فصل : و أما وقت الوجوب .
و أما وقت الوجوب فوقته وقت خروج الزرع و ظهور الثمر عند ابي حنيفة و عند أبي يوسف و قت الإدراك .
و عند محمد : وقت التقنية و الجذاذ فإنه قال : إذا كان الثمر قد حصد في الحظيرة و ذرى البر و كان خمسة أوسق ثم ذهب بعضه كان في الذي بقي منه العشر فهذا يدل على أن وقت الوجوب عنده هو وقت التصفية في الزرع و وقعت الجذاذ في الثمر هو يقول تلك الحال هي حال تناهي عظم الحب و الثمر استحكامها فكانت هي حال الوجوب و أبو يوسف يحتج بقوله تعالى : { و آتوا حقه يوم حصاده } و يوم حصاده هو يوم إدراكه فكان هو وقت الوجوب .
و لأبي حينفة قوله تعالى : { أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض } أمر الله تعالى بالإنفاق مما أخرجه من الأرض فدل أن الوجوب متعلق بالخروج و لأنه كما خرج حصل مشتركا كالمال المشترك لقوله تعالى : { و مما أخرجنا لكم من الأرض } جعل الخارج للكل فيدخل فيه الأغنياء و الفقراء .
و إذا عرفت وقت الوجوب على اختلافهم فيه ففائدة هذا الاختلاف على قول أبي حنيفة لا تظهر إلا في الاستهلاك فما كان منه بعد الوجوب يضمن عشره و ما كان قبل الوجوب لا يضمن .
و أما عند أبي يوسف و محمد : فتظهر ثمرة الاختلاف في الاستهلاك و في الهلاك أيضا في حق تكميل النصاب بالهالك فما هلك بعد الوجوب يعتبر الهالك مع الباقي في تكميل النصاب و ما هلك قبل الوجوب لا يعتبر .
و بيان هذه الجملة إذا أتلف إنسان الزرع أو الثمر قبل الإدراك حتى ضمن أخذ صاحب المال من المتلف ضمان المتلف و أدى عشره و إن أتلف البعض دون البعض أدى قدر عشر المتلف من ضمانه و ما بقي فعشره في الخراج و إن أتلفه صاحبه أو أكله يضمن عشره و يكون دينا في ذمته و إن أتلف البعض دون البعض يضمن قدر عشر ما أتلف و يكون دينا في ذمته و عشر الباقي يكون في الخارج و هذا على أصل أبي حنيفة لأن الإتلاف حصل بعد الوجوب لثبوت الوجوب بالخروج و الظهور فكان الحق مضمونا عليه كما لو أتلف مال الزكاة بعد حولان الحول .
و أما على قولهما : فلا يضمن عشر المتلف لأن الإتلاف حصل قبل وقت وجوب الحق و لو هلك بنفسه فلا شعر في الهالك بلا خلاف سواء هلك كله أو بعضه لأن الشعر لا يضمن بالهلاك سواء كان قبل الوجوب أو بعده و يكون عشر الباقي فيه قل أو كثر في قول أبي حنيفة لأن النصاب عنده ليس بشرط و كذلك عندهما إن كان الباقي نصابا و هو خمسة أوسق و إن لم يكن نصابا لا يعتبر قدر الهالك في تكميل النصاب في الباقي عندهما إن بلغ الباقي بنفسه نصابا يكون فيه العشر و إلا فلا .
هذا إذا هلك قبل الإدراك او استهلك فأما بعد الإدراك و التنقية و الجذاذ فإن هلك سقط الواجب بلا خلاف بين أصحابنا كالزكاة تسقط إذا هلك النصاب .
و عند الشافعي : لا تسقط و قد ذكرنا المسألة و إن هلك بعضه سقط الواجب بقدره و بقي عشر الباقي فيه قليلا كان أو كثيرا عند أبي حنيفة لأن النصاب ليس بشرط عنده .
و عندهما : يكمل نصاب الباقي بالهالك و يحتسب به في تمام الخمسة الأوسق و روي عن أبي يوسف أنه لا يعتبر الهالك في تمام الأوسق في الباقي فإن كان في نفسه نصابا يكون فيه العشر و إلا فلا .
