السفر للصائم .
و لو لم يترخص المسافر و صام رمضان جاز صومه و ليس عليه القضاء في عدة من أيام أخر و قال بعض الناس : لا يجوز صومه في رمضان و لا يعتد به و يلزمه القضاء و حكى القدوري فيه اختلافا بين الصحابة فقال : يجوز صومه في قول أصحابنا وهو قول علي و ابن عباس و عائشة و عثمان و بن أبي العاص الثقفي Bهم .
و عند عمر و ابن عمر و أبي هريرة Bهم : لا يجوز و حجة هذا القول ظاهر قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } أمر المسافر بالصوم في أيام أخر مطلقا سواء صام في رمضان أو لم يصم إذا الإفطار غير مذكور في الآية فكان هذا من الله تعالى جعل وقت الصوم في حق المسافر أياما أخر و إذا صام في رمضان فقد صام في رمضان فقد صام قبل وقته فلا يعتد به في منع لزوم القضاء .
و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من صام في السفر فقد عصى أبا القاسم ] و المعصية مضادة للعبادة و روى عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ] فقد حقق له حكم الإفطار .
و لنا : ما روي : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صام في السفر ] .
و روي أنه أفطر و كذا روي عن الصحابة أنهم صاموا في السفر و روي : أنهم أفطروا حتى روي أن عليا Bه أهل هلال رمضان و هو يسير إلى نهروان فأصبح صائما و لأن الله تعالى جعل المرض و السفر من الأعذار المرخصة الإفطار تيسيرا و تخفيفا على أربابها و توسيعا عليهم قال الله تعالى : { يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر } فلو تحتم عليهم الصوم في غير السفر و لا يجوز في السفر لكان فيه تعسير و تضييق عليهم و هذا يضاد موضوع الرخصة و ينافي معنى التيسير فيؤدي إلى التناقض في وضع الشرع تعالى الله عن ذلك .
و لأن السفر لما كان سبب الرخصة فلو وجب القضاء مع وجود الأداء لصار ما هو سبب الرخصة سبب زيادة فرض لم يكن في حق غير صاحب العذر و هو القضاء مع وجود الأداء فيتناقض و لأن جواز الصوم للمسافر في رمضان مجمع عليه فإن التابعين أجمعوا عليه بعد وقوع الاختلاف فيه بين الصحابة Bهم و الخلاف في العصر الأول لا يمنع انعقاد الإجماع في العصر الثاني بل الإجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عندنا على ما عرف في أصول الفقه .
و به تبين أن الإفطار مضمر في الآية و عليه إجماع أهل التفسير و تقديرها فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر و على ذلك يجري ذكر الرخص على أنه ذكر الحظر في القرآن قال الله تعالى : .
{ حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير } إلىقوله تعالى : { فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه } أي من اضطر فأكل لأنه لا إثم يلحقه بنفس اضطرار و قال تعالى : { و أتموا الحج و العمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } أي فإن أحصرتم فأحللتم فأحللتم فما استير من الهدي لأنه معلوم أنه على النسك من الحج ما لم يوجد الإحلال و قال الله تعالى : { و لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام } أي فمن منكم مريضا أو به أذى من رأسه فحلق و دفع الأذى عن رأسه ففدية من صيام و نظائره كثيرة في القرآن .
و الحديثان : محمولان على ما إذا كان الصوم يجهده و بضعفه فإذا لم يفطر في السفر في هذه الحالة صار كالذي أفطر في الحضر لأنه يجب عليه الإفطار في هذه الحالة لما في الصوم في هذه الحالة من إلقاء النفس إلى التهلكة و أنه حرام .
ثم الصوم في السفر أفضل من الإفطار عندنا إذا لم يجهده الصوم و لم يضعفه .
و قال الشافعي : الإفطار أفضل بناء على أن الصوم في السفر عندنا و الإفطار رخصة .
و عند الشافعي : على العكس من ذلك .
و ذكر القدوري في المسألة اختلاف الصحابة فقال : روي عن حذيفة و عائشة و عروة بن الزبير مثل مذهبنا و روي عن ابن عباس Bهما مثل مذهبه و احتج بما روينا من الحديثين في المسألة الأولى .
و لنا قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } إلى قوله تعالى : { و لتكملوا العدة } .
و الاستدلال بالآية من وجوه : .
أحدها : أنه أخبر ان الصيام مكتوب على المؤمنين عاما أي مفروض إذ الكتابة هي الفرض لغة .
و الثاني : أنه أمر بالقضاء عند الإطار بقوله عز و جل : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } و الأمر بالقضاء عند الإطار دليل الفريضة من وجهين : .
أحدهما : أن القضاء لا يجب في الآداب و إنما يجب في الفرائض .
و الثاني : أن القضاء يدل عن الأداء فيدل على وجوب الأصل .
و الثالث : أن الله تعالى من علينا بأباحة الإطار بعذر المرض و السفر بقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر } أي يريد الإذن لكم بالإفطار للعذر و لو لم يكن الصوم فرضا لم يكن للامتنان بإباحة الفطر معنى لأن الفطر مباح في صوم النفل بالامتناع عنه .
و الرابع : أنه قال : { و لتكملوا العدة } شرط إكمال العدة في القضاء و هو دليل لزوم حفظ المتروك لئلا يدخل التقصير في القضاء و إنما يكون ذلك في الفرائض و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من كانت له حمولة تأوي إلى سبع فليصم رمضان حيث أدركه ] أمر المسافر بصوم رمضان إذا لم يجهده الصوم .
فثبت بهذه الدلائل أن صوم رمضان فرض على المسافر إلا أنه رخص له الإفطار و أثر الرخصة في سقوط المأثم لا في سقوط الوجوب فكان وجوب الصوم عليه وهو الحكم الأصلي و هو معنى العزيمة .
و روي عن أنس Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ المسافر إن أفطر فرخصة و إن يصم فهو أفضل ] و هذا نص في الباب لا يحتمل التأويل و ما ذكرنا من الدلائل في هذه المسألة حجة في المسألة الأولى لأنها تدل على وجوب الصوم على المسافر في رمضان و ما لا يعتد به لا يجب .
و الجواب : عن تعلقه بالحديثين ما ذكرنا في المسألة الأولى أنهما يحملان على حال خوف التلف على نفسه لو صام عملا بالدلائل أجمع بقدر الإمكان و هذا الذي ذكرنا من وجوب الصوم على المسافر في رمضان قول عامة مشايخنا .
و عند بعضهم : لا وجوب على المسافر في رمضان و الإفطار مباح مطلقا لأنه ثبت رخصة و تيسيرا عليه و معنى الرخصة و هو التيسير و السهولة في الإباحة المطلقة أكمل لما فيه من سقوط الحظر و المؤاخذة جميعا إلا أنه إذا ترك الترخص و اشتغل الترخص بالعزيمة يعود حكم العزيمة .
لكن مع هذا الصوم في حقه أفضل من الإفطار لما روينا من حديث أنس Bه و أما المبيح المطلق من السفر فيما فيه خوف الهلاك بسبب الصوم و الإفطار في مثله واجب فضلا عن الإباحة لما ذكرنا في المرض