لا يجوز لأنه لم يوجد التمليك أصلا و كذلك إذا اشترى بالزكاة طعاما فأطعمهم الفقراء غذاء و عشاء و لم يدفع عين الطعام إليهم لا يجوز لعدم التمليك و كذا لو قضى دين ميت فقير بنية الزكاة لأنه لم يوجد التمليك من الفقير لعدم قبضه .
و لو قضى دين حي فقير أن قضى بغير أمره لم يجز لأنه لم يوجد التمليك من الفقير لعدم قبضه و إن كان بأمره يجوز عن الزكاة لوجود التمليك من الفقير لأنه لما أمره به صار وكيلا عنه في القبض فصار كأن الفقير قبض الصدقة بنفسه و ملكه من الغريم و لو أعتق عبده بنية الزكاة لا يجوز لانعدام التمليك إذ الإعتاق ليس بتمليك بل هو إسقاط الملك و كذا لو اشترى بقدر الزكاة عبدا فأعتقه لا يجوز عن الزكاة عند عامة العلماء .
و قال مالك : يجوز و به تأول قوله تعالى : { و في الرقاب } و هو أن يشتري بالزكاة عبدا فيعتقه .
و لنا : أن الواجب هو التمليك و الإعتاق إزالة الملك فلم يأت بالواجب و المراد من قوله تعالى : { و في الرقاب } إعانة المكاتبين بالزكاة لما نذكره و لو دفع زكاته إلى الإمام أو إلى عامل الصدقة يجوز لأنه نائب عن الفقير في القبض فكأن قبضه كقبض الفقير و كذا لو دفع زكاة ماله إلى صبي فقير أو مجنون فقير و قبض له وليه أبوه أو جده أو وصيهما جاز لأن الولي يملك قبض الصدقة عنه و كذا لو قبض عنه بعض أقاربه و ليس ثمة أقرب منه و هو في عياله يجوز و كذا الأجنبي الذي هو في عياله لأنه في معنى الولي في قبض الصدقة لكونه نفعا محضا ألا ترى أنه يملك قبض الهبة له و كذا الملتقط إذا قبض الصدقة عن اللقيط لأنه يملك القبض له فقد وجد تمليك الصدقة من الفقير .
و ذكر في العيون عن أبي يوسف أن من عال يتيما فجعل يكسوه و يطعمه و ينوي به عن زكاة ماله يجوز و قال محمد : ما كان من كسوة يجوز و في الطعام لا يجوز إلا ما دفع إليه .
و قيل : لا خلاف بينهما في الحقيقة لأن مراد أبي يوسف ليس هو الإطعام على طريق الإباحة بل على وجه التمليك ثم إن كان اليتيم عاقلا يدفع إليه و إن لم يكن عاقلا يقبض عنه بطريق النيابة ثم يكسوه و يطعمه لأن قبض الولي كقبضه لو كان عاقلا .
و لا يجوز قبض الأجنبي للفقير البالغ العاقل إلا بتوكيله لأنه لا ولاية له عليه فلا بد من أمره كما في قبض الهبة و على هذا أيضا يخرج الدفع إلى عبده و مدبره و أم ولده أنه لا يجوز لعدم التمليك إذ هم لا يملكون شيئا فكان الدفع إليهم دفعا إلى نفسه و لا يدفع إلى مكاتبه لأنه عبد ما بقي عليه درهم و لأن كسبه متردد بين أن يكون له أو لمولاه لجواز أن يعجز نفسه .
و لا يدفع إلى والده و إن علا و لا إلى ولده و إن سفل لأنه ينتفع بملكه فكان الدفع إليه دفعا إلى نفسه من وجه فلا يقع تمليكا مطلقا و لهذا لا تقبل شهادة أحدهما لصاحبه و لا يدفع أحد الزوجين زكاته إلى الآخر .
و قال أبي يوسف و محمد : تدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها احتجا بما روي [ أن امرأة عبد الله بن مسعود Bه سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الصدقة على زوجها عبد الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لك أجران : أجر الصدقة و أجر الصلة ] .
و لأبي حنيفة : أن أحد الزوجين ينتفع بمال صاحبه كما ينتفع بمال نفسه عرفا و عادة فلا يتكامل معنى التمليك و لهذا لم يجز للزوج أن يدفع إلى زوجته كذا الزوجة و تخرج هذه المسائل على أصل آخر سنذكره و الله تعالى أعلم