إثبات الأهل .
و إن صاموا بشهادة شاهد واحد فروى الحسن عن أبي حنيفة : أنهم لا يفطرون على شهادته برؤية هلال رمضان عند كمال العدد و إن وجب عليهم الصوم بشهادته فثبتت الرمضانية بشهادته في حق الصوم لا في حق الفطر لأنه لا شهادة له في الشرع على الفطر ألا ترى أنه لو شهد مقصودا لا تقبل بخلاف ما إذا صاموا يشهادة شاهدين لأن لهما شهادة الصوم و الفطر جميعا ألا ترى لو شهدا برؤية الهلال تقبل شهادتهما لأن وجوب الصوم عليهم بشهادته من طريق الاحتياط و الاحتياط ههنا في أن لا يفطروا بخلاف ما إذا صاموا بشهادة شاهدين لأن الوجوب هناك ثبت بدليل مطلق فيظهر في الصوم و الفطر جميعا .
و روى ابن سماعة عن محمد : أنهم يفطرون عند تمام العدد فأورد ابن سماعة عن محمد إشكالا فقال : إذا قبلت شهادة الواحد في الصوم تفطر على شهادته و متى أفطرت عند كمال العدد على شهادته فقد أفطرت بقول الواحد و هذا لا يجوز لاحتمال أن هذا اليوم من رمضان فأجاب محمد C فقال : لا أتهم المسلم أن يتعجل يوما مكان يوم و معناه أن الظاهر أنه إن كان صادقا في شهادته فالصوم وقع في أول الشهر فيختم بكمال العدد و قيل فيه بجواب آخر و هو أن جواز الفطر عند كمال العدد لم يثبت بشهادته مقصودا بل بمقتضى الشهادة و قد يثبت بمقتضى الشيء ما لا يثبت به مقصودا كالميراث بحكم النسب الثابت أنه يظهر بشهادة القابلة بالولادة و إن كان لا يظهر بشهادتها مقصودا و الاستشهاد على مذهبهما لا على مذهب أبي حنيفة لأن شهادة القابلة بالولادة لا تقبل في حق الميراث عنده .
و أما هلال ذي الحجة فإن كانت السماء مصحية فلا يقبل فيه إلا ما يقبل في هلال رمضان و هلال شوال و هو ما ذكرنا و إن كان بالسماء علة فقد قال أصحابنا إنه يقبل شهادة الواحد و ذكر الكرخي أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل و امرأتين كما في هلال شوال لأنه يتعلق بهذه الشهادة حكم شرعي و هو وجوب الأضحية على الناس فيشترط فيه العدد و الصحيح هو الأول لأن هذا ليس من باب الشهادة بل من باب الإخبار ألا ترى أن الأضحية تجب على الشاهد ثم تتعدى إلى غيره فكان من باب الخبر و لا يشترط فيه العدد .
و لو رأوا يوم الشك الهلال بعد الزوال أو قبلة فهو لليلة المستقبلة في قول أبي حنيفة و محمد و لا يكون ذلك اليوم من رمضان .
و قال أبو يوسف : إن كان بعد الزوال فكذلك و إن كان قبل الزوال فهو لليلة الماضية و يكون ذلك اليوم من رمضان و المسألة مختلفة بين الصحابة .
و روي عن عمر و ابن مسعود و أنس مثل قولهما و روي عن عمر Bه رواية أخرى مثل قوله و هو قول علي و عائشة Bهما و على هذا الخلاف هلال شوال و هو يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة عندهما و يكون اليوم من رمضان و عنده إن رأوا قبل الزوال يكون لليلة الماضية و يكون اليوم يوم الفطر و الأصل عندهما أنه لا يعتبر في رؤية الهلال قبل الزوال و لا بعده و إنما العبرة لرؤيته قبل غروب الشمس و عنده يعتبر .
وجه قول أبي يوسف : أن الهلال لا يرى قبل الزوال عادة إلا أن يكون لليلتين و هذا يوجب كون اليوم من رمضان في هلال رمضان و كونه يوم الفطر في هلال شوال .
