فصل : و أما بيان جنس الواجب و قدره و صفته .
و أما بيان جنس الواجب و قدره و صفته أما جنسه و قدره فهو نصف صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر و هذا عندنا .
و قال الشافعي : من الحنطة صاع و احتج بما روي عن أبي سعيد الخدري Bه أنه قال : كنت أؤدي على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاعا من بر .
و لنا : ما روينا [ من حديث ثعلبة بن صعير العذري أنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أدوا عن كل حر و عبد نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ] و ذكر إمام الهدى الشيخ أبو منصور الماتردي : أن عشرة من الصحابة Bهم منهم : أبو بكر و عمر و عثمان و علي Bهم رووا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ في صدقة الفطر نصف صاع من بر ] و احتج بروايتهم .
و أما حديث أبي سعيد فليس فيه دليل الوجوب بل هو حكاية عن فعله فيدل على الجواز و به نقول فيكون الواجب نصف صاع و ما زاد يكون تطوعا على أن المروي من لفظ أبي سعيد Bه أنه قال : كنت أخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاعا من تمر صاعا من شعير و ليس فيه ذكر البر فيجعل قوله : صاعا من تمر صاعا من شعير تفسيرا لقوله : [ صاعا من طعام ] و دقيق الحنطة و سويقها كالحنطة و دقيق الشعير و سويقه كالشعير عندنا .
و عند الشافعي : لا يجزىء بناء على أصله من اعتبار المنصوص عليه .
و عندنا المنصوص عليه معلول بكونه مالا متقوما على الإطلاق لما يذكر و ذكر و ذكر المنصوص عليه للتيسير لأنهم كانوا يتابعون بذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن التدقيق منصوص عليه لما روي عن أبي هريرة Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ أدوا قبل الخروج زكاة الفطر فإن على كل مسلم مدا من قمح أو دقيق ] و روي عن أبي يوسف أنه قال : الدقيق أحب إلي من الحنطة و الدراهم أحب إلي من الدقيق و الحنطة لأن ذلك أقرب إلى دفع حاجة الفقير .
و اختلفت الرواية عن أبي حنيفة في الزيب ذكر في الجامع الصغير نصف صاع و روى الحسن و أسد بن عمرو عن أبي حنيفة صاعا من زبيب و هو قول أبي يوسف و محمد .
وجه هذه الرواية : ما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاعا من تمر أو صاعا من زبيب و كان طعامنا الشعير و لأن الزبيب لا يكون مثل الحنطة في التغذي بل يكون أنقص منها كالشعير و التمر فكان التقدير فيه بالصاع كما في الشعير و التمر .
وجه رواية الجامع أن قيمة الزبيب تزيد على قيمة الحنطة في العادة ثم اكتفي من الحنطة بنصف صاع فمن الزبيب أولى و يمكن التوفيق بين القولين بأن يجعل الواجب فيه بطريق القيمة فكانت قيمته في عصر أبي حنيفة مثل قيمة الحنطة و في عصرهما كانت قيمته مثل قيمة الشعير و التمر و على هذا أيضا يحمل اختلاف الروايتين عن أبي حنيفة .
و أما الأقط فيه القيمة لا يجزئ إلا باعتبار القيمة .
و قال مالك : يجوز أن يخرج صاعا من أقط و هذا غير سديد لأنه غير منصوص عليه من وجه يوثق به و جواز ما ليس بمنصوص عليه لا يكون إلا باعتبار القيمة كسائر الأعيان التي لم يقع التنصيص عليها من النبي صلى الله عليه و سلم .
و قال الشافعي : لا أحب أن يخرج الأقط فإن أخرج صاعا من أقط لم يتبين لي أن عليه الإعادة و الصاع ثمانية أرطال بالعراقي عند أبي حنيفة و محمد .
و عند أبي يوسف : خمسة أرطال و ثلث رطل بالعراقي و هو قول الشافعي .
وجه قوله : أن صاع المدينة خمسة أرطال و ثلث رطل و نقلوا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خلفا عن سلف .
و لهما : ما روي [ عن أنس Bه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ بالمد و المد رطلان و يغتسل بالصاع و الصاع ثمانية أرطال ] و هذا نص و لأن صاع عمر Bه و نقل أهل المدينة لم يصح لأن مالكا من فقهائهم يقول : صاع المدينة ثبت بتحري عبد الملك بن مروان فلم يصح النقل و قد ثبت أن صاع عمر Bه ثمانية أرطال فالعمل بصاع عمر أولى من العمل بصاع عبد الملك .
