فصل : حكم فساد الصوم .
و أما حكم فساد الصوم ففساد الصوم يتعلق به أحكام بعضها يعم الصيامات كلها و بعضها يخص البعض دون البعض أما الذي يعم الكل فالإثم إذا أفسد بغير عذر لأنه أبطل عمله من غير عذر و إبطال العمل من غير عذر حرام لقوله تعالى : { و لا تبطلوا أعمالكم } .
و قال الشافعي : كذلك إلا في صوم التطوع بناء على أن الشروع في التطوع موجب للإتمام عندنا و عنده ليس بموجب و المسألة ذكرناها في كتاب الصلاة و إن كان بعذر لا يأثم و إذا اختلف الحكم بالعذر فلا بد من معرفة الأعذار المسقطة للإثم و المؤاخذة فنبينها بتوفيق الله تعالى فنقول : هي المرض و السفر و الإكراه و الحبل و الرضاع و الجوع و العطش و كبر السن لكن بعضها مرخص و بعضها مبيح مطلق لا موجب كما فيه خوف زيادة ضرر دون خوف الهلاك فهو مرخص و ما فيه خوف الهلاك فهو مبيح مطلق بل موجب فنذكر جملة ذلك فنقول : أما المرض فالمرخص منه هو الذي يخاف أن يزداد بالصوم و إليه وقعت الإشارة في الجامع الصغير فإنه قال في رجل خاف إن لم يفطر تزداد عيناه وجعا أو حماه شدة أفطر و ذكر الكرخي في مختصره إن المرض الذي يبيح الإفطار هو ما يخاف منه الموت أو زيادة العلة كائنا ما كانت العلة .
و روي عن أبي حنيفة أنه كان بحال يباح له أداء صلاة الفرض قاعدا فلا بأس بان يفطر و المبيح المطلق بل الموجب هو الذي يخاف منه الهلاك لأن فيه إلقاء النفس إلى التهلكة لا إقامة حق الله تعالى و هو الوجوب و الوجوب لا يبقى في هذه الحالة و أنه حرام فكان الإفطار مباحا بل واجبا .
و أما السفر : فالمرخص منه هو مطلق السفر المقدر و الأصل فيهما قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } أي فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر بعذر المرض و السفر فعدة من أيام أخر دل أن المرض و السفر سببا الرخصة ثم السفر و المرض و إن أطلق ذكرهما في الآية فالمراد منهما المقيد لأن مطلق السفر ليس بسبب الرخصة لأن حقيقة السفر هو الخروج عن الوطن أو الظهور و ذا يحصل بالخروج إلى الضيعة و لا تتعلق به الرخصة فعلم أن المرخص سفر مقدر بتقدير معلوم و هو الخروج عن الوطن على قصد مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا عندنا .
و عند الشافعي : يوم و ليلة و قد مضى الكلام في تقديره في كتاب الصلاة .
و كذا مطلق المرض ليس بسبب للرخصة لأن الرخصة بسبب المرض و السفر لمعنى المشقة بالصوم تيسرا لهما و تخفيفا عليهما على ما قال الله تعالى : { يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر } و من الأمراض ما ينفعه الصوم و يخففه و يكون الصوم على المريض أسهل من الأكل بل الأكل يضره و يشتد عليه و من العتبد الترخص بما يسهل على المريض تحصيله و التضييق بما يشتد عليه و في الأية دلالة وجوب القضاء على من أفطر بغير عذر لأنه لما وجب القضاء على المريض و الخمسافر مع أنهما أفطرا بسبب العذر المبيح للإفطار فلأن يجب على غير ذي العذر أولى .
و سواء كان السفر سفر طاعة أو مباح أو معصية عندنا .
و عند الشافعي : سفر المعصية لا يفيد الرخصة و المسألة مضت في كتاب الصلاة و الله أعلم .
و سواء سافر قبل دخول شهر رمضان أو بعده إن له أن يترخص فيفظر عند عامة الصحابة و عن علي و ابن عباس Bهما أنه إذا أهل في المصر ثم سافر لا يجوز له أن يفطر .
وجه قولهما : أنه لما استهل في الحضر لزمه في صوم الإقامة و هو صوم الشهر حتما فهو بالسفر يريد إسقاطه عن نفسه فلا يملك ذلك كاليوم الذي سافر فيه انه لا يجوز له أن يفطر فيه لما بينا كذا هذا .
و لعامة الصحابة Bهم قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } جعل الله مطلق السفر سبب الرخصة و لأن السفر إنما كان سبب الرخصة لمكان المشتقة و إنها توجد في الحالين فتثبت الرخصة في الحالين جميعا .
و أما وجه قولهما : إن بالإهلال في الحضر لزمه صوم الإقامة فنقول : نعم إذا أقام أما إذا سافر يلزمه صوم السفر و هو أن يكون فيه رخصة الإفطار لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر } فكان ما قلناه عملا بالآيتين فكان أولى بخلاف اليوم الذي سافر فيه لأنه كان منقيما في أول اليوم فدخل تحت خطاب المقيمين في ذلك اليوم فلزمه إتمامه حتما فأما اليوم الثاني و الثالث فهو مسافر فلا يدخل تحت خطاب المقيمين و لأن من المشايخ من قال إن الجزء الأول من كل يوم سبب لوجوب صوم ذلك اليوم و هو كان مقيما في أول الجزء فكان الجزء الأول سببا لوجوب صوم الإقامة و أما في اليوم الثاني و الثالث فهو مسافر فيه فكان الجزء الأول في حقه سببا لوجوب صوم السفر فثبت الوجوب مع رخصة الإفطار