و لهما : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته ] أمر بالصوم و الفطر بعد الرؤية و فيما قاله أبو يوسف يتقدم وجوب الصوم و الفطر على الرؤية و هذا خلاف النص .
و لو أن أهل مصر لم يروا الهلال فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا و فيهم رجل صام يوم الشك بنية رمضان ثم رأوا هلال شوال عشية التاسع و العشرين من رمضان فصام أهل المصر تسعة و عشرين يوما و صام ذلك الرجل ثلاثين يوما فأهل المصر قد أصابوا و أحسنوا و أساء ذلك الرجل و أخطأ لأنه خالف السنة إذ السنة أن يصام رمضان لرؤية الهلال إذا كانت السماء مصحية أو بعد شعبان ثلاثين يوما كما نطق به الحديث و قد عمل أهل المصر بذلك و خالف الرجل فقد أصاب أهل المصر و أخطأ الرجل و لا قضاء على أهل المصر لأن الشهر قد يكون ثلاثين يوما و قد يكون تسعة و عشرين يوما لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الشهر هكذا و هكذا و أشار إلى جميع أصابع يديه ثم قال : الشهر هكذا و هكذا ثلاثا و حبس إبهامه في المرة الثالثة ] فثبت أن الشهر قد يكون ثلاثين و قد يكون تسعة و عشرين .
و قد روي عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال : [ ضمنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم تسعة و عشرين يوما أكثر مما ضمنا ثلاثين يوما ] و لو صام أهل بلد آخر تسعة و عشرين يوما فإن كان صوم أهل ذلك البلد برؤية الهلال و ثبت ذلك عند قاضيهم أو عدوا شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا رمضان فعلى أهل البلد الآخر قضاء يوم لأنهم أفطروا يوما من رمضان لثبوت الرمضانية برؤية أهل ذلك البلد و عدم رؤية أهل البلد لا يقدح في رؤية أولئك إذ العدم لا يعارض الوجود و إن كان صوم أهل ذلك البلد بغير رؤية هلال رمضان أو لم تثبت الرؤية عند قاضيهم و لا عدوا شعبان ثلاثين يوما فقد أساؤا حيث تقدموا رمضان بصوم يوم و ليس على أهل البلد الآخر قضاؤه لما ذكرنا أن الشهر قد يكون ثلاثين و قد يكون تسعة و عشرين .
هذا إذا كانت المسافة بين البلدين قريبة لا تختلف فيها المطالع فأما إذا كانت بعيدة فلا يلزم أحد البلدين حكم الآخر لأن مطالع البلاد عند المسافة الفاحشة تختلف فيعتبر في أهل كل البلد مطالع بلدهم دون البلد الآخر .
و حكى عن أبي عبد الله بن أبي موسى الضرير أنه استفتي في أهل اسكندرية أن الشمس تغرب بها و من على منارتها ترى الشمس بعد ذلك بزمان كثير فقال : يحل لأهل البلد الفطر و لا يحل لمن على رأس المنارة إذا كان يرى غروب الشمس لأن مغرب الشمس يختلف كما يختلف مطلعها فيعتبر في أهل كل موضع مغربه .
و لو صام أهل مصر تسعة و عشرين و أفطروا للرؤية و فيهم مريض لم يصم فإن علم ما صام أهل مصره فعليه قضاء تسعة و عشرين يوما لأن القضاء على قدر الفائت و الفائت هذا القدر فعليه قضاء هذا القدر و إن لم يعلم هذا الرجل ما صنع أهل مصره صام ثلاثين يوما لأن الأصل في الشهر ثلاثون يوما و النقصان عارض فإذا لم يعلم عمل بالأصل و قالوا : فيمن أفطر شهرا لعذر ثلاثين يوما ثم قضى شهرا بالهلال فكان تسعة و عشرين يوما أن عليه قضاء يوم آخر لأن المعتبر عدد الأيام التي أفطر فيها دون الهلال لأن القضاء على قدر الفائت و الفائت ثلاثون يوما فيقضي يوما آخر تكملة لثلاثين