و أما شرائط فرضيته فنوعان .
و أما شرائط فرضيته فنوعان نوع يعم الرجال و النساء و نوع يخص النساء أما الذي يعم الرجال و النساء فمنها : البلوغ و منها : العقل فلا حج على الصبي و المجنون لأنه لا خطاب عليهما فلا يلزمهما الحج حتى لو حجا ثم بلغ الصبي و أفاق المجنون فعليهما حجة الإسلام و ما فعله الصبي قبل البلوغ يكون تطوعا و قد روى عن النبي A أنه قال : [ أيما صبي حج عشر حجج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام ] .
و منها : الإسلام في حق أحكام الدنيا بالإجماع حتى لو حج الكافر ثم أسلم يجب عليه حجة الإسلام و لا يعتد بما حج في حال الكفر .
و قد روي عن رسول الله A أنه قال : [ أيما أعرابي جح و لو عشر حجج فعليه حجة الإسلام إذا هاجر ] يعني أنه حج قبل الإسلام ثم أسلم و لأن الحج عبادة و الكافر ليس من أهل العبادة و كذا لا حج على الكافر في حق أحكام الآخرة عندنا حتى لا يؤاخذ بالترك .
و عند الشافعي : ليس بشرط و يجب على الكافر حتى يؤاخذ بتركه في الآخرة .
و أصل المسألة أن الكافر لا يخاطبون بشرائع هي عبادات عندنا و عنده يخاطبون بذلك و هذا يعرف في أصول الفقة و لا حجة في قوله تعالى : [ و الله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ] لأن المراد منه المؤمنون بدليل سياق الآية و هو قوله [ و من كفر فإن الله غني عن العالمين ] و بدليل عقلي يشمل الحج و غيره من العبادات و هو أن الحج عبادة و الكافر ليس من أهل أداء العبادة و لا سبيل إلى الايجاب لقدريه على الأداء بتقديم الإسلام لما فيه من جعل المتبوع و التبع متبوعا و أنه قلب الحقيقة على ما بيننا في كتاب الزكاة و تخصيص العام بديلي عقلي جائز .
و منها : الحرية فلا حج على المملوك لما : روي [ عن النبي A أنه قال : أيما عبد حج عشر حجج فعليه حجة الإسلام إذا أعتق ] و لأن الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج بقوله تعالى : { و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } و لا استطاعة بدون ملك الزاد و الراحلة لما نذكر إن شاء الله تعالى و لا ملك للعبد لأنه مملوك فلا يكون مالكا بالإذن فلم يوجد شرط الوجوب و سواء أذن له المولى بالحج أو لأنه لا يصير مالكا إلا بلإذن فلم يجب عليه الحج فيكون ما حج في حال الرق تطوعا .
و لأن ما روينا من الحديث لا يفصل بين الإذن و عدم الإذن فلا يقع حجة عن حجة الإسلام بحال بخلاف الفقير لأنه لا يجب الحج عليه في الابتداء ثم إذا حج بالسؤال من الناس يجوز ذلك عن حجة الإسلام حتى لو أيسر لا يلزمه حجة أخرى لأن الاستطاعة بملك الزاد و الراحلة و منافع البدن شرط الوجوب لأن الحج يقام بالمال و البدن جميعا و العبد لا يملك شيئا من ذلك فلم يجب عليه ابتداء و انتهاء و الفقير يملك منافع نفسه إذ لا ملك لأحد فيها إلا أنه ليس له ملك الزاد و الراحلة و أنه شرط ابتداء الوجوب فامتنع الوجوب في الابتداء فإذا بلغ مكة و هو يملك منافع بدنه فقد قدر على الحج بالمشي و قليل زاد عليه الحج فإذا أدى وقع عن حجة الإسلام فأما العبد فمنافع بدنه ملك مولاه ابتداء و انتهاء ما دام عبدا فلا يكون قادرا على الحج ابتداء و انتهاء فلم يجب عليه .
