فصل : بيان زكاة تخرج الأرض من البصل و الكمثرى و الحناء و غيرها .
و منها : أن يكون الخارج من الأرض مما يقصد بزراعته نماء الأرض و تستغل الأرض به عادة فلا عشر في الحطب و الحشيش و القصب الفارسي لأن هذه الأشياء لا تستنمي بها الأرض و لا تستعمل بها عادة لأن الأرض لا تنمو بها بل تفسد فلم تكن نماء الأرض حتى قالوا في الأرض إذا اتخذها مقصبة و في شجره الخلاف التي يقطع في كل ثلاث سنين أنه يجب فيها العشر لأن ذلك غلة وافرة .
و يجب في قصب السكر و قصب الذريرة لأنه يطلب بهما نماء الأرض فوجد شرط الوجوب فيجب فأما كون الخارج مما له ثمرة باقية فليس بشرط لوجوب العشر بل يجب سواء كان الخارج له ثمرة باقية أو ليس له ثمرة باقية و هي الخضروات كالبقول و الرطاب و الخيار و القثاء و البصل و الثوم و نحوها في قول أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد : لا يجب إلا في الحبوب و ماله ثمرة باقية .
و احتجا بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليس في الخضروات صدقة ] .
و لأبي حنيفة قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض } و أحق ما تتناوله هذه الآية الخضروات لأنها هي المخرجة من الأرض حقيقة .
و أما الحبوب فإنها غير مخرجة من الأرض حقيقة بل من المخرج من الأرض .
و لا يقال المراد من قوله تعالى : { و مما أخرجنا لكم من الأرض } أي من الأصل الذي أخرجنا لكم كما في قوله تعالى : { قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } أي أنزلنا الأصل الذي يكون منه اللباس و هو الماء لا عين اللباس إذ اللباس كما هو غير منزل من السماء و كقوله تعالى : { خلقكم من تراب } أي خلق أصلكم و هو آدم عليه السلام كذا هذا لأنا نقول الحقيقة ما قلنا و الأصل اعتبار الحقيقة و لا يجوز العدول عنها إلا بدليل قام دليل العدول هناك فيجب العمل بالحقيقة فيما وراءه و لأن فيما قاله أبو حنيفة عملا بحقيقة الإضافة لأن الإخراج من الأرض و الإثبات محض صنع الله تعالى للعبد فيه .
ألا ترى إلى قوله تعالى : { أفرأيتم ما تحرثون } { أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } فأما بعد الإخراج و الإثبات فللعبد فيه صنع من السقي و الحفظ و نحو ذلك فكان الحمل على النبات عملا بحقيقة الإضافة أولى من الحمل على الحبوب .
و قوله تعالى : { و آتوا حقه يوم حصاده } و الحصاد القطع و أحق ما يحمل عليه الخضروات لأنها هي التي يجب إيتاء الحق منها يوم القطع .
و أما الحبوب فيتأخر الإيتاء فيها إلى وقت التنقية و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر ] من غير فصل بين الحبوب و الخضروات و لأن سبب الوجوب هو الأرض النامية بالخارج و النماء بالخضر أبلغ لأن ريعها أوفر و أما الحديث فغريب فلا يجوز تخصيص الكتاب و الخبر المشهور بمثله أو يحمل على الزكاة أو يحمل قوله : ليس في الخضروات صدقة على أنه ليس فيها صدقة تؤخذ بل أربابها هم الذين يؤدونها بأنفسهم فكان هذا نفي ولاية الأخذ للإمام و به نقول و الله أعلم .
و كذا النصاب ليس بشرط لوجوب العشر فيجب العشر في كثير الخارج و قليله و لا يشترط فيه النصاب عند أبي حنيفة .
و عند أبي يوسف و محمد : لا يجب فيما دون خمسة أوسق إذا كان مما يدخل تحت الكيل كالحنطة و الشعير و الذرة و الأرز و نحوها .
و الوسق : ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه و سلم و الصاع ثمانية أرطال جملتها نصف من و هو أربعة أمنان فيكون جملته ألفا و مائتي من .
و قال أبي يوسف : الصاع خمسة أرطال و ثلث رطل و احتجا في المسألة بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ] .
و لأبي حنيفة عموم قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض } .
و قوله عز و جل : { و آتوا حقه يوم حصاده } و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر ] من غير فصل بين القليل و الكثير و لأن سبب الوجوب و هي الأرض النامية بالخارج لا يوجب التفصيل بين القليل و الكثير .
و أما الحديث فالجواب عن التعلق به من وجهين : .
أحدهما : أنه من الآحاد فلا يقبل معارضة الكتاب و الخير المشهور .
فإن قيل : ما تلوتم من الكتاب و ورثتم من السنة يقضيان الوجوب من غير التعرض لمقدار الموجب منه .
و ما روينا : يقتضي المقدار فكان بيانا لمقدار ما يجب فيه العشر و البيان بخبر الواحد جائز كبيان المجمل و المتشابه .
فالجواب : أنه لا يمكن حمله على البيان لأن ما تمسكنا به عام يتناول ما يدخل تحت الوسق و ما لا يدخل و ما رويتم من خبر المقدار خاص فيما يدخل تحت الوسق فلا يصلح بيانا للقدر الذي فيه العشر لأن من شأن البيان أن يكون شاملا لجميع ما يقتضي البيان و هذا ليس كذلك على ما بينا فعلم أنه لم يرد مورد البيان .
و الثاني : أن المراد من الصدقة الزكاة لأن مطلق اسم الصدقة لا ينصرف إلا إلى الزكاة المعهودة و نحن به نقول أن ما دون خمسة أوسق من طعام أو تمر للتجارة لا يجب فيه الزكاة ما لم يبلغ قيمتها مائتي درهم أو يحتمل الزكاة فيحمل عليها عملا بالدلائل بقدر الإمكان .
ثم نذكر فروع مذهب أبي يوسف و محمد في فصلي الخلاف و ما فيه من الخلاف بينهما في ذلك و الوفاق فنقول : .
عندهما : يجب العشر في العنب لأن المجفف منه يبقى من سنة و هو الزبيب فيحرض العنب جافا فإن بلغ مقدار ما يجيء منه الزبيب خمسة أوسق يجب في عنبه العشر أو نصف العشر و إلا شيء فيه .
و روي عن محمد : أن العنب إذا كان رقيقا يصلح للماء و لا يجيء منه الزبيب فلا شيء فيه و إن كثر لأن الوجوب فيه باعتبار حال الجفاف و كذا قال أبي يوسف في سائر الثمار إذا كان يجيء منها ما يبقى من سنة إلى سنة بالتجفيف أنه يخرص ذلك جافا فإن بلغ نصابا وجب و إلا فلا كالتين و الإجاص و الكمثرى و الخوخ و نحو ذلك لأنها إذا جففت تبقى من سنة إلى سنة فكانت كالزبيب .
و قال محمد : لا عشر في التين و الإجاص و الكمثرى و الخوخ و التفاح و المشمش و النبق و التوت و الموز و الخروب لأنها و إن كان ينتفع بها بعضها بالتجفيف و بعضها بالتشقيق و التجفيف فلانتفاع بها بهذا الطريق ليس بغالب و لا يفعل ذلك عادة و يجب العشر في الجوز و اللوز و الفستق لأنها تبقى من السنة إلى السنة و يغلب الانتفاع بالجاف منها فأشبهت الزبيب .
و روي عن محمد : أن في البصل العشر لأنه يبقى من سنة إلى سنة و يدخل في الكيل و لا عشر في الآس و الورد و الوسمة لأنها من الرياحين و لا يعم الانتفاع بها .
و أما الحناء : فقال أبي يوسف : فيه العشر و قال محمد : لا عشر فيه لأنه من الرياحين فأشبه الآس و الورد و لأبي يوسف أنه يدخل تحت الكيل و ينتفع به منفعة عامة بخلاف الآس و العصفر و الكتان إذا بلغ القرطم و الحب خمسة أوسق وجب فيه العشر لأن المقصود من زراعتها الحب و الحب يدخل تحت الوسق فيعتبر فيه الأوسق فإذا بلغ ذلك يجب العشر و يجب في العصفر و الكتان أيضا على طريق التبع و قالا في بزر القنب إذا بلغ خمسة أوسق ففيه العشر لأنه يبقى و يقصد بالزراعة ة الانتفاع به عام و لا شيء في القنب لأنه لحاء الشجر فأشبه لحاء سائر الأشجار و لا عشر فيه فكذا فيه و قالا : في حب الصنوبر إذا بلغ الأوسق ففيه العشر لأنه يقبل الادخار و لا شيء في خشبه كما لا شيء في خشب سائر الشجر .
و يجب في الكراويا و الكزبرة و الكمون و الخردل لما قلنا و لا يجب في السعتر و الشونيز و الحلبة لأنها من جملة الأدوية فلا يعم الانتفاع بها و قصب السكر إذا كان مما يتخذ منه السكر فإذا بلغ ما يخرج منه خمس أفراق وجب فيه العشر كذا قال محمد : لأنه يبقى و ينتفع به انتفاعا عاما و لا شيء في البلوط لأنه لا يعم المنفعة به و لا عشر في بزر البطيخ و القثاء و الخيار و الرطبة و كل بزر لا يصلح إلا للزراعة بلا خلاف بينهما لأنه لا يقصد بزراعتها نفسها بل ما يتولد منها و ذا لا عشر فيه عندهما .
و مما يتفرع على أصلهما ما إذا أخرجت الأرض أجناسا مختلفة كالحنطة و الشعير و العدس كل صنف منها لا يبلغ النصاب و هو خمسة أوسق أنه يعطى كل صنف حكم نفسه أو يضم البعض إلى البعض في تكميل النصاب و هو خمسة أوسق و روى محمد عن أبي يوسف : أنه لا يضم البعض إلى البعض بل يعتبر كل جنس بانفراده و لم يرو عنه ما إذا أخرجت نوعين من جنس .
و روى الحسن بن زياد و ابن أبي مالك عنه : أن كل نوعين لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا كالحنطة البيضاء و الحمراء و نحو ذلك يضم أحدهما إلى الآخر سواء خرجا من أرض واحدة أو أراض مختلفة و يكمل به النصاب و إن كانا مما يجوز بيع أحدهما يالآخر متفاضلا كالحنطة و الشعير لا يضم و إن خرجا من أرض واحدة و تعين كل صنف منهما بانفراده ما لم يبلغ خمسة أوسق لا شيء و هو قول محمد .
و روى ابن سماعة عنه : أن الغلتين إن كانتا تدركان في وقت واحد تضم أحدهما إلى الأخرى و إن اختلف أجناسهما و إن كانتا لا تدركان في وقت واحد لا تضم .
وجه رواية اعتبار الإدراك : أن الحق يجب في المنفعة و إن كانتا تدركان في مكان واحد كانت منفعتهما واحدة فلا يعتبر فيه اختلاف جنس الخارج كعروض التجارة في باب الزكاة و إذا كان إدراكهما في أوقات مختلفة فقد اختلفت منفعتهما فكانا كالأجناس المختلفة .
وجه رواية اعتبار التفاضل و هو قول محمد : أنه لا عبرة لاختلاف النوع فيما لا يجوز فيه التفاضل إذا كان الجنس متحدا كالدراهم السود و البيض في باب الزكاة أنه يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب و إن كان النوع مختلفا فأما فيما لا يجري فيه التفاضل فاختلاف الجنس معتبر في المنع من الضم كالإبل مع البقر في باب الزكاة و هو رواية محمد عن أبي يوسف .
و قال أبو يوسف : إذا كان لرجل أراضي مختلفة في رساتيق مختلفة و العامل واحد ضم الخارج من بعضها إلى بعض و كمل الأوسق به و إن اختلف العامل لم يكن لأحد العاملين مطالبة حتى يبلغ ما خرج من الأرض التي في عمله خمسة أوسق و قال محمد : إذا اتفق المالك ضم الخارج بعضه إلى بعض و إن اختلفت الأرضون و العمال و هذا لا يحقق الخلاف لأن كل واحد منهما أجاب غفي غير ما أجاب به الآخر لأن جواب أبي يوسف في سقوط المطالبة عن المالك و لم يتعرض لوجوب الحق على المالك فيما بينه و بين الله تعالى و هو فيما بينه و بين الله تعالى مخاطب بالأداء لاجتماع النصاب في ملكه و إنه سقطت المطالبة عنه و جواب محمد في وجوب الحق و لم يتعرض لمطالبة العامل فلم يتحقق الخلاف بينهما .
و مما يتفرع على قولهما الأرض المشتركة إذا أخرجت خمسة أوسق أنه لا عشر فيها حتى تبلغ حصة كل واحد منهما خمسة أوسق و روى الحسن عن أبي يوسف إن فيها العشر .
وجه هذه الرواية : أن المالك ليس بشرط لوجوب العشر بدليل أنه يجب في الأرض الموقوفة و أرض المكاتب المأذون و إنما الشرط كمال النصاب و هو خمسة أوسق و قد وجد و الصحيح : هو الأول لأن النصاب عندهما شرط الوجوب فيصير كماله في حق كل واحد منهما كما في مال الزكاة على ما بينا .
هذا الذي ذكرنا من اعتبار الأوسق فيما يدخل تحت الكيل و أما ما لا يدخل تحت الكيل كالقطن و الزعفران فقد اختلفا فيما بينهما .
قال أبو يوسف : يعتبر فيه القيمة و هو أن يبلغ قيمة الخارج قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يدخل تحت الوسق من الحبوب .
و قال محمد : يعتبر خمسة أمثال أعلى ما يقدر به ذلك الشيء فالقطن يعتبر بالأحمال فإذا بلغ خمسة أحمال يجب و إلا فلا و يعتبر كل حمل ثلثمائة من فتكون جملته ألفا و خمسمائة منا و الزعفران يعتبر بالأمنان فإذا بلغ خمسة أمنان يجب و إلا فلا و كذلك في السكر يعتبر خمسة أمنان .
وجه قول محمد : أن التقدير بالوسن في الموسوقات لكون الوسق أقصى ما يقدر به في بابه و أقصى ما يقدر به في غير الموسوق ما ذكرنا فوجب التقدير به .
و لأبي يوسف : أن الأصل هو اعتبار الوسق لأن النص ورد به غير أنه إن أمكن اعتباره صورة و معنى يعتبر و إن لم يمكن يجب اعتباره معنى و هو قيمة الموسوق