ثم المعتبر أن يكون ثمانية أرطال وزنا و كيلا و روى الحسن عن أبي حنيفة وزنا و روي عن محمد كيلا حتى لو وزن و أدى جاز عند أبي حنيفة و عند محمد : لا يجوز .
و قال الطحاوي : الصاع ثمانية أرطال فيما يستوي كليه و وزنه و هو العدس و الماش و الزبيب و إذا كان الصاع يسع ثمانية أرطال من العدس و الماش فهو الصاع الذي يكال به الشعير و التمر .
وجه ما ذكره الطحاوي : أن من الأشياء بما لا يختلف كيله و وزنه كالعدس و الماش و ما سواهما يختلف منها ما يكون وزنه أكثر من كليه كالشعير .
و منها : ما يكون كليه أكثر من وزنه كالملح فيجب تقدير المكاييل بما لا يختلف وزنه و كيله كالعدس و الماش فإذا كان الميكال يسع ثمانية أرطال من ذلك فهو الصاع الذي يكال به الشعير و التمر .
وجه قول محمد : أن النص ورد باسم الصاع و أنه ميكال لا يختلف وزن ما يدخل فيه خفة و ثقلا فوجب اعتبار الكيل المنصوص عليه .
وجه قول أبي حنيفة : أن الناس إذا اختلفوا في صاع يقدرونه بالوزن فدل أن المعتبر هو الوزن و أما صفة الواجب فهو أن وجوب المنصوص عليه من حيث أنه مال متقوم على الإطلاق لا من حيث أنه عين فيجوز أن يعطي عن جميع ذلك القيمة درهم أو دنانير أو فلوسا أو عروضا أو ما شاء و هذا عندنا .
و قال الشافعي : لا يجوز إخراج القيمة و هو على الاختلاف في الزكاة .
وجه قوله : إن النص ورد بوجوب أشياء مخصوصة و في تجويز القيمة يعتبر حكم النص و هذا لا يجوز .
و لنا : أن الواجب في الحقيقة إغناء الفقير لقوله صلى الله عليه و سلم : [ اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم ] و الإغناء يحصل بالقيمة بل أتم و أوفر لأنها أقرب إلى دفع الحاجة و به تبين أن النص معلول بالإغناء و أنه ليس في تجويز القيمة يعتبر حكم النص في الحقيقة و الله الموفق .
و لا يجوز أداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة سواء كان الذي أدى عنه من جنسه أو من خلاف جنسه بعد أن كان منصوبا عليه فكما لا يجوز إخراج الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط لا يجوز إخراج غير الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع من تمر تبلغ قيمته نصف صاع من الحنطة عن الحنطة بل يقع عن نفسه و عليه تكميل الباقي و إنما كان كذلك لأن القيمة لا تعتبر في المنصوص عليه و إنما تعتبر في غيره .
و هذا يؤيد قول من يقول من أهل الأصول : إن الحكم في المنصوص عليه يثبت بعين النص لا بمعنى النص و إنما المعنى لإثبات الحكم في غير المنصوص عليه و هو مذهب مشايخ العراق .
و أما التخريج على قول من يقول : إن الحكم في المنصوص عليه يثبت بالمعنى أيضا وهو قول مشايخنا بسمرقند .
و أما في الجنس فظاهر لأن بعض الجنس المنصوص عليه إنما يقوم مقام كله باعتبار القيمة و هي الجودة و الجودة في أموال الربا لا قيمة لها شرعا عند مقابلتها بجنسها لقول النبي A : [ جيدها ورديتها سواء ] اسقط اعتبار الجودة و الساقط شرعا ملحق بالساقط حقيقة و أما في خلاف الجنس فوجه التخريج أن الواجب في ذمته في صدقة الفطر عند هجوم وقت وجوب أحد شيئين : إما عين المنصوص عليه و إما القيمة و من عليه بالخيار إن شاء أخرج العين و إن شاء أخرج القيمة و لأيهما اختار تبين أنه هو الواجب من الأصل فإذا أدى بعض عين المنصوص عليه تعين واجبا من الأصل فليزمه تكليمه و هذا التخريج في صدقة الفطر صحيح لأن الواجب ههنا في الذمة ألا ترى أنه لا يسقط بهلاك النصاب لأنه ربع العشر و هو جزء من النصاب حتى يسقط بهلاك النصاب لفوات محل الوجوب