و لهذا قلنا : إن الفقير إذا حضر القتال يضرب له بسهم كامل كسائر من فرض عليه و إن كان لا يجب عليه الجهاد ابتداء و العبد إذا شهد الواقعة لا يضرب له بسهم الحر بل يرضخ له و ما افترقا إلا لما ذكرنا و هذا بخلاف العبد إذا شهد الجمعة و صلى أنه يقع فرضا و إن كان لا تجب عليه الجمعة في الابتداء لأن منافع العبد مملوكة للمولى .
و العبد محجور عن التصرف في ملك مولاه نظرا للمولى إلا قدر ما استثنى عن ملكه من الصلوات الخمس فإنه مبقي فيها على أصل الحرية لحكمة الله تعالى في ذلك و ليس في ذلك كبير ضرر بالمولى لأنها تتأدى بمنافع البدن في ساعات قليلة فيكون فيه نفع العبد من غير ضرر بالمولى فإذا حضر الجمعة و فاتت المنافع بسبب السعي فيعد ذلك الظهر و الجمعة سواء فنظر المالك في جواز الجمعة إذ لو لم يجز له ذلك يجب عليه أداء الظهر ثانيا فيزيد الضرر في حق المولى بخلاف الحج و الجهاد فإنهما لا يؤديان إلا بالمال و النفس في مدة طويلة و فيه ضرر بالمولى بفوات ماله و تعطيل كثير من منافع العبد فلم مبقى على أصل الحرية في حق هاتين العبادتين .
و لو قلنا : بالجوار عن الفرض إذا وجد من العيد يتبادر العبيد إلى الأداء ليكون الحج عبادة مرغوبة و كذا الجهاد فيؤدي إلى الاضرار بالمولى فالشرع حجر عليهم و سد هذا الباب نظرا بالمولى حتى لا يجب إلا بملك الزاد و الراحلة و ملك منافع البدن .
و لو أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة فإن مضى على إحرامه يكون حجة تطوعا عندنا .
و عن الشافعي : يكون عن حجة الإسلام إذا وقف بعرفة و هو بالغ و هذا بناء على أن من عليه حجة الإسلام إذا نوى النفل يقع عندنا و عنده يقع عن الفرض و لمسألة تأتي في موضعها إن شاء الله تعالى و لو جدد الإحرام بأن لبى أو نوى حجة الإسلام و وقف يعرفة و طاف طواف الزيارة يكون عن حجة الإسلام بلا خلاف و كذا المجنون إذا أفاق و الكافر إذا أسلم قبل الوقوف بعرفة فجدد الإحرام .
و لو أحرم العبد ثم عتق فأحرم بحجة الإسلام بعد العتق لا يكون ذلك عن حجة الإسلام بخلاف الصبي و المجنون و الكافر و الفرق أن إحرام الكافر و المجنون لم ينعقد أصلا لعدم الأهليلة و إحرام الصبي العاقل وقع صحيحا لكنه غير لازم لكونه غير مخاطب فكان محتملا للانتقاض فإذا جدد الإحرام بحجة الإسلام انتقض فأما إحرام العبد فإنه وقع لازما لكونه أهلا للخطاب فانعقد إحرامه تطوعا فلا يصح إحرامه الثاني إلا بفسخ الأول و أنه لا يحتمل الانفساخ .
و منها : صحة البدن فلا حج على المريض الزمن و المقعد و المفلوج و الشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بنفسه و المحبوس و الممنوع من قبل السلطان الجائز عن الخروج إلى الحج لأن الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج و المراد منها استطاعة التكليف و هي سلامة الأسباب و الآلات و من جملة الأسباب سلامة البدن عن الآفات المانعة عن القيام بما لا بد منه في سفر الحج لأن الحج عبادة بدنية فلا يد من سلامة البدن و لا سلامة مع المانع .
و عن ابن عباس Bه في قوله عز و جل : { من استطاع إليه سبيلا } أن السبيل أن يصح بدن العبد و يكون له ثمن زاد و راحلة من غير أن يحجب و لأن القرب و العبادات و جبت بحق الشكر لما أنعم الله على المكلف فإذا منع السبب الذي هو النعمة و هو سلامة البدن أو المال كيف يكلف بالشكر و لا نعمة