و إن استهلك المالك ضمن عشره و يكون دينا في ذمته و إن استهلك بعضه فقدر عشر المستهلك يكون دينا في ذمته و عشر الباقي في الخارج و إن استهكله غير المالك أخذ الضمان منه و أدى عشره لأنه هلك إلى خلف و هو الضمان فكان قائما معنى و إن استهلك بعضه أخذ ضمانه و أدى عشر القدر المستهلك و عشر الباقي منه لما قلنا .
و إن أكل صاحب المال من الثمر أو أطعم غيره يضمن عشره و يكون دينا في ذمته و عشر ما بقي يكون فيه هذا على قول أبي حنيفة C روي عن أبي يوسف : أن ما أكل أو أطعم بالمعروف لا يضمن عشره لكن لا يعتد به في تكميل النصاب و هو الأوسق فإذا بلغ الكل نصابا أدى عشر ما بقي .
احتج أبو يوسف بما روي عن سهل بن أبي خيثمة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إذا خرصتم فجذوا و دعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فالربع ] .
و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان بعث أبا خيثمة خارصا جاء رجل فقال يا رسول الله إن أبا خيثمة زاد علي فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن ابن عمك يزعم أنك قد ردت عليه ] فقال يا رسول الله لقد تركت له قدر عرية أهله و ما يطعم المساكين و ما يصبح الريح فقال صلى الله عليه و سلم : [ لقد زادك ابن عمك و أنصفك ] .
و عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ خففوا في الخرص فإن في المال العرية و الواطئة ] و المراد من العرية الصدقة و أمر بالتخفيف في الخرص و بين المعنى و هو أن في المال عرية و وصية فلو ضمن عشر ما تصدق أو أكل هو و أهله لم يتحقق التخفيف و لأنه لو ضمن ذلك لا متنع من الأكل خوفا من العشر و فيه جرح إلا أنه يعتد بذلك في تكميل النصاب لأن نفي وجوب الضمان عنه تخفيفا نظرا له و في عدم الاعتداد به في تمام الأوسق ضرر به و بالفقراء و هذا لا يجوز .
و لأبي حنيفة النصوص المقتضية لوجوب العشر في كل خارج من غير فصل بين المأكول و الباقي .
فإن قيل : أليس الله تعالى قال : { و آتوا حقه يوم حصاده } أمر بإيتاء الحق يوم الحصاد فلا يجب الحق فيما أخذ منه قبل الحصاد يدل عليه قرينة الآية و هي قوله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر } و هذا يدل على أن قدر المأكول أفضل إذ لو لم يكن أفضل لم يكن لقوله : { كلوا من ثمره إذا أثمر } فائدة لأن كلب أحد يعلم أن الثمرة تؤكل و لا تصلح لغير الأكل .
فالجواب : أن الآية لازمة له لأن الحصاد هو القطع فيقتضي أن كل ما قطع أخذ منه شيء لزمه إخراج عشرة من غير فصل بين ما إذا كان المقطوع مأكولا أو باقيا على أن نقول بموجب الآية أنه يجب إيتاء حقه يوم حصاده لكم ما حقه يوم حصاده أداء العشر عن الباقي فحسب أم عن الباقي و المأكول و الآية لا تتعرض لشيء من ذلك فكان تمسكا بالمسكوت و أنه لا يصح .
و أما قوله : لا بد و أن يكون لقوله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر } فائدة فنقول : يحتمل أن يكون له فائدة فنقول : يحتمل أن يكون له فائدة سوى ما قلتم و هو إباحة الانتفاع ردا لاعتقاد الكفرة تحريم الانتفاع بهذه الأشياء يجعلها للأصنام فرد ذلك عليهم بقوله عز و جل : { كلوا من ثمره إذا أثمر } أي انتفعوا بها و لا تضيعوها بالصرف إلى الأصنام و لذلك قال : { و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } .
و أما الأحاديث فقد قيل : إنها وردت قبل حديث العشر و نصف العشر فصارت منسوخة به و الله تعالى